لا أشك أن هناك فرحة عارمة عمّت أنحاء عديدة في عالمنا الإسلامي بعد سماع خبر إسقاط تركيا لطائرة مقاتلة روسية اخترقت المجال الجوي التركي، بالقرب من الحدود التركية السورية.وتكمن هذه السعادة في أنها المرة الأولى منذ سنوات بعيدة تُقدِم فيها دولة إسلامية على إسقاط طائرة مقاتلة تابعة لدولة كبرى - تملك حق الفيتو في مجلس الأمن - بسبب تعديها على مجالها الجوي.فلقد تعودنا على اختراقات عديدة تقع في بلدان عربية، وقد يصاحبها قصف لمواقع معينة، دون أن يكون هناك موقف قوي يرد الاعتبار.شعر المسلمون بالعزة بأن تكون هناك دولة إسلامية تستطيع أن تحمي حدودها وترد بقوة على من يتعدّاها ولو كان بحجم الدب الروسي.أعتقد أن الرد التركي الحازم جاء انطلاقاً من قوة تمتلكها داخلياً وخارجياً، فقوة تركيا الداخلية أساسها رئيس جمهورية منتخب، ورئيس حكومة جاء عبر صناديق الاقتراع النزيهة مما يعطيه دعماً شعبياً واسعاً.وكذلك قوة الاقتصاد التركي، وامتلاك تركيا لأسلحة متطورة سواء من الصنع المحلي أو الشراء الخارجي.وقوتها الخارجية تنطلق من كونها عضواً في حلف «الناتو» وهي ثاني أكبر قوة فيه، ناهيك عن حقها الدولي والمشروع في حماية سيادة أراضيها.إن مما يدعم الموقف التركي هو علاقاتها الخارجية مع أطراف عدة مؤثرة في العالم، ولعل اتصالاتها السريعة التي أجرتها مع حلف الناتو وأميركا وألمانيا لتوضيح حقيقة الموقف جعلها تكسب تأييداً ديبلوماسياً، ظهر من خلال تصريح الرئيس الأميركي والذي أكد فيه على حق تركيا في حماية سيادتها، واستنكر الضربات الروسية في سورية والتي تضر المعارضة المعتدلة، وتقوي موقف الرئيس السوري، المجرم في حق شعبه.الموقف التركي الشجاع ينبغي أن يقابله دعم وتأييد من منظمة العالم الإسلامي ودولِهِ الأعضاء، وفي مقدمتها الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية، دعم ديبلوماسي وإعلامي ومالي إذا اقتضى الأمر، وأن يتم تبنّي الرواية التركية لحادث إسقاط المقاتلة الروسية، فلا يجوز شرعاً تخلي المسلم عن نصرة أخيه المسلم، خاصة إذا كان الحق معه.ومن العجب والمعيب أن يتبنّى بعض المنتسبين للإسلام حملة إعلامية ضد تركيا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يدعمون فيها الرواية الروسية، ويطالبون فيها الرئيس «بوتين» بضرب تركيا وتأديبها حسب زعمهم.مثل هذه المواقف تدلنا على مدى حالة التخاذل والتّصَهْيُن التي وصلت عند بعض المنتسبين للإسلام، والحاقدين على كل ما هو جميل في هذه الأمة، لكن يبدو أن عِزّة أردوغان وتركيا أحرجت الانهزامية والذل والخنوع الموجود في رقاب بعض العبيد.لا أعتقد أن روسيا يمكنها أن تقوم بأي عمل عسكري بعد أن مرّغ الأتراك أنفها في التراب، وذلك لأنها تدرك القوة التي تستند عليها تركيا كعضو في حلف الناتو.وكذلك المصالح التجارية والاقتصادية الكبيرة المتبادلة بين البلدين، فهناك اتفاقية بين الجانبين لبناء مفاعلات نووية في تركيا تقدر قيمتها بنحو 20 مليار دولار، وتركيا من أهم المستوردين للغاز الطبيعي من موسكو بما يعادل 45 في المئة من كمية الغاز التركي المستهلك، في الوقت الذي تنفذ فيه روسيا مشروع تمديد خطوط الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أراضي تركيا بعد الأزمة الأوكرانية.أخيرا جاء إسقاط الطائرة الروسية من خلال سلاح الجو التركي، بعد أيام قليلة من تصريحات «بوتين» والتي هدد فيها تركيا والسعودية وقطر.فكان لسان حال قائد الجمهورية التركية «أردوغان»: الرد ما ستراه لا ما ستسمعه.
مقالات
رسالتي
تركيا... وأنف روسيا
07:56 م