في بلاد اللغة العربية – التي تُشتهر بـ «لغة الضاد» – اندثرت معالم مادية ومعنوية كثيرة عبر القرون، لكن المُلاحظ أن ذلك الاندثار لم يجد طريقه حتى الآن إلى عنصر حضاري وثقافي مهم ألا وهو اللغات غير العربية أو «الأعجمية» التي نشأت وترعرعت منذ أزمان متفاوتة وما زالت «حَيّةً تُنْطَق» في أرجاء العالم العربي الكبير الممتد حالياً من سواحل المحيط الأطلسي غرباً إلى شواطئ بحر العرب شرقا ومن سواحل شرق وجنوب البحر المتوسط شمالا إلى القرن الأفريقي والمحيط الهندي في الجنوب الشرقي.فعلى الرغم من أن العربية هي اللغة الرسمية الوحيدة المعتمدة في 22 دولة من دول العالم العربي منذ قرون وتنطق بها الغالبية الساحقة من سكان تلك الدول، فإن هذا التسيُّد اللغوي لم ينتزع حق البقاء على قيد الحياة من لغات أعجمية نشأ بعضها في المنطقة قبل عشرات القرون بينما وفد البعض الآخر اليها مع موجات وحركات هجرة متعاقبة عبر التاريخ.وما زالت الفسيفساء اللغوية في العالم العربي تزخر حتى يومنا هذا بأكثر من 12 لغة أعجمية قديمة تنطق بها أقليات عرقية يجيد أبناؤها النطق أيضاً بلغة الضاد بفصاحة وبلاغة تفوق أحياناً ألسنة مواطنيهم العرب الأقحاح، إلى درجة أن منهم من أصبحوا شعراء أفذاذاً.وفي التالي نستعرض بإيجاز أبرز تلك اللغات الأعجمية التي ما زالت «حَيّةً تُنْطَق» في عالمنا العربي، مع إلقاء الضوء على أشهر الشخصيات التي برزت من بين مواطني العالم العربي الناطقين بكل لغة:

السريانية

اللغة السريانية الحالية هي نسخة معاصرة من اللغة الآرامية التي كان يتحدث بها السيد المسيح (عيسى عليه السلام)، وهي لا تزال متداولة ومزدهرة حتى يومنا هذا بين الأقليات الآشورية في العراق وسورية وفلسطين ولبنان حيث يتم استخدامها كلغة رسمية وحيدة للصلاة في كنائس تلك الأقليات.وتجدر الإشارة إلى أن هناك مواطنين كويتيين يتحدرون من أجداد كانوا ينطقون اللغة السريانية، ومن أشهرهم القس عمانويل الغريب راعي الكنيسة الإنجيلية الوطنية في الكويت الذي من المرجح أنه يتقن تلك اللغة بالوراثة، وهو يتحدر أساساً من أصول تركية كانت قد هاجرت إلى الكويت واستقرت فيها قبل سنوات طويلة.أما مشاهير الناطقين بالسريانية في العالم العربي قديما فكان أبرزهم حنين ابن اسحق الذي كان أول من ترجم المصطلحات الطبية من اللاتينية إلى اللغة العربية خلال العصر العباسي.

المهرية

هي إحدى اللغات الساميّة التي يعود منشأها إلى جنوب شبه الجزيرة العربية، وهي لغة قبيلة المِهرة التي انتشرت قديماً انطلاقا من شرق اليمن وما زال لأفرادها وجود نادر ومتناثر حتى الآن في الكويت وسلطنة عمان والإمارات وشرق السعودية.وعلى الرغم من أنها تُعد من بين لغات جنوب الجزيرة العربية، إلا أنها ليست لغة عربية في حد ذاتها حتى و إن تشابهت معها في بعض السمات. وتقدر أعداد من ينطقون باللغة المهرية حالياً بنحو 20 ألف نسمة. وتختلف اللغة المهرية عن اللغة الأمهرية التي يتحدث بها سكان إثيوبيا منذ ما قبل الميلاد.

الأمازيغية

هي لغة قبائل البربر التي تنتشر منذ عصور سحيقة في أرجاء شمال أفريقيا ابتداء من واحة سيوة في مصر وانتهاء بالمغرب وموريتانيا مروراً بليبيا وتونس والجزائر. ولعل كثيرين لا يعلمون أن الأمازيغية كانت اللغة الأم لمشاهير وأبطال كثيرين عبر التاريخ العربي والإسلامي، بمن في هؤلاء القائد المسلم طارق بن زياد، وعباس بن فرناس، والفيلسوف ابن رشد، والرحالة ابن بطوطة، والقائد المسلم الفاتح يوسف بن تاشفين الذين كانوا جميعا ينتمون إلى قبائل البربر أو الأمازيغ.ويوجد حالياً عدد كبير جدا من الناطقين بالأمازيغية في المغرب إلى درجة أن المملكة اعتمدتها كلغة رسمية ثانية إلى جانب اللغة العربية.

الكردية

تنتمي اللغة الكردية إلى أسرة اللغات الهندو- أوروبية، وتحديدا إلى المجموعة الإيرانو- آرية ضمن تلك الأسرة. والكردية هي حاليا لغة ما يربو على 30 مليون كردي يعيشون على امتداد منطقة شاسعة تتوزع جغرافيا بين العراق وسورية وتركيا وإيران.ومن بين أشهر من نطقوا اللغة الكردية قديماً السلطان صلاح الدين الأيوبي الذي حرر بيت المقدس من قبضة الصليبيين، وشيخ الاسلام ابن تيمية، والمؤرخان ابن الأثير وابن خلكان. وحديثاً، أسهم مشاهير كثيرون ذوو أصول كردية في إثراء العالم العربي بإبداعاتهم في مجالات شتى بمن في هؤلاء الأديب الفذ عباس العقاد وأمير الشعراء أحمد شوقي والشاعران العراقيان معروف الرصافي وجميل صدقي الزهاوي، إلى جانب شخصيات سياسية بارزة كان من أهمها رئيسا سورية حسني الزعيم ومحمد علي العابد والزعيم الدرزي اللبناني الراحل كمال جنبلاط وابنه وليد.

التركمانية

التركمانية هي لغة العراقيين والسوريين المتحدرين من أصول تركية وإيرانية منذ أيام اضطرابات الخلافة العثمانية، لكنها تختلف عن اللغة التركية إلى درجة كبيرة. وتوجد أقليات تركمانية حالياً في سورية والعراق ومصر. وعبر تاريخ العالم العربي، كانت لناطقين بالتركمانية إسهامات مؤثرة، وكان من أبرزهم القادة العسكريون نور الدين زنكي وقطز والظاهر بيبرس ويوسف العظمة. ومن أشهر الفنانين ذوي الأصول التركمانية في وقتنا الراهن الممثل السوري المبدع ياسر العظمة.

الشيشانية

هي لغة قوقازية المنشأ والمنبت، وينطق بها حاليا نحو 30 ألفا في العالم العربي يتحدرون من أصول شيشانية، ممن كان أسلافهم قد هاجروا إبان الحقبة العثمانية إلى سورية والأردن والعراق.ومنذ نزوحهم إلى العالم العربي، برع ابناء الناطقين بالشيشانية في مجال السياسة على وجه التحديد إذ تولى كثيرون منهم مناصب سياسية قيادية في تلك الدول الثلاثة بمن في هؤلاء محمود شوكت باشا وناجي شوكت باشا وياسين الهاشمي الذين تولوا منصب رئاسة وزراء العراق تباعاً منذ أوائل وحتى أربعينات القرن العشرين. وفي الأردن تولى عشرات منهم مناصب سياسية وعسكرية كثيرة بمن فيهم اللواء الركن أحمد علاء الدين أرسلان الذي تولى لفترة طويلة منصب المفتش العام للقوات المسلحة الأردنية.

الشركسية

هي إحدى اللهجات المستحدثة المتحدرة من لغات شمال القوقاز. نشأت الشركسية وتطورت كلغة مستقلة في العالم العربي عندما فر الشركس من القوقاز إلى أراضي الامبراطورية العثمانية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وذلك في إطار ما يعرف تاريخيا بـ «الشتات الشركسي». وما زالت الشركسية منطوقة حتى الآن على ألسنة أقليات محدودة تعيش في دول عربية من بينها سورية والأردن ومصر.ومن بين المشاهير ذوي الأصول الشركسية في العالم العربي الشاعر المصري محمود سامي باشا البارودي، والملكة فريدة ملكة مصر السابقة، ومحمد شريف باشا الذي تولى منصب رئيس وزراء مصر إبان العهد الملكي.

النوبية

تنتمي اللغة النوبية إلى أسرة اللغات الأفرو- آسيوية والبربرية، وهي مازالت اللغة المتداولة بين النوبيين الذين يعيشون حاليا في شتى أرجاء مصر، وبشكل خاص على امتداد نهر النيل ابتداء من جنوب مصر ووصولا إلى شمال السودان. وعبر التاريخ اشتهر كثيرون من الناطقين باللغة النوبية، وكان من أبرزهم المشير محمد حسين طنطاوي، والمطرب محمد منير، ولاعبا كرة القدم أحمد الكاس ومحمد حمص وآخرون.

الأرمينية

هي لغة هندو - أوروبية، و يتحدث بها العرب ذوو الأصول الأرمينية ممن هاجر أجدادهم قديماً إلى العراق ومنطقة شرق البحر المتوسط خلال الألفية الميلادية الأولى، وتزايدت أعداد النازحين منهم إلى المنطقة العربية في أعقاب الاضطرابات التي عصفت بالأراضي العثمانية في أربعينات القرن العشرين. ومن أشهر الشخصيات ذات الأصول الأرمينية في العالم العربي نوبار باشا الذي كان أول رئيس وزراء لمصر، ورسام الكاريكاتير المصري الموهوب صاروخان، والممثلات الاستعراضيات المصريات لبلبة ونيللي والطفلة المعجزة فيروز التي لعبت بطولة أكثر من فيلم مصري أمام النجم الراحل أنور وجدي.

السواحيلية

تنتمي السواحيلية إلى أسرة لغات الـ «بانتو»، وهي اللغة الرسمية الأولى للشعوب السواحيلية التي تنتشر على امتداد دول جنوب شرق أفريقيا، ويوجد ناطقون بها في دول عربية أفريقية من بينها الصومال وجيبوتي وجزر القمر، علاوة على أقلية صغيرة تستوطن سلطنة عمان منذ قرون. لكن تاريخ العالم العربي لم يسجل حتى الآن مشاهير بارزين من بين الناطقين باللغة السواحيلية في تلك الدول.

القُمرية

هي إحدى اللغتين الرسميتين لجمهورية جزر القمر، وهي عبارة عن نتاج لمزيج بين اللغتين العربية والسواحيلية. لكن الناطقين باللغة القمرية لم يسهموا حتى الآن بمشاهير جديرين بالذكر أو التنويه في تاريخ العالم العربي.