فيما تعاني دول كثيرة من انتشار الإرهاب وأفكار التطرف بين الشباب، زادت الحاجة إلى المراقبة الأمنية بشكل كبير... حصول تفجيرات هنا وعمليات انتحارية منفذوها إرهابيون صغار ليسوا جميعاً من أصحاب السوابق، بل مجرد مراهقين مغامرين.هؤلاء الذين تتفاجأ أسرهم ومجتمعاتهم بجرائمهم الإرهابية التي تصدم الإنسانية بأسرها لم يكونوا يوماً تحت المراقبة بل باغتوا الأجهزة الأمنية من حيث لا تعلم أو تتوقع.ومن جديد أصبحت هناك حاجة ملحة أكبر للمراقبة والتتبع وكشف نوايا الإرهابيين قبل قيامهم بإرهابهم. هذا الهدف دفع السلطات الأمنية في دول عدة إلى ضرورة مراقبة أكثر عدد ممكن من الشباب المستخدم لوسائل الإعلام الالكترونية التي تروج لأفكار التطرف مثل «تويتر» و«فايسبوك»، كما وضعت بعض وكالات المخابرات مكالمات المشبوهين تحت مجهر التنصت.لكن هل سيتم التنصت على ملايين البشر حول العالم؟، وهل ستحتاج وزارات الداخلية إلى توظيف جيش من عناصر أمن الدولة لمراقبة النوايا الإرهابية لشباب كانوا يعيشون في سلام وفجأة تحولوا إلى قنابل بشرية تريد الدمار فقط؟هذه الحاجة الأمنية الملحة لتأمين المجتمعات من شر نوايا تدميرية تهدد بتفكيك تركيبة شعوب برمتها، سارعت شركات غربية إلى انتهازها وتقديم حلول أمنية تزعم أنها قادرة على كشف نوايا الإرهابيين مسبقاً، وذلك عبر ترويج تقنيات متطورة يمكنها التجسس على المشبوهين المتورطين في الإرهاب وخصوصاً الموالين للتنظيمات المتشددة التي تبحث كل لحظة عن موالين جدد لها.المخاوف من الإرهابيين غذت سوقاً وافرة من طلبات تقنيات المراقبة جنت منها شركات أمنية كثيرة أغلبها إسرائيلية أموالاً طائلة من خلال بيعها لتقنيات تجسس لوكالات استخبارات دول كثيرة تعاني من الإرهاب أو أخرى تريد تحصين نفسها من شبح تطور هذه الآفة التي تنخر عقول الشباب خاصة.وقال تقرير لمجلة (فورتشين) إن «مبيعات كاميرات المراقبة عبر الفيديو على سبيل المثال قفزت بشكل كبير في السنوات الأخيرة نظراً للطلب الواسع عليها أفراداً وشركات وحكومات»، وكلما زادت العمليات الإرهابية في دول ما زادت المخاوف ودفعت أصحاب القرار أو الأفراد وحتى الشركات إلى طلب شراء المزيد من كاميرات المراقبة.لكن هل ينتهي الإرهاب أو بمعنى آخر يمكن القضاء عليه بكاميرات مراقبة يمكن أن تشكل رادعاً للجريمة؟الولايات المتحدة الأميركية من أكثر دول العالم اعتماداً على تقنيات المراقبة العلنية عبر الكاميرات المعلقة والمخفية في الأماكن العامة والخاصة، وعلى الرغم من تواجد شبكة هائلة من نظام المراقبة الآلية والآنية إلا أن الولايات المتحدة الأميركية تعد من أكثر دول العالم تسجيلاً للجرائم، أي أن الكاميرات لم تكن رادعاً حقيقياً للجريمة بقدر ما كانت فقط دليلاً على الجريمة.وفيما بررت دول كثيرة لجوءها لزيادة تقنيات المراقبة بمخاوف من الإرهاب، أصبح الحديث عن الخصوصية أمراً ثانوياً لأن مطالب شعبية كثيرة دفعت بالأمن كأولويات مطالبها متقدمة حتى على الخصوصية التي انتفضت لأجلها في السابق شعوب في دول غربية مثل أميركا وبريطانيا التي سجلت تظاهرات في السنوات السابقة دفعت الآلاف إلى الخروج إلى الشارع مطالبين حكوماتهم بالكف عن الاستثمار في برامج التجسس خصوصاً عبر الهواتف.لكن صمتت هذه الأصوات الرافضة في العامين الأخيرين خصوصاً بعد تهديدات تنظيم «داعش» في عقر أوروبا وأميركا والتحاق بريطانيين وأميركيين بالتنظيم ما دعت إلى زيادة المراقبة، وأصبح يُنظر إلى الإجراءات الأمنية ومن بينها التجسس كرادع أمني، وليس كانتهاك للخصوصية، وقد استغلت الأنظمة مخاوف الشعوب من الإرهاب لزيادة فرض أنظمة من شأنها التجسس على الشعوب التي أصبحت لا تمانع في ذلك، والدليل تراجع الأصوات الرافضة لزيادة التتبع والمراقبة لشبكة الاتصالات ومواقع الاتصال عبر الانترنت.وبذلك فإن تنظيم «داعش» خصوصاً قدم أفضل ذريعة لأجهزة المخابرات في العالم لزيادة التجسس على الشعوب. فهل يكون ذلك حلاً لاستئصال الإرهاب قبل وقوعه أم هو إجراء يخدم الأنظمة فقط ويقمع الحريات؟شركات غربية أكدت تقارير أنها باعت إلى دول مختلفة بما فيها دول عربية تقنيات تجسس جديدة لمحاولة كشف الخلايا النائمة للإرهابيين وذلك عبر اختراق الغرف المظلمة لمواقع اتصال المتعاطفين مع الأفكار المتشددة ودردشاتهم عبر الانترنت.تقرير على موقع «فورتشين» أكد أن بعض (الهاكرز) عند اختراقهم لإحدى الشركات الأمنية كشفوا أن وكالات مخابرات أجنبية اشترت تقنيات تجسس لمراقبة الشعوب وخصوصاً المشتبهين بالتورط لصالح تنظيمات متشددة أو معارضين للحكومات.ووفق وكالة (اسوشياتيد برس) فإن «وكالة المخابرات السودانية ودولاً مثل روسيا وأوزباكيستان ومصر واذربيدجان طلبت شراء تقنيات تجسس».وذكر تقرير لـ(فاينانشيل تايمز) أن «تكنولوجيا التجسس تطورها خصوصاً شركات إسرائيلية على رأسها شركات (نايس سيستم)، وهي تلك الشركة التي باعت تكنولوجيات تجسس أخيرة لكولومبيا».وحسب صحيفة (هاارتس) فإن «إسرائيل طورت بشكل كبير صناعة أنظمة المراقبة والتتبع والتجسس، حتى أن شركة أميركية اشترت في صيف هذا العام وحدة أنظمة المراقبة من شركة نايس سيستم بقيمة تعدت الـ100 مليون دولار وهي دلالة واضحة على رواج بيع انظمة التجسس في العالم».وتبيع شركات إسرائيلية حسب تقرير لصحيفة (يدعوت احرنوت) برامج خبيثة مثل الفيروسات والتي من خلالها تستطيع وكالات المخابرات أن تخترق أجهزة هواتف، وكمبيوترات وكاميرات وتلفزيونات ذكية. المهم أنها تعمل بالإنترنت حتى إن كانت مقفلة.ويمكن هذا الاختراق الأجهزة الأمنية من الحصول على معلومات وبيانات كثيرة بالإضافة إلى أن الاختراق عبر الفيروسات سيكون أسهل وأكثر انتشاراً إذا تم استهداف الهواتف الذكية وبذلك يمكن أن تتوسع دائرة التجسس مع زيادة امتلاك الأفراد لهذه الهواتف المتصلة بالضرورة بالانترنت. فهل سيكون انتشار الهواتف الذكية نقمة وليس نعمة على خصوصية الأفراد؟قريباً يتملك جميع سكان العالم بمن فيهم الفقراء والأغنياء أجهزة هواتف ذكية. الهواتف القديمة باتت ضمن الأرشيف ومع تدني أسعار الهواتف الذكية أصبح أغلب الناس يميلون لشرائها، ولكن لا يستعملون إلا نسبة محدودة جداً من ذكاء هذه الهواتف فقط أكثر ما يهمهم أنهم متصلون بالانترنت ومواقع الدردشة.وبذلك نجح القائمون على النظام العالمي للاتصال الجديد في استدراج سكان الأرض في فخ التجسس، وبات من السهل على شركات أصبحت بالمئات في العالم قادرة على توفير تقنيات جديدة تمكن الحكومات من التجسس على شعوبها بكل سهولة عبر النفاذ إلى كل شخص عبر الهاتف المتصل بالانترنت. فما دام أي شخص متصل بالشبكة العنكبوتية من هاتفه أو أي جهاز إلكتروني فهو تحت رادار شركات الجاسوسية العالمية التي باعت بعضها تقنيات لبعض الأنظمة لتراقب المشبوهين أو التي تصنفهم الحكومات بالمجرمين أو الشخصيات الخطرة أو الإرهابيين وغيرهم.ويمتلك اليوم نحو نصف سكان الأرض أجهزة هواتف ذكية متصلة بالإنترنت. والسعي حثيث لأن يكون كل سكان الأرض متصلين بالشبكة العنبكوتية في أفق 2020، وبهذا الربط ستسهل السيطرة على الاتصالات العالمية، ويمكن التجسس على كل البشر في كل مكان، أما التجسس فلن يكون فقط على المكالمات بل حتى المكان الذي يقصده الشخص أو حديث بين الأصدقاء في قاعة الجلوس أثناء مشاهدة تلفزيون ذكي متصل بالانترنت.وبينت تقارير أجنبية أن جميع الأجهزة التي سيستعملها البشر في السنوات المقبلة ستكون أجهزة ذكية أي أنها مرتبطة بنظام عملاق متصل بشبكة الإنترنت المتركزة في الولايات المتحدة، وبذلك ستزيد ثغرات التجسس على البشر، ولا مفر من ذلك إلا بلجوء الإنسان للعيش من دون تقنيات وخدمات تكنولوجيا الإنترنت التي تزحف للسيطرة على كافة الخدمات التي يحتاجها الإنسان يومياً من التواصل إلى الاعتماد عليها في الترفيه والعمل وحتى الصحة، فأجهزة كثيرة ستوفر للأفراد كشف أمراضهم عن بعد أو استشارة طبيب عبر أجهزة اتصال عن بعد أيضاً.الحياة ستكون انترنتية الكترونية بامتياز وقد تسهل المهمة على القائمين على صناعة أجهزة التجسس عبر إتاحة خدمة المراقبة للحكومات أو الجهات الخاصة. فحسب تقارير مواقع متخصصة مثل(أي ويك) و(تيلغراف) فإن «شبكة الانترنت فيها ثغرات كبيرة لم يتم تلافيها الى حد الآن» تسمح بتسلل الهاكرز ووكالات المخابرات إلى بيانات الأفراد وتستطيع سرقة معلومات من على أجهزتهم أو التنصت عليهم.يذكر أن شركات استغلت ظروف الحرب على الإرهاب والخوف من انقلاب مواطنين عاديين إلى إرهابيين ومتطرفين فروجت أجهزة تجسس ومراقبة تمكن الحكومات من تتبع المشتبه بهم أو المصنفين ضمن الخطرين، لكن أن تكتشف إرهابياً عبر التنصت عليه فإن ذلك يمثل حلاً بقدر محاربة الإرهاب عبر الاستثمار في التوعية أكثر من شراء أنظمة يتم التجسس من خلالها على الناس.
متفرقات - قضايا
بدعوى الحاجة لمراقبة الإرهابيين قبل قيامهم بتنفيذ جرائمهم
التجسّس على الشعوب... هل بات ضرورة أمنية؟
11:10 ص