فقد السوق الكويتي قرابة الأربعين شركة مدرجة، أي خُمس شركاته المدرجة تقريباً خلال سنوات قليلة من خلال الانسحابات الاختيارية وقرارات الشطب. فهل هو إشعارٌ آخر بخفوت بريق البورصة الأعرق في المنطقة ودخولها في خريف العمر؟ أم إنها بنية جديدة للسوق في ظل هيئة أسواق المال ومن وحي دروس الأزمة؟لا يجادل كثيرون في أن لتزايد وتيرة الانسحابات من سوق الكويت للأوراق المالية بعض الإيجابيات، لجهة ترشيق السوق وتوزيع السيولة المتداولة على عدد أقل من الشركات. لكن المفارقة الأكثر حضوراً أن الكثير من الشركات المنسحبة «نظيفة» و«تشغيلية»، فيما تبقى في السوق شركات هي من الأكثر تداولاً، ويعلم الجميع أنها ليست أكثر من أوراق قمار ومضاربة.وارتفع عدد الشركات المنسحبة أو التي هي بصدد الانسحاب الاختياري من سوق الاوراق المالية الى 18 شركة وفقاً للإفصاحات التي تقدمت بها حزمة جديدة من الكيانات المُدرجة خلال الأيام الماضية وآخرها مجموعة الاوراق المالية.وبذلك قفز مجموع الشركات المشطوبة والمنسحبة خلال السنوات الماضية إلى 19 شركة تمثل نحو 19 في المئة من إجمالي الشركات المُدرجة البالغ عددها نحو 204.وبحسب الأسباب التي أوردتها الشركات المنسحبة فإن معظمها يتفق على سبب رئيس وهو انتفاء القيمة المرجوة من الإدراج، نظراً لعدم وجود تقييم عادل للسهم، في ظل ضعف الثقة بالسوق.ولكن ما الذي يمثله حجم الشركات المنسحبة والمشطوبة (مُلغى إدراجها) بقرارات من هيئة أسواق المال بالنظر الى القيمة السوقية للأسهم المُدرجة؟ وما تأثيره على مكانة السوق؟حتى الآن، لا يمكن القول إن السوق فقد جزءاً كبيراً من قيمته الرأسمالية بسبب الانسحابات. إذ ليس بين الشركات المنسحبة حتى الساعة أي من الشركات الأكبر وزناً في السوق، ولو أن من غير المستبعد ان يحصل شيء من هذا القبيل في المدى المنظور. وبالنظر الى أحجام الشركات المنسحبة والمشطوبة يتضح انها لا تتجاوز مجتمعة 3.5 في المئة من إجمالي القيمة الرأسمالية للسوق البالغة حالياً نحو 26.4 مليار دينار تقريباً.أما من حيث العدد، فعلى الرغم من أن الانسحابات تُفقد السوق الكويتي عدداً كبيراً من الشركات المدرجة فإن الحق يُقال بأن العدد الكبير من الشركات المدرجة في الكويت (الأكبر خليجياً) لم يعط ميزة للسوق الكويتي، ولم يوفّر العمق المطلوب بما يعزز الثقة ويحد من التقلبات.إلا ان ذلك لا يقلل من أهمية الانسحابات، كونها تُفقد السوق شركات ذات قيمة تشغيلية جيدة، فيما تبقى في السوق شركات مضاربية بحتة، ليس لها نماذج أعمال واضحة أو موارد مستمرة للتدفقات النقدية، ومع ذلك فهي تتصدر التداولات وتحظى بنصيب الأسد من سيولة المضاربين.وتقول مصادر مالية إن «ظاهرة الانسحابات الاختيارية تحتاج إلى دراسة جديّة الى حاجة لإبراز الأسباب الحقيقية من قبل الجهات الرقابية حتى لا تتحول الى شماعة تُعلق عليها الاسباب في المستقبل، فهناك أطراف ترى في تعليمات وتوجهات هيئة الاسواق مثلاً سبباً في هروب السيولة من البورصة، سوءاً كانت سيولة مضاربية ساخنة أو صاحبة النفس الطويل لتخوفهم من الوقوع في اخطاء غير مقصودة تنتهي بهم لدى القضاء».واضافت المصادر أن «الشركات النظيفة حتى وإن كانت غير سائلة تخرج من السوق مرغمة على ذلك، وتبقى أوراق القُمار لجذب أموال صغار المتداولين وتتبخر معها المحافظ التي تدخل البورصة بلا دراية او خبرة».واوضحت أن السوق بحاجة الى غربلة حقيقية لفرز الأسهم بدلاً من سقوط الشركات التشغيلية التي يُفترض ان تهتم الجهات الرقابية بمُعالجة اوضاعها من خلال تعليمات تجعلها سائلة وتجعل منها قيمة مُضافة تُحسب للسوق، منوهة الى ان الجهات الاستشارية العالمية ألمحت لأكثر من مرة الى أن هناك نحو 70 شركة لا تستحق الإدراج أو الوجود في البورصة.وذكرت ان هيئة أسواق المال مهتمة بوضع شروط وضوابط لتقنين الشركات التي تستحق التداول في السوق الرسمي، فمن يستحق الاستمرار في البورصة سيستمر ومن تتطلب الحاجة خروجه يتحول او يُنقل الى سوق آخر أو نافذة أخرى يتداول من خلالها مثل السوق الموازي او السوق الثالث الذي بحثت الهيئة لفترة إمكانية تدشينه.وبينت ان الجهات المعنية تراقب احجام التداول على الشركات المدرجة، إذ يتوقع أن يكون مُعدل دوران السهم شرطاً او ضابطاً لحفاظ الشركة على موقعها في سوق الاوراق المالية خلال الفترة المقبلة، فيما أشارت الى أن كثرة الشركات المُدرجة تمثل عبئاً كبيراً على الجهات الرقابية التي تقدم خدمات التدقيق والمتابعة عليها ايضاً.وفي سياق متصل، يشتكي صغار المساهمين في الشركات المنسحبة أو التي تفكر في الانسحاب من غياب اوامر الشركات والطلبات المُعتادة على أسهمها، إذ لا يجد المساهم الصغير مناصا من الاحتفاظ بأسهمهم التي لا يقدر على تسييلها في السوق الرسمي الى ما بعد الانسحاب، ومن ثم يبحث عن مشتر في سوق الجت، حاله في ذلك حال أي متداول على الشركات غير المُدرجة!وفي محاولة لمواجهة تسييل أو تخارج صغار المساهمين طرحت مصادر مسؤولة في سوق الاوراق المالية (شفهياً) فكرة إلزام الشركات والقاعدة الاكبر من مساهميها بتوفير البديل المناسب لحملة أسهم الأقلية، فالكبار هم من أعطوا الشركة عبر الجمعيات العمومية الشرعية لاتخاذ قرارات الانسحاب من السوق.
اقتصاد
هل هو «خريف البورصة»؟
شركات «نظيفة» تخرج من السوق ... هل هي بنية جديدة ؟!
05:10 ص