لا تبعد دارة رئيس الحكومة تمام سلام في المصيطبة عن ساحة الاحتجاج في وسط بيروت أكثر من كيلو متر واحد... المسافة القصيرة ليست وحدها التي تجعل تمام بك قريباً من المحتجّين، ربما كان سبّاقاً في القول للقوى السياسية «طلعت ريحتكم»، وهو الذي بُحّ صوته على مدى أكثر من عام، مناشداً مَن وصفهم بـ «النفايات السياسية» تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية تَدارُكاً للانهيار وإبعاد قضايا الناس عن لعبة التجاذب والتعطيل تجنباً لانفجار شعبي.غداة السبت الصاخب في «ساحة الشهداء»، لم يبدّل الرئيس سلام من عادته في «الويك أند»، فدارته مفتوحة للناس وسط إجراءات أمنية أقلّ من عادية. يستمع الى الحاضرين، فرداً فرداً، في ديوانية لم تغب عنها يوماً هموم الفقراء الآتين من الأحياء والمآسي الاجتماعية الناجمة عن تدهور حال الدولة وتَعاظُم علامات التقهقر السياسي في بلادٍ محكومة بأجندات إقليمية تغلّب الخارج على الداخل.في دردشة على الواقف قال الرئيس سلام لـ «الراي» إنه لم يفاجأ بالاحتجاجات الشعبية، وخصوصاً في الجانب الاجتماعي المطلبي منها «لطالما حذرتُ القوى السياسية من التمادي في سلوك التعطيل الذي امتد من رئاسة الجمهوية الى البرلمان فالحكومة»، لافتاً الى «أن أكثر ما كنتُ أنبّه منه على مدى أكثر من عام هو إدارة الظهر لقضايا الناس واستخدام لقمة عيشهم وحقوقهم في التجاذبات وجعلهم ضحايا لتصفية الحسابات، لأن هذا المنحى هو أقصر طريق للانفجار الشعبي».وبدا سلام «مرتاح الضمير» رغم الفائض من القلق الذي ينتابه على البلاد والعباد، فرئيس الحكومة الذي كان يعتزم الاستقالة قبل نزول الناس الى الشارع لاعتقاده ان «لا حياة لمَن تنادي»، قال: «أكثر ما يهمني هو هؤلاء الشبان والشابات الذين تظاهروا. انا لستُ زعيم تيار أو رئيس حزب أو شريكاً في محاصصة أو طامحاً لمسألة شخصية، أنا من الناس وأتحسس وجعهم وجهدتُ لأكون صوتهم، لكن النفايات السياسية لم تعر اهتماماً لقضايا الشعب الذي ازداد تقهقراً بفعل الحسابات الفئوية».ويعزو رئيس الحكومة تمادي أزمة النفايات وانسداد الأفق امام ايجاد مخرج لها الى هذه الحسابات فـ «الحلّ هو بتماسُك الحكومة واسترداد هيبة الحكم وتقديم خطة لمعالجة النفايات تكون الدولة قادرة على تنفيذها، بمعزل عن تصفية الحسابات السياسية بالنفايات والشعبوية لتسجيل نقاط لهذه الجهة او تلك».لن يتخلى سلام عن المسؤولية في لحظة بالغة الحراجة يمرّ بها لبنان، لكن لسان حاله «ان للصبر حدوداً وصبري من صبر الناس الذي بدأ ينفد، لذا على القوى السياسية تَدارُك الموقف والعودة الى تغليب المصلحة الوطنية العليا ومصلحة الناس على ما سوى ذلك من مسائل».اما الأزمة السياسية التي باتت متروكة لاتصالات بين القوى السياسية فكانت في انتظار المبادرة التي أطلقها رئيس البرلمان نبيه بري ،خلال خطاب ألقاه عصر امس في النبطية في ذكرى تغييب الإمام الصدر وعصَبها العودة الى «طاولة تشاورٍ»، لم يكن اتضح موقف الأطراف السياسية من «أجندتها»، غير ان الرئيس سلام وقبل ساعات من كشف الرئيس بري عن جدول أعمال مبادرته اعتبر ان «ما من أحد ضد الحوار».غير ان المفارقة الأكثر إثارة هي ان لبنان يتجه الى «حوار فوق المزبلة»، فالبلاد التي تكاد ان تتحول مكباً عائماً للنفايات ربما تعقد طاولة جديدة للحوار من دون تفاهم مسبق يتيح رفع النفايات من الشوارع المفتوحة على احتجاجات ترمي القوى السياسية يومياً بالشعار الذي أصبح ذائع الصيت «طلعت ريحتكم».
خارجيات
«على مختلف القوى تَدارُك الموقف والعودة لتغليب المصلحة الوطنية العليا»
سلام لـ «الراي»: النفايات السياسية أدارت ظهرها لقضايا اللبنانيين
09:29 م