رغم الضوضاء السياسية التي يُحدِثها زعيم «التيار الوطني الحر» ميشال عون، المحارب الدائم في معارك بلا أفق، فإن بيروت التي نجحت في المواءمة بين واقعٍ سياسي بالغ التأزيم واستقرار أمني ثمين للغاية، تمضي في رحاب الستاتيكو الحالي المحروس بخطوط حمر اقليمية ودولية، وعيْنها على لون الدخان المرتقب تَصاعُده من الكونغرس الاميركي وموقفه من الـ «لا» او الـ «نعم» للاتفاق النووي مع ايران في سبتمبر المقبل.وبعكس التقديرات السابقة التي تحدّثت عن أن مرحلة ما بعد التوقيع على الاتفاق النووي بين الـ «5+1» وايران ستشهد تصعيداً في المنطقة وقوس الأزمات فيها، انطلاقاً من سعي طهران للافادة من الاعتراف الدولي بمكانتها وتالياً تَشدُّد خصومها، فإن أوساطاً وثيقة الصلة بالحراك المتعدد الاتجاه الذي نشط أخيراً قالت لـ «الراي» إن «لحظة توقيع الكونغرس الاميركي على الاتفاق النووي ستؤسس لواقع مفتوح على تسويات في المنطقة».وتقرّ هذه الاوساط بأن «الشروع في تسويات في اليمن وسورية والعراق ولبنان يحتاج وقتاً ولن يكون أمراً سهلاً، لكن ايران - والكلام للأوساط عيْنها - تتجه إلى السعي للمساعدة في إطفاء الحروب الدائرة في المنطقة عبر تسويات تحفظ مصالحها، بعدما أصبحت أكثر ميلاً لإعطاء الأولوية لورشتها الداخلية المضنية، خصوصاً أن طهران التي تعتقد أنها حققت إنجازاً بانتزاع اعتراف دولي بها كدولة نووية، تريد توظيف المليارات المفرج عنها لحلّ أزماتها وإعادة تأهيل قطاعاتها وبناها التحتية».وتحدثت دوائر ديبلوماسية عن أن «طلائع الرياح الباردة بدأت تهبّ في غير اتجاه»، كاشفة لـ «الراي» عن وقائع سياسية وميدانية تعزّز احتمالات ذهاب المنطقة نحو تسويات صعبة، ومنها:• التقدم العسكري للشرعية اليمنية التي نجحت في تعديل موازين القوى على النحو الذي يسمح لاحقاً بإعادة تعويم «اتفاق الرياض» كممرّ إلزامي للتسوية السياسية ،التي تكرّس اليمن حديقة خلفية للمملكة العربية السعودية باتفاقٍ بين الحكومة والحوثيين، ويرجّح أن يكون على حساب الرئيس السابق علي عبدالله صالح.• وضْع العراق في «العناية الفائقة» في إطار أولوية الحرب على الإرهاب التي يحشد من أجلها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي دعماً دولياً وإقليمياً، على قاعدة الحاجة إلى تورطٍ ايراني أقلّ ودعم اميركي أكثر من أجل ترميم العملية السياسية كواحدة من مستلزمات الحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) ومحاصرته والإجهاز عليه.• إطلاق دينامية جديدة لإنهاء الحرب السورية تقوم على إيجاد تسوية تُخرِج الرئيس بشار الأسد من السلطة من دون أن تُسقِطه، وتحفظ مصالح القطبيْن الاقليمييْن، أي السعودية وايران في إطار حلٍ يُطبخ على نار هادئة، وقد يحتاج لوقت طويل من أجل إنضاجه، وهو يقوم في شكل أساسي على إجراء انتخابات رئاسية ونيابية مبكّرة لضمان عدم انهيار الدولة والخروج «الطبيعي» للأسد.ولفتت دوائر على صلة بالحراك الجاري على خط الملف السوري إلى «الوتيرة العالية من التحركات التي قادت المسؤول الأمني في نظام الأسد اللواء علي المملوك إلى المملكة العربية السعودية، ووزير الخارجية وليد المعلم الى مسقط والجنرال الايراني قاسم سليماني الى روسيا، التي عهدت إليها الولايات المتحدة رعاية المساعي من أجل تسوية، قال عنها الرئيس باراك اوباما إنه أصبح الوصول إليها أكثر واقعية مع تبدُّل في الموقفين الروسي والايراني».وكشفت هذه الدوائر لـ «الراي» معلومات عن «اتصالات تجري بين الايرانيين والمعارضة السورية في تركيا، وعن اتصالات قطرية مع الايرانيين وكل ذلك بعلم المملكة العربية السعودية وبضوء أخضر منها، ما يؤشر الى تمرين تفاوضي عبر قنوات مفتوحة في انتظار نضوج ظروف إطلاق مبادرات بعد أن تكون ايران ضمنت موافقة الكونغرس الاميركي على صفقة النووي».وفي تقدير أوساط سياسية لبنانية واسعة الاطلاع أن «زيارة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف لبيروت بعد غد، ستركّز على الحاجة الى حفظ الاستقرار في لبنان، الذي يتطلّع الى أكتوبر المقبل لترجمة إيجابيات ايرانية لا سلبيات، في حال صعود الدخان الأبيض من مبنى الكابيتول الاميركي».وبعيداً عن البروباغندا الإعلامية، فإن هذه الاوساط توقّعت في سياق كلامها لـ «الراي» أنه سيكون هناك «انفراج محتمل في أكتوبر المقبل في ملف الانتخابات الرئاسية في لبنان، الساحة الأسهل، وذلك لرغبة ايران في إطلاق إشارات حسن النيات تجاه المجتمعيْن العربي والدولي».وبدت الأوساط عيْنها حاسمة في القول إن «(حزب الله) مقتنع تماماً أن لا إمكان لمجيء حليفه عون رئيساً للجمهورية عندما يحين موعد التسوية، فأيّ رئيس للبنان لن يكون إلا توافقياً يحظى بقبول من جميع الأطراف، وتالياً فإنه لا حظوظ لأي مرشح من (8 و 14 آذار)».وكشفت هذه الاوساط عن أن «(حزب الله) ،الذي يقف على رأي حليفه رئيس البرلمان نبيه بري في تسمية أي رئيس تسوية، يدرك أن ليس في وسعه ولا في وسع خصومه فرْض أي رئيس لا يحظى بتوافق من الجميع، ما يجعل الاسماء الوسطية الأوفر حظاً».