قبل أشهر رد نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد الصباح على انتقادات مرشحين له بالقول: «انه موسم شعللها ولعها». امس رد الشيخ محمد على تصريحات ايرانية بكلام يقترب من «شعللها ولعها» رغم الغلاف الهادئ الذي لفه به، خارجا عن هدوء الديبلوماسية الكويتية ومقحما الكويت في حقل التراشق الإيراني - الاميركي.
وكما استغرب كثيرون قبل اشهر خروج الشيخ محمد عن اسلوبه الهادئ الذي يميز مشروعه السياسي الواعد وتمنوا لو لم ينجر الى سجال مع مرشحين، صفقت قلة له واعتبرت انه احسن الرد. امس ايضا استغرب كثيرون خروج الشيخ محمد عن اسلوبه الهادئ وتمنوا لو لم ينجر الى سجال كان في غنى عنه. صفقت قلة له ايضا واعتبرت انه احسن الرد.
ولأن مصلحة الكويت بالنسبة له ولنا وللجميع هي في المقام الاول، ولان الدين النصيحة، ولاننا نحب الدكتور محمد ونتمنى له التوفيق والنجاح... فليعذرنا ان لم نكن في صف المصفقين.
التراشق الايراني - الاميركي السياسي والناري مستمر وسيستمر. لا نريد ان نتحدث عن مبررات اميركا او اهداف ايران، ولا ان ندفن رؤوسنا في الرمال ونعتبر ان النار لن تمس ثوبنا. نريد ان نتأكد من قدرتنا على تحويل الحياد الايجابي الذي حكم سياسة الكويت الخارجية الى حزام قادر على حماية الاستقرار الداخلي من جهة، وابعاد شبح الفتنة الداخلية المرتبطة بالحساسيات الاقليمية من جهة أخرى.
حاولت الولايات المتحدة جرنا مرارا الى مواقف تخدم سياستها الطائشة في المنطقة فلم تنجر القيادة الكويتية وصاغت خطابا لم تحد عنه يقضي بالتزام ايران قرارات الشرعية الدولية للتأكد من سلمية برنامجها النووي ودعوة العالم الى تجنيب الخليج وزر مغامرة عسكرية جديدة لخصها أفضل تلخيص سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد بالقول: «خمس دقائق حرب يعني الدمار الشامل». وعلى هذا الاساس جاب صاحب السمو الامير العالم واكد في مراكز القرار الدولي ان الحوار هو السبيل الوحيد لانهاء الازمة... وعلى هذا الاساس ايضا نأت الكويت رسميا بنفسها عن الرد على اي استفزاز سياسي او اعلامي سواء من واشنطن او طهران، ودائما دائما لهدف مثلث الابعاد: المساهمة في امن واستقرار المنطقة، عدم الدخول طرفا في اي مواجهة محتملة، عدم السماح بحصول فتنة داخلية.
في اميركا «محافظون» رؤوسهم حامية، وفي ايران ايضا «محافظون» رؤوسهم حامية. الفارق بالنسبة لنا ان ايران جارة قريبة والجغرافيا قدر لا مفر منه، واننا جزء من منظومة خليجية غير قادرة على العيش والتطور خارج نطاق الاستقرار، وان مصلحتنا (كي لا نتحدث بشعارات العروبة والاسلام) تكمن في ضمان حسن الجوار وقيام افضل العلاقات في هذه المنطقة، وان سيادة لغة العقل هي الهدف الذي يجب ألا نحيد عنه حتى لو تطور التراشق من سياسي الى ناري، وان دورنا في تكريس منطق اكثر عدلا وتوازنا في العلاقات الدولية لجهة وقف المعايير المزدوجة بين الدعم المطلق لاسرائيل وبرامجها الشيطانية والحرب الفورية على اي دولة عربية ومسلمة هو الدور الذي يمكن للكويت ان تبرع وتتألق فيه كونها في قلب محاور الصداقة شرقا وغربا.
تصريح الشيخ محمد كانت له تداعيات داخلية لجهة الردود النيابية وربما الشعبية، وكانت له ايضا تأثيراته السلبية اقليميا، وكانت له بالطبع تأثيراته الايجابية عند قلة لا ترى في العمل السياسي الا الابيض او الاسود وتأخذها عاطفتها على البلد الى الرد بتطرف على اي موقف متطرف. لا احد يرضى باي انتقاص للسيادة الكويتية، ولا يجب ان يعطي احد دروسا في الوطنية للآخرين او ينتزع حق تصنيف الناس فهذا جزء من شرارة الفتنة الداخلية، ولا احد يقبل بان يتهجم طرف على الكويت بأي لغة او اي وسيلة. كل ما نريده فقط ان تستمر الخارجية الكويتية على نهج الحياد الايجابي والتعقل وهما عنصران يعكسان الحزم لا التردد ويكرسان القوة لا الضعف.
الماضي القريب حمل الينا بذور فتنة في قضية التأبين يعرف الشيخ محمد اكثر من غيره كم بذلت القيادة جهدا مخلصا لتطويقها مهما تعددت القناعات في توصيفها، والمقبل من الايام قد يحمل تطورات كبيرة اقليميا مع تداعيات داخلية، او قد يحمل ايضا «تسويات كبيرة» بين اصحاب الرؤوس الحامية في الادارتين الأميركية والايرانية لا نريد ان ندفع اثمانا لها، ولا نخال وزارة الخارجية الكويتية الا في طليعة المطلعين على «الرسائل الدولية الطائرة»، ولا نخالها الا في طليعة من يحسن قراءة التطورات... والتسويات.
كلمة أخيرة إلى الشيخ محمد:
انت شخصية عامة تقود احد اكثر اجهزة الدولة حساسية، لذلك فنحن متأكدون انكم ستتعاملون مع النقد من منطق المشاركة المخلصة وليس... بحساسية.
ليس كل من سأل او استفسر او استغرب او نقد هو خصم لك، وليس كل من صفق وايد ووافق واثنى هو صديق وحليف.
وليس كل من شارك في تصويب موقف او مسار يريد عرقلة مسيرتك، وليس كل من اقحمك مهللا لك في ملفات داخلية شائكة يريد السلامة لمسيرتك.
جميعنا مع مصلحة الكويت في الاستقرار وعدم الدخول طرفا في النزاعات او السماح بفتنة داخلية، ولا شك في انكم سائرون على النهج نفسه الذي ارساه «استاذ الديبلوماسية الكويتية والعربية» سمو الامير الشيخ صباح الأحمد، وانكم الأكثر حرصا على التصريحات الهادئة خصوصا مع صخب التطورات، وانكم تميزون تماما بين «شعللة» مرشحين للانتخابات وبين التصريح الرسمي الذي يعكس موقف الكويت والكويتيين.
جاسم بودي