باللغة العربية الفصحى، وحصاد النجاح لم يتوقف مع العرض المسرحي الاستعراضي «من هوى الأندلس»، الذي تقدمه أكاديمية لوياك للفنون الأدائية «لابا» منذ أوّل عرض تمّ تقديمه بالكويت قبل عام تقريباً، عائدة بنا إلى حقبة مزدهرة من التاريخ العربي.النجاح دوّى هذه المرة في قلب بيروت، فالعمل الذي ألّفته فارعة السقّاف وأخرجته شيرين حجّي، قدمته الفرقة ضمن فعاليات «المهرجان الدولي للمسرح الجامعي» بدورته السابعة الذي تنظمه سنوياً الجامعة اللبنانية الأميركية «LAU» بإشراف درامي تصدّى له الفنان المخرج رسول الصغير.المهرجان شارك فيه عدد من الفرق المسرحية الآتية من دول مختلفة، منها الأردن من خلال مسرحية «بيرزيرك» والتشيك بعرض مونودرامي حمل عنوان «Did you Enjoy Your Dish،Gentlemen»، وتركيا بعرض حمل عنوان «Woman are Talking about Woman» والجزائر بعرض حمل عنوان «فصام»، وأيضاً بتواجد لعروض مسرحية لبنانية محلية مثل «CUT»، و«Sorry Wrong Number» قدّمت تحت مظلّة الجامعة ذاتها، وعرض آخر باسم الجامعة اللبنانية الدولية بعنوان «حلم فقير».نجوم شباب من الممثلين ومواهب حقيقية من الراقصين والراقصات حزموا أمتعتهم من الكويت وتكبّدوا عناء ومشقّة السفر، وتحمّلوا التدريبات المكثّفة التي لم تتوقف حتى آخر لحظة من تقديم العرض المسرحي، ملتزمين بكل التعليمات التي كانت توّجه لهم من الفريق الفنّي بمتابعة من رئيسة مجلس إدارة لوياك والعضوة المنتدبة فارعة السقاف التي تواجدت لحظة بلحظة مع شبابها وبناتها حريصة على توفير كل ما ينقصهم، وبالمقابل حمل هؤلاء الفتية والفتيات على عاتقهم المسؤولية لرفع اسم الكويت بالدرجة الأولى في المحفل المسرحي، فلم يخيّبوا الظن أبداً، ولهذا كانت جائزتهم ذلك التصفيق الحار الذي تلقّوه من الحضور الذي تفاعل مع جميع مشاهد العرض الدرامية وأيضاً الفقرات الراقصة الاستعراضية، بالرغم من أنّ بعضاً من ذلك الجمهور سواء كانوا من طلبة «الجامعة اللبنانية الأميركية» ذاتها أو من أعضاء الوفود المسرحية المشاركة الآتية من التشيك وتركيا لا يستطيع فهم اللغة العربية الفصحى - بحسب ما صرّحوا به لـ «الراي» فور انتهاء العرض...إلا أن احترافية الأداء التمثيلي والاستعراضي كانت الرابط وحلقة الوصل وكفيلة في إمكانية التفاهم والتلقي، فوصلت الفكرة لهم ولامست الإحساس.عندما تناول الحديث عن العرض المسرحي، فيمكن القول إنه يصنّف تحت بند العروض الاحترافية، ربما لأنّه أخذ وقته للنضوج وتمّ تقديمه أكثر من مرّة في السابق داخل الكويت، وبالتالي حصل الممثلون فيه والاستعراضيون على الوقت اللازم للتعايش معه تماماً، وهو ما تمّ لمسه منذ بدء العرض المسرحي وتحديداً مع دخول الراقصين ثمّ الممثلين إلى خشبة المسرح إلى حين نهايته، حيث عمّ السكوت في أرجاء قاعة المسرح والأنظار كلها كانت موجّهة نحو من أبدعوا فوق الخشبة من أداء في التمثيل وليونة واحترافية بالرقص، مراقبين ومستمتعين، ما يشاهدونه، خصوصاً أن نوعية المسرحية «من هوى الاندلس» مختلفة تماماً عما تمّ عرضه من مسرحيات أخرى مشاركة، ويمكن القول أيضاً إن «من هوى الأندلس» كانت الأفضل لناحية الجودة في المتن والمضمون والسخاء على ما احتاجه العرض.المسرحية كلها أبهرت الحضور، لكن الجميل فيها كان وجود العنصر الكوميدي الذي كسر حدّة الجدّية في المشاهد الأخرى، والتي تمثّل من خلال شخصيتين قدمها عبدالله الشمّري ودانة البدر، فكانا مثالاً رائعاً للانسجام التام والتفاهم من خلال نظرات الأعين فقط، وهي نقطة إيجابية تحسب لـ «لابا» التي تسعى دوماً إلى توفير الورش المسرحية لكل أعضائها طوال العام، وأيضاً لا ننسى مشهد العزاء الذي نال تصفيقاً حاراً من الجمهور، وكذلك المشهد الذي جمع ما بين الخليفة المستنصر بالله - جسد دوره رسول الصغير- وأخيه الرجل المتزمّت دينياً الذي يحاول الوقوف في وجه أخيه معترضاً على منحه السلطة لعلماء ليسوا من دين الإسلام، وهناك أيضاً كان مشهد الختام حينما عاشت أسماء بنت غالب الناصري - مجسدة دورها نادية أحمد - صراعاً نفسياً عندما بدأ الصراع بين والدها - مجسداً دوره جابر القحطاني - وزوجها محمد بن أبي عامر - مجسداً دوره عبدالله الحسن - فكان امتزاجها مع الحالة النفسية واضحاً.ومن العناصر أيضاً التي ربما تكون قد ساهمت في نجاح العرض المسرحي واندماج الممثلين في أدائهم خلال العرض هو ذلك التناغم ما بين السينوغرافيا التي تصدّى لها بدر المعتوق، إذ إنه نجح في التعبير عن الحالة المسرحية ما بين الحب والغضب والخيانة وغيرها من الحالات التي مرّت بها شخوص المسرحية، وتنفيذ الصوت الذي تولاه محمد عبده، وأيضاً حرفية من كانوا في الكواليس لتأمين كل المتطلبات بقيادة مدير إدارة الإنتاج جوني الحاج، ومدير الخشبة كرم محمود الذي كان فعلاً شعلة من النشاط محاولاً قدر المستطاع منح الممثلين الراحة التامة ليظهروا بصورة جميلة وهم فوق الخشبة. ولا ننسى أيضاً الأزياء التي صممتها فارعة السقاف، حيث انها كانت متوائمة مع وظيفتها ومتسقة مع «تيمة» العرض بألوانها الزاهية، وما زاد أسباب نجاح الأزياء أنها عكست فهم السقاف للشخصي - عبدالله شحادة خصيصاً للمسرحية، حيث انها شكّلت عنصراً مهماً ساهم في حالة التعايش المسرحي لكل الممثلين والراقصين، تناسجت وامتزجت مع الحالة المسرحية دون إقحام أو تكرار، ما أسهم في إيهام الحصور أنه عاد من خلال ذهنه للعيش لحظات في رحاب العهد الأندلسي.يذكر أن مسرحية «من هوى الأندلس» تصدّت لها شيرين حجّي وهي ثاني تجربة لها، وهو أمر يبشّر الساحة المسرحية الكويتية بالخير، في ظلّ وجود شابة في مقتبل عمرها تمتلك فكراً مسرحياً منحها القدرة على إدارة «كاست» بهذا العدد الكبير والتصدي في اخراج نصّ بثقل «من هوى الاندلس»، ذلك النصّ الذي استوحي من التاريخ العربي في الأندلس، وهي تحكي قصّة وقعت أحداثها في أواخر القرن العاشر الميلادي، وتحديداً في قصر الزهراء بمدينة قرطبة - التي كانت إحدى المنارات الحضارية في ذلك الحين - والذي يعيش فيه الخليفة المستنصر بالله، وهو الحكم الثاني ابن عبدالرحمن الناصر لدين الله ورسوله، تاسع خلفاء بني أميّة، وعن كيفية وصول محمد بن أبي عامر «الحاجب المنصور» الذي نال ثقة الخليفة في حياته من خلال تنفيذه لكل ما يسند إليه من أمور، ومن ثم الوصول إلى سدّة الحكم بعد مماته، وتهميش دور «صبح» وابنها الخليفة هشام المؤيد، بعدما ازداد نفوذه بالفتوحات والنصر الذي حالفه في كل معاركه الحربية مع الممالك المسيحية المجاورة، متخلصاً من كل خصومه السياسيين، وتعرض المسرحية لقصّة الجارية البشكنسية «صبح» نديمة الخليفة الحاكم المستنصر بالله ومستشارته التي أنجبت له ابنه الأمير هشام المؤيد، وتتطرق إلى محاولة غالب الناصري «ذي السيفين وفارس الأندلس» التصدي لذلك الأمر، والسعي إلى ردعه، على رغم تزويجه ابنته أسماء إلى ابن أبي العامر، ما يجعلهما يتواجهان في معركة محمومة، على رغم توسّل ابنته، فيخسرها ويفوز بها محمد بن أبي العامر. وقد شارك في ذلك العمل تمثيلاً كل من نادية أحمد، عبدالله الحسن، عمر لطفي،رزق مصطفى، جابر القحطاني، عبدالله الشمري، ماجد السويت، حامد المطاوعة، محمد فؤاد، دانة البدر، سمية آدم عثمان، مريم الصغير. ورقصاً بقيادة عبد الرزاق عبدالعزيز وهم ميلاني بريرا، كريستين نيكيتا فرناندو، سليمان إدريس، دلال العامري، غيتا وفاق، أسامة قيس، بعدما توّلى تدريبهم علاء سمّان.
فنون
عرضت ضمن «المهرجان الدولي للمسرح الجامعي 17»
«من هوى الأندلس»...بقوتها عبرت بيروت
04:05 م