رسمت مذكرة داخلية لوزارة الخارجية الأميركية صورة قاتمة لجهود ادارة الرئيس باراك أوباما وحلفائها في الخارج لمحاربة آلة الدعاية لتنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، ما يشير إلى ان التحالف ضد التنظيم غير قادر على إيصال رسالته الدعائية.ويأتي التقييم الذي نشرته صحيفة «نيويورك تاميز» الأميركية بعد أشهر من إعلان وزارة الخارجية الأميركية عن تزخيم حملتها في وسائل التواصل الاجتماعي ضد التنظيم. لكنه توصل الى خلاصة مفادها ان الرواية العنيفة للتنظيم والتي ينشرها عبر آلاف الرسائل يوميا تفوقت عمليا على جهود بعض أغنى الدول واكثرها تقدما تكنولوجيا في العالم.وأعطت المذكرة صورة سيئة عن المناقشات الداخلية بين المسؤولين الأميركيين وبعض أقرب حلفائهم في الحملة العسكرية ضد التنظيم، مشيرة إلى أن «مجموعة عمل في مجال الرسائل الالكترونية تضم مسؤولين من الولايات المتحدة وبريطانيا ودولة الامارات لم تستطع العمل مع بعضها بصورة حقيقية».وقالت المذكرة إن «الإمارات متكتمة جدا في حين أن البريطانيين متحمسون جدا، وبنية مجموعة العمل مثيرة للإرباك. عندما عقدنا اجتماعات مع نظرائنا، لم نكن جميعا سمعنا بالمبادرات المختلفة من قبل».وقال مسؤولو وزارة الخارجية الأميركية مرارا إن «الرد على رسائل تنظيم الدولة الإسلامية» هو واحد من الأعمدة الرئيسية في استراتيجية هزيمة التنظيم. لكن مسؤولين في إدارة أوباما اعترفوا بأن التنظيم أكثر رشاقة بكثير في نشر رسائله من الولايات المتحدة التي تفعل ذلك بطريقة بليدة.وهذه الوثيقة الداخلية، التي وضعها مساعد وزير الخارجية للديبلوماسية والشؤون العامة ريتشارد ستينغل، وهو مدير تحرير سابق في مجلة «تايم»، أعدت لوزير الخارجية جون كيري من أجل اجتماع مع وزراء خارجية عرب وأوروبيين في باريس حول الحرب على «داعش». ولم يحضر كيري هذا الاجتماع لأنه أصيب بكسر في رجله قبيل حضوره، ولكنه تحدث للمشاركين عبر الهاتف. ولاحظ ستينغل ان رسالة المؤتمر - بأن دولا مختلفة مصممة على تدمير الدولة الاسلامية - فشلت، خصوصا أن التقارير الاعلامية كانت تركز على اضمحلال نتيجة الاجتماع.وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية جون كيربي إن المذكرة التي وصفت بأنها حساسة لكن غير سرية «هي عبارة عن تقييم ليس فقط للجهد الإعلامي المناهض لداعش، بل أيضا للكيفية التي يتواصل بها أعضاء التحالف المؤلف من مجموعة صغيرة داخليا وخارجيا»، منوها إلى أنه سيأخذ بعين الاعتبار أفكار وتوصيات ستينغل.وخلال العام الحالي، قال مسؤولون في الادارة (الأميركية) إنهم سيوسعون نطاق عمل «مركز الاتصالات حول مناهضة الإرهاب» التابع لوزارة الخارجية، والذي هو عبارة عن مكتب صغير تم تأسيسه في العام 2011 من أجل مكافحة الرسائل الإرهابية فوريا عبر الانترنت. ويوظف المكتب اختصاصيين يتمتعون بالطلاقة في اللغات العربية والأوردية والبنجابية والصومالية، وذلك من أجل التصدي للدعاية والتضليلات الإرهابية، بحيث يطرحون رواية منافسة تسعى إلى العزف على وتر عاطفي. كما ينشر أولئك المحللون رسائل عبر مواقع باللغة الانكليزية يستخدمها الجهاديون للتجنيد وجمع الأموال والترويج لقضيتهم.وسعى ستينغل ايضا إلى التعاون مع أعضاء آخرين في التحالف، وتحديدا الأعضاء العرب، من أجل نزع مصداقية «داعش» على أمل وقف مد تدفق المقاتلين الأجانب إلى التنظيم.وعندما سافر كيري إلى منطقة الشرق الأوسط في سبتمبر الفائت كي يبدأ بناء تحالف ضد تنظيم «داعش»، ذهب معه ستينغل كي يلتقي مع مسؤولين عرب ويؤسس ما سماه: «التحالف للتواصل والتراسل من أجل إتمام ما يحصل على الأرض».واشتمل جزء حيوي من الديبلوماسية العامة على تشجيع القادة الدينيين العرب وعلماء المسلمين والمؤسسات الإعلامية الإخبارية العربية على شجب تنظيم «داعش» باعتباره يشوه صورة الإسلام. وقد امتدح مسؤولون في وزارة الخارجية الأميركية دولة الإمارات العربية المتحدة لقيامها بتأسيس مركز خاص بها لمكافحة الدعاية المذهلة التي يديرها «داعش».لكن تقييم ستينغل يوضح بجلاء أن المسؤولين الأميركيين يؤمنون بأن هناك ما هو أكثر بكثير مما ينبغي القيام به.ففي سياق المذكرة، يقترح ستينغل على كيري إنشاء «محور للتواصل» في مكان ما في منطقة الشرق الأوسط – يكون أعضاؤه من ممثلين عن الدول الأعضاء في التحالف – بحيث يتولى القيام بـ «توجيه رسائل يومية وأسبوعية حول أنشطة التحالف» من أجل مكافحة «داعش»، على أن يكون له ناطق رسمي في بغداد.لكن حتى هذا الاقتراح يمكن أن يواجه عقبات على حد قول ستينغل.وكتب ستينغل: «هذا يبدو حلا واضحا وبسيطا – لكنني على يقين من أنه ليس سهلا مثلما يبدو لمئة سبب وسبب».ومع ذلك فإن ستينغل كان لديه خبر سار لكيري من مؤتمر باريس. فذلك المؤتمر كان حدثا أقيم في متحف اللوفر بهدف التركيز على قيام تنظيم «داعش» بتدمير آثار تاريخية في سورية والعراق، وهو الحدث الذي قال عنه ستينغل إنه كان ناجحا ويمكن البناء على أساسه بمؤتمر كامل حول تلك القضية.وكتب ستينغل قائلا إن ذلك المؤتمر يمكن أن يجمع «متداولي آثار ودور مزادات وجامعي آثار وعلماء آثار» وغيرهم من أجل تسليط الضوء على أن تهريب الآثار هو «جريمة حرب» و «أداة إرهاب»، وأنه يمول «اللعبة السوداء» التي يديرها «داعش».