يتباهى مشعل العتيبي في استعراض صور «الزعيم» جاسم القطامي على هاتفه النقال، فيما هو على «المقاهي» والدواوين والتجمعات الشبابية ينادي داعيا لإحياء القومية العربية في الكويت.لكن مشعل، لايزال يرى المهمة طويلة في إعادة الوهج للتجربة القومية مجددا في دولة «نفطية» تحاكي «العولمة» من دون إعطاء اهتمام لشعارات يراها المجتمع ولّت مع «النكبة» مع تبدل لغة التعاطي مع العالم وتجدداته.الخطيب والقطامي ومشعل وغيره كثيرون بدأوا في احياء الفكر القومي في الكويت انطلاقا من جذور تضرب في أطناب التاريخ الكويتي بعدما كان لهذا الفكر بصمته الواضحة في تشكيل الوعي الشبابي في حقبات تاريخية سابقة، فيما هوأخذ مكانا لافتا في الحياة السياسية على يد قيادات الحركة القومية وعلى رأسهم الدكتور أحمد الخطيب وجاسم القطامي.وانطلقت أولى الحركات القومية في الكويت من «كتلة الشباب الوطني» في العام 1938، لإحياء الروح القومية والدفاع عن المكتسبات الوطنية، لتعود اليوم بثوب جديد مع «التيار العروبي الديموقراطي» تحت التأسيس والمتوقع انطلاقته رسميا خلال الفترة القليلة المقبلة وهو يجمع التوجهات القومية كافة بغض النظر عن تاريخ الحركة المنقسم بين البعثيين والناصريين والقوميين العرب.وعودة «القوميون العرب» اليوم إلى الكويت، كما يرونها تأتي في ظل حاجة موضوعية ورغبة ذاتية في شباب يأمل في إعادة إحياء الروح القومية، حيث وجد مؤسسو التيار العروبي، أن الظروف مواتية لإعادة انطلاقته بعد غياب قسري عن الحياة السياسي.ويرى عضو التيار العروبي، عبدالله المسري، أن «الفكر القومي لم يختف في الكويت حتى يعود، هو ربما انخفض صوته في الفترة الماضية، لكنه لم يختف، بل عاد يجدد دماءه بعد ثورات الربيع العربي، والتفاعل الشبابي الكويتي مع القضايا العربية، يؤكد على تواجد الحس العروبي».ازمة الطائفيةويبين المسري، أن «أزمة الطائفية في الوطن العربي أثبتت أن لا حل لها إلا بالعودة للهوية العربية الجامعة التي تخلق تماسكاً أهلياً في المجتمع، كما أن الشعب الكويتي لديه تاريخ حافل في التعاطي مع القضايا القومية من الناحية السياسية و الثقافية و الأدبية».و تعتبر «حركة القوميين العرب» التي انطلقت في بيروت مطلع الخمسينات على إثر الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وتأسيس الدكتور أحمد الخطيب فرعا للحركة في الكويت، أشهرالحركات ذات الفكر القومي.‏وارتبطت الحركة بالخط الناصري وتأثرت به، ولذلك فقد تبنّت حركة القوميين العرب على المستوى القومي الاشتراكية في بداية الستينات.ويؤكد، المسري أن «ظهور حركة القوميين العرب في الكويت كان له الأثر في تشكيل وعي الكويتيين في المسألة العربية بشكل كبير، لذلك نشاهد دعم الكويتيين كبيرا للقضية الفلسطينية، و الثورة الجزائرية و للجمهورية المصرية في حرب 56، وكذلك المنظمات الفلسطينية الفدائية التي نشأت بعضها في الكويت».ويرى المسري أن «الحركة القومية في الكويت هي الشعلة المتوهجة في منطقة الخليج العربي، بحيث إنها كانت رائدة في الخطاب الديموقراطي والتحرري، وقد ساهم ذلك بشكل كبير في رفع اسم الشعب الكويتي بحيث أصبح ذا صيتا عاليا عند بقية الدول العربية».شعارات القومية«وحدة الأمة العربية، وإحياء الروح القومية» شعارات ينادي بها القوميون، وهي من منطلقات التيار العروبي الديموقراطي، والذي يعتبر امتداداً للحركات القومية في الكويت، كما يعبر عنها عضو التيار بدر إبراهيم، أنها «ثلاث منطلقات رئيسة، فهو تنظيم وطني عروبي مدني ينطلق من هويته العربية الجامعة التي تلغي الحالة الطائفية والقبلية، بحيث انها تساعد على تماسك المجتمع لكي لا ينخرط في الصراعات الأهلية.ويقول:«التيار العروبي الديموقراطي يؤمن بالنظام الديموقراطي، المبني على التعددية والمشاركة الشعبية الكاملة في اتخاذ القرار السياسي، بالإضافة إلى رفضه أي نوع من أنواع الاستبداد السياسي»، مبينا انه«يركز على أهمية العدالة الاجتماعية و تقليص الفوارق الطبقية بين المواطنين ما يؤدي إلى توزيع عادل للثروات بعيداً عن الاستغلال الاقتصادي و الاجتماعي».اسباب التراجعوفيما يشير البعض الى أن تجارب«القومية»كانت وبالاً على الشعوب العربية، يرى عضو التيار العروبي ناصر العطار، أن«القومية هي لغة ممتدة و أرض باقية و مصلحة متجددة، وبالتالي فإنها ليست مرتبطة بنظام حكم أو حدث زمني، وبلا شك القومية تراجعت بسبب تبني أنظمة ظالمة وأنظمة مصلحية لها، وغياب الديموقراطية والتثقيف القومي الشعبي وأخذت مثل هذه الأنظمة تتصرف بلا اعتبار لشعوبها ومصلحتهم فجاءت الأحداث السيئة واحدة بعد الأخرى».وهل فقد الشعور القومي بين أوساط الشباب في الكويت؟يبين العطار انه لا يمكن الجزم بذلك«لأن الحس العربي موجود فعلاً، ولا يمكن لأحد أن يلغيه، فالشعب الكويتي لايزال يتفاعل مع القضايا العربية بشكل مستمر و يتعاطى معها و كأنها قضية مصيرية بالنسبة له، رغم صراع الدول القطرية ضد دولة الأمة، لكن هذا لم يلغ حالة التماسك في القضايا العربية خصوصاً في المسألة الفلسطينية و في المسألة الديموقراطية»، ويتابع«الفكرة القومية متواجدة كما نتصور، لكن تحتاج إلى إعادة بناء الخطاب بشكل حداثي و ديموقراطي، لأنه في عصرنا و في أيامنا، إذا كان التيار القومي هو تعبير عن إرادة الأمة، فلا يمكن تخيل تعبير عن إرادة الأمة من غير وجود ديموقراطية حقيقية...ومن فكرة الديموقراطية و الهوية العربية، نستطيع أن نخلق حالة قبول حول الفكرة العروبية في المجتمع».مسيرة وتاريخويعيد«التيار العروبي»إلى الذاكرة قيادات الحركة القومية في الكويت، الذين عبروا عن مواقفهم في كثير من الأحيان بكل جرأة وساروا مع الحشود الشعبية في الميادين للمطالبة بالإصلاحات السياسية، حيث يرى المنسق العام للتيار العروبي الديموقراطي، عوض المطيري ان«الحركة القومية في الكويت قدمت العديد من القيادات التي اثرت بشكل كبير على المستوى السياسي، ابتداءً من الزعيم جاسم القطامي البرلماني العريق الذي عرف عنه معارضته الشديد للاستبداد وتمسكه بالديموقراطية كما أنه مؤسس مركز دراسات الوحدة العربية و مؤسس الجمعية العربية و الكويتية لحقوق الإنسان، ومن الشخصيات القومية المهمة في الكويت الدكتور احمد الخطيب نائب المجلس التأسيسي و أحد كتبة الدستور و يعتبر الخطيب من الشخصيات البارزة على المستويين العربي و العالمي، بالاضافة إلى النائب الشهيد فيصل الصانع القيادي في حزب البعث الذي استشهد أبان الغزو عام 1990 و الشهيد مبارك النوت كذلك الراحل سامي المنيس و الاستاذ عبدالرحمن الحمود و الاستاذ عبدالمحسن الدويسان و المفكر الدكتور الراحل خلدون النقيب و المفكر الدكتور شفيق الغبرا و غيرهم الكثيرين‏?».ويشير المطيري الى أن«القوميين العرب في الكويت كانوا رواد الحركة البرلمانية والنقابية و الطلابية، لذلك فإن الشخصيات القومية في الكويت أثرت بشكل جذري بالتحرك السياسي وهي العمود الفقري له في بدايات الحركة الاصلاحية بعهد عبدالله السالم».وتجدر الإشارة إلى أن تأكيد القوميين في أن بيئة المجتمع الكويتي مهيأة للأفكار القومية، وان هناك حاجة إلى «النظام الديموقراطي، من خلال العمل على إصلاحات دستورية جذرية تؤدي في النهاية إلى إدارة الشعب للدولة من خلال البرلمان المنتخب بشكل مباشر من الشعب، الذي يختار الحكومة فيما بعد، سيضع الشباب القومي تحت المهجر في كيفية اعادة الاعتبار للحركة القومية الرائدة في ذاك الزمان«.القومية في الكويتوكانت أولى الحركات القومية في الكويت هي «كتلة الشباب الوطني» في العام 1938، وكان من أهم أهدافها وحدة الأمة العربية،و إحياء الروح القومية والدفاع عن مكتسبات الكتلة الوطنية.وضمت الكتلة نحو 300 عضو، وتم انتخاب أحمد زيد السرحان سكرتيرا للكتلة، فيما كان عبداللطيف محمد ثنيان الغانم رئيسا فخرياً.وتبع»الكتلة«‏تأسيس «حركة القوميين العرب» في بيروت مطلع الخمسينات إثر الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وقد أسس الدكتور أحمد الخطيب فرعا للحركة في الكويت، ‏وارتبطت الحركة بالخط الناصري وتأثرت به، ولذلك فقد تبنّت حركة القوميين العرب على المستوى القومي الاشتراكية في بداية الستينات، ‏وقد أنشأت الحركة تنظيماً عمالياً ضم في صفوفه حسين صقر عبداللطيف وحسين اليوحة وحسن فالح الذين شكلوا النواة العمالية التي قامت بتأسيس الحركة النقابية بعد إقرار الدستور.وبعد هزيمة 1967 التي انعكست سلبا على حركة القوميين العرب، شُكلت في نهاية العام 1970»حركة التقدميين الديموقراطيين«، وهي تنظيم ديموقراطي غالبية قياداته وأعضائه من الأعضاء السابقين في حركة القوميين العرب مثل الدكتور الخطيب وسامي المنيس وعبدالله النيباري ونايف الأزيمع وعبدالله البعيجان،وتحمل هذه الحركة توجهات قومية يسارية ذات برنامج وطني ديموقراطي، وقد أصدرت برنامجها في العام 1971 متضمنا التأكيد على أنها تنظيم سياسي طليعي يسترشد بالنظرية العلمية والفكر الثوري العربي والعالمي في نشاطه.كما أدت الانقسامات الداخلية في الحركة، بعد نكسة 1967 إلى ظهور تنظيمات أخرى من الأعضاء السابقين في الحركة، فقام جاسم القطامي بتأسيس»التجمع الوطني»، وهو تنظيم سياسي وطني ذو توجه قومي ناصري كان من بين مؤسسيه عبدالمحسن الدويسان، وفيصل المشعان، وعبدالله زكريا الأنصاري.وفي عام 1951 تأسست أولى حلقات حزب البعث العربي الاشتراكي في الكويت، وكان معظمها من العرب الوافدين للعمل في الكويت، وبعد الغزو العراقي للكويت في العام 1990 رفض البعثيون الكويتيون التعاون مع سلطات الاحتلال، على الرغم من أن حزب البعث هو الحزب الحاكم في العراق حينذاك، ما أدى إلى قيام المخابرات العراقية باعتقال زعيمهم فيصل الصانع وعدد من أفراد أسرته والحكم عليه بالإعدام.