بادئ ذي بدء لا أعرف لماذا تطرح كل الأمور في الكويت بتشنج وعصبية وكأن أي قضية هي مشروع مواجهة وقتال. راقبوا المقالات، تابعوا التغريدات، ارصدوا الآراء... لم تعد هناك وجهات نظر بل كلمات من رصاص وجمل حربية وعبارات عسكرية، وكأن عقد النقص الشخصية هي التي تحكم سقف الرأي، أو كأن «الجمهور مش عاوز غير كده»، أو كأن الكاتب الذي لا يخترق السقف لن تكون له شعبية داخل منطقته وطائفته وبين أنصاره.مناسبة الكلام موضوع المناهج الإسلامية في مدارس الكويت والضجة المصاحبة لقضية تغييرها والآراء المؤيدة أو المعارضة.أولا، نحن نرفض أن نكرر كالببغاوات فرضية أميركية وأوروبية تعلق كل التطرف الإسلامي على شماعة المناهج الدينية، ومن يكرر هذه الفرضية من العرب والمسلمين لا يريد أن يستخدم عقله فيلجأ إلى الاستسلام الدائم لـ «الآخر» كي يحلل عنه ويحل مشاكله.ثانيا، نحن لا نبرئ مناهج الدين من بعض المسؤولية في جنوح كثيرين للتطرف، لكن هذه المناهج تظهر في قمة البراءة إذا ما قورنت بنهج تجار الدين والسياسة بمختلف ألوان العمائم ومختلف المذاهب ومختلف المدارس. والجدير ملاحظته علاقة هؤلاء «التجار» الوثيقة بالأميركي الذي يصافحهم ويحاورهم ويتعاون معهم أرضاً وجواً... ثم يتابع قصفه للمناهج الدينية باعتبارها «مدرسة تخرج متطرفين».ثالثا، نعرف، ويعرف المختصون أن التعديلات التي أدخلت على المناهج الدينية في الكويت قبل أكثر من ثلاثة عقود كانت لها مبرراتها التي ليست تربوية صرفة مئة في المئة، وكان هناك من يريد أن تتوازن السياسة التربوية مع توجهات سياسية لها مدارسها وتاريخها وتجربتها.بعد هذه الملاحظات ندخل في صلب الموضوع. الخطأ كل الخطأ أن يتم الكلام عن تعديل أو تطوير المناهج الدينية وكأنها جزيرة منفصلة عن الواقع التربوي العام. يا جماعة، يا أحباب، يا أصدقاء، يا مسؤولون... الدول المتقدمة تعيد النظر في كل مناهجها الدراسية بين فترة وأخرى، بل إن التطور الحاصل في دول أوروبية وأميركية يسير بسرعة مخيفة ويكاد يكون سنويا نظراً إلى المستجدات العلمية، وعليه فإن كل كلام عن حصر التعديل في المناهج الدينية إنما يراد له أن يعرقل عملية التطوير لأن المناهج الأخرى كلها بحاجة إلى تعديل سواء تعلق الأمر بالرياضيات أو الفيزياء أو الكيمياء أو الأدب أو سواها.والمشكلة التي يرى مختصون تربويون وجوب وضع حلول لها تكمن في أن مدارس خاصة في الكويت سارت في مجالات تطوير المناهج بالنسبة لمواد كثيرة علميةإلا أن المسير توقف عند مادتي اللغة العربية والدين لأن الموضوع انتقل من إطاره التربوي إلى السياسي، فصار دعاة التغيير يعتبرون أنهم ينتصرون للدولة المدنية بينما اعتبر دعاة إبقاء الوضع على حاله أنهم ينتصرون لدينهم.إذاً، ومن دون تشنج أو عصبية، ومن دون غايات سياسية، يمكن أن نتفق على وجوب تعديل مناهج الدين وتغييرها في إطار سياسة عامة للتطوير تشمل كل المناهج.ثم، ليسمح لي من يرفض أي مساس بمنهج الدين أن أورد بعض الملاحظات التي كونتها من خلال تدريسي لأبنائي في مختلف المراحل، وهي ملاحظات غير مرتبة وفق السنين أو الفصول. على سبيل المثال هناك درس كامل عن كيفية قضاء المرء حاجته في الخلاء أيام الدعوة، وكيف يفعل إذا كان أمامه حجر أو عظمة، وهناك درس عن زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام والغيرة بينهن وكيف كانت إحداهن تسرّ إلى أخرى ما قاله لها الرسول رغم أنه نهاها عن ذلك، وهناك أسئلة عن المسلم وكيف يعبر عن مبادئه أبا للجوء إلى الدول الكبرى أم بالكتابة في الصحف أم بالجهاد؟ إضافة إلى درس قد يفهم منه الإساءة إلى مذاهب أخرى أو قد يفهمه أبناء مذاهب أخرى بأنه يسيء إلى معتقداتهم.طبعا، المناهج فيها الكثير من الدروس الجيدة والآيات القرآنية وتفسيراتها، لكنني سأقف فقط عند بعض الأمثلة التي ذكرتها وغيرها موجود أيضا، لأسأل: ألم يحن الوقت مثلا لدرس عنوانه المسلم والتطور التكنولوجي؟ أو كيف يتعاطى المسلم مع ثورة الاتصالات في فضاء مفتوح؟ أو كيف يستغل المسلم هذه الثورة في التقدم إلى صفوفها الأولى ليكون سفيراً مميزاً لدينه وعقيدته؟ أليس العلم فريضة كبرى ومن المهد إلى اللحد؟أسأل أيضا عن قصص الأنبياء وأمثولات الرحمة والتسامح والمودة وتقبل الآخر، وعن كيفية تعامل هادي البشرية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليس مع الانتقادات فحسب بل الأذى نفسه، وكيف كان يرد عليه بالخير والصبر والمحبة بهدف الاستقطاب والتبشير لا التنفير، ومن منطق القوي الواثق المتسلح بالإيمان والتسامح... تذكروا فقط ماذا فعل عندما مات كبير من عاداه وحارب الدين عبد الله بن أبي بن سلول وكيف كفنه وصلى عليه.اسأل أيضاً عن قدسية الاعتصام بحبل الله وعن ضرورة تقبل الآخر ليس في الدين فحسب بل في الإنسانية، بل كيف نرد على الحملة الدولية العقائدية الظالمة ضد ديننا الحنيف من خلال إبراز كل مقومات الحداثة والفكر والتطوير الكامنة في مبادئه.واسأل عن المسلم والدولة والدستور والقانون وغرس ثقافة المواطنة والمدنية والالتزام بالأمن والأمان والاستقرار وعدم الجنوح إلى الفوضى أو تهيئة مناخات انقسامية تفتح شهية الرياح التي تعصف بنا.أسئلة كثيرة، وأعتقد أن إجاباتها أفضل بكثير من بعض الأمثلة التي ذكرتها سابقا وموجودة في صلب مناهجنا، وهذا الكلام ليس موجها فحسب إلى وزير التربية المفروض إنه المخول أخذ قرار بل بالدرجة الأولى إلى رافضي أي فكرة لتعديل المنهج الديني، فنحن شركاء ومتفقون على هدف الارتقاء بمناهجنا الدينية إلى أفضل مستوى كي نقارع التطور في المناهج الأخرى.مرة أخرى، هي فكرة للنقاش، أردتها علمية موثقة بأمثلة كي لا أكون جزءاً من السجال الدائر الذي انحرف عن مقاصده... كما كل شيء في الكويت.جاسم مرزوق بودي
الافتتاحية
الرأي اليوم / تعديل مناهج الدين ... من دون تشنج!
03:00 م