سأحكي لك عزيزي القارئ الهمام يا من تشكو الزحام وسرقة اللئام مقارنة لطيفة توضح لك لماذا يهيم الشعب الكويتي على وجهه عشقا في حب كرة القدم؟، وأقسم أن أقول الحق ولا شيء سوى الحق.فإذا كانت البيئة تعاني من ثقب الأوزون فقد وضعت قوانين لذلك، ولكن نحن كمواطنين نعاني من ثقب آخر هو ثقب البنطلون الذي أحدثته الحكومة بسبب غلاء الأسعار وارتفاع الإيجار وأسعار العقار، وجعلتنا نطالب بوضع قوانين لسد هذا الثقب الحار، لاسيما بعد أن اتسع عند صديق لي حتى أصبح أكبر من بوابة مجلس الأمة، ولكن أحد مدربي التنمية البشرية نصحه قائلاً «بدلا من أن تسد الثقب ادخل منه.. فهو بوابتك للنجاح»، ولكن يبقى السؤال لماذا يحب الكويتيون كرة القدم؟اعلم زادك الله رفعة وزاد رصيدك دفعة وراء دفعة أن ملاعب كرة القدم هي المكان الوحيد الذي نستخدم فيه رؤوسنا...من أجل تسديد الأهداف، أما خارجها فنحن نستخدم روؤسنا عند الحلاق أو من أجل أن تهدد بقطعها «داعش» أو «الحوثيون».وقبل بدء أي مباراة سيغني الجميع النشيد الوطني، ولكن خارج الملعب سيغني الجميع على بعضه البعض، وستعزف أغنية المواطنة وأغنية الإصلاح وستعزف أغاني ليبرالية وإخوانية، صحيح أنها ستختلف في اللحن ولكنها ستتشابه في الكلمات. فالإخواني كان يريد أن يحتكم للشريعة والآن أصبح يريد أن يحتكم للصندوق، والليبرالي كان يريد أن يحتكم لحقوق الإنسان والآن أصبح يريد أن يحتكم للتراث من أجل تحليل الخمر.وملاعب كرة القدم هي المكان الذي يسمح فيه لنا أن نبني حائط صد للضربات المباشرة أو غير المباشرة الموجهة إلينا، ولكن خارجها فعلينا أن نسمع ونطيع من مطلع الفجر وحتى ظهور خيط الغروب الرفيع.وملاعب كرة القدم هي المكان الوحيد الذي يمكن فيه أن تمسك (بالمتسلل) وتنشر اسمه ورقم «تيشرته» أمام الجمهور، أما خارجها فالله ستير ويحب الستر على عباده، وذات مساء سألنا متسللا من أين لك هذا؟ فأجاب «هذا مصروفي من أمي جمعته منذ كنت صغيرا».وأعلم يا رعاك الله أنه في وزارات الدولة ستجد لوحة للمراجعين قد كتب عليها «من حقك أن تشتكي علينا»، ولكن إذا قلبت اللوحة ستجد عبارة أخرى «ومن حقنا ألا ننظر في شكواك»، ولكن في ملاعب كرة القدم فكل شكوى أو غلطة كبيرة مصيرها الإنذار أو الطرد أو الوقف.وفي ملاعب كرة القدم يرتبط مصير الكل بنتيجة النهاية فلا مجال للخيانة أو العمالة أو التقاعس، ولكن في الحياة خارج الملاعب ستجد من يتحول أمام السلطات العليا إلى رأفت الهجان في وطنيته، ولكنه في الدواوين المغلقة يكون مثل ديفيد شارلي سمحون في خسته وحقارته.وفي الحياة السياسية ينقسم المواطنون إلى دوائر انتخابية أحيانا تصبح مثلثات حسب الظروف، أما الملاعب فهي مستطيلات رياضية لا تتغير حسب الطقس.وفي كل فريق هناك ما يسمى خط الوسط، أما خارج الملاعب فالناس إما أقصى اليمين وإما أقصى اليسار، وهناك من لا يعرف (الوسط) إلا من أجل الهز والرقص على الانستغرام.ولا أخفيك سرا أيها المواطن اللطيف أنه منذ بناء السور الأول وحتى بناء استاد جابر فقد ظهرت العديد من اللجان في الوزارات والمؤسسات والبرلمانات والهيئات، ولكن المواطن لا يستفيد سوى من لجنة واحدة وهي لجنة التحكيم التي تباشر تحكيم الدوري الممتاز.والوحدة الوطنية في الملاعب تكون على أعلى مستوى فلا فرق بين سني وشيعي إلا بالمهارة ولا فرق بين ملتحٍ وحليق إلا بالكفاءة، أما خارج الملاعب فلا فرق بين مواطن ومواطن إلا بالواسطة.وفي كرة القدم إذا أردت أن تصبح لاعبا وتستخرج كرت اللاعبين يجب أن تذهب إلى مدرب جيد يعرف قوانين التدريب، ولكن في الحياة إذا أردت أن تستخرج رخصة للقيادة فلا تذهب إلا لمدرب يعرف الملازم المسؤول عن الاختبار.وكل لاعب في الفريق له لاعب احتياطي من أجل التغيير إذا ما ساء أداؤه في الملعب، ولكن في الحياة الواقعية فالمسؤول إذا ساء أداؤه فسيتم عقاب كل الموظفين حوله.والذي حجت القبائل والعوائل كعبته أنا أحب الكويت حبا جما لذلك أتمنى أن تتحول إلى مستطيل أخضر كبير حتى يكون اللعب على المكشوف ومن غير كسوف، فيبدو أن الكائن الوحيد الذي ما زال يعاني من «الكسوف» هو الشمس فقط.****قصة قصيرة:في المدرسة كان يصيح بصوت مرتفع عند نداء المعلم اسمه ويقول «حاضر»، وفي البيت اعتاد أن يلبي كل الأوامر بقول «حاضر»... وفي صف العسكرية وفي طوابير المعاملات وفي مناسبات العزاء وسجلات الدوام كان دائما «حاضر».. ورغم ذلك فقد ظل غائباً في عيون وطنه.moh1alatwan@