ستشهد الكويت خلال السنوات المقبلة طفرة هائلة في حجم العمالة لمشاريع متأخرة يتم تنفيذها دفعة واحدة، ما يستدعي دخول عشرات الآلاف من العمّال الوافدين إلى البلاد لضمان تنفيذ المشاريع في وقتها، لكن الإجراءات الحكوميّة لا تبدو جاهزة لذلك، ما ينذر بأزمة عمالة حقيقية.وتؤكد مصادر عدّة في القطاع النفطي لـ «الراي» أن التحدي الأكبر الذي يواجه مشاريع مثل الوقود البيئي ومصفاة الزور وغيرها من المشاريع المدرجة للتنفيذ لدى جهات الدولة، يكمن في الخدمات اللوجستية ومدى قدرتها على استيعاب حجم العمالة المتوقعة، وكيفية استقدامهم وما إذا كان المطار أو الطرق أو آلية منح التأشيرات ستساعد المقاولين في استقدام عمالتهم اللازمة لتنفيذ عقودهم.وتشير المصادر إلى أن المشكلة ليست في مشاريع النفط فقط، بل هناك حجم مشاريع كبير لكل هيئات الدولة تتطلب مئات الآلاف من العمالة، ما يضع جهات أخرى أمام تحدي الجهوزية لضغط كهذا، وما إذا كان هناك فكر جديد قادر على التعامل مع هذه الهجمة من المشاريع المليارية في وقت واحد تقريباً.وقالت المصادر «إن هناك حاجة ماسة لوجود فرق متخصصة لإنجاز معاملات المقاولين الخاصة باستقدام العمالة، ومنح التأشيرات بعشرات الآلاف وليس بالآحاد او العشرات فقط، مع ما يتطلبه ذلك من سرعة في إجراءات المراجعات الامنية والفحوصات الطبية».وترى المصادر أن «تأخر انهاء اجراءات العمالة سينعكس سلباً على مراحل تنفيذ المقاولين للمشاريع، وبالتالي على جداول التنفيذ لكل المقاولين والمشروع نفسه وحينها من سيتحمل ذلك ومن المسؤول؟».وروت المصادر أنه «في أحد المشاريع السابقة اشتكى أحد المقاولين من عدم حصوله على تأشيرات لعدد العمالة المطلوبة لتنفيذ تعاقده في أحد المشاريع النفطية الذي كان يتطلب 1200 عامل، في حين أن كل ما يحصل عليه 15 تأشيرة اسبوعياً، فمتى ينفذ المشروع ومن يتحمل التأخير؟»، داعيةً اللجنة الوزارية إلى الاستعداد لتلافي مثل هذه الامور المهمة والمؤثرة ليس على مشاريع النفط فقط بل على كل المشاريع الخاصة بكل جهات الدولة.وتؤكد المصادر على «ضرورة تفعيل قرارات اللجنة الوزارية التي أُنشئت من كافة الوزارات لتسهيل عمل هذه المشاريع الاستراتيجية حتى يتحقق الهدف من تشكيلها، وإلا ما فائدة قرارات ولم تنفذ وتتعطل المشاريع؟».وطالبت المصادر «بالعمل بشكل مختلف عما هو متعارف عليه في مسألة الاجراءات بما يتناسب مع حجم المشاريع التي تنفذ والعمالة المطلوبة لها، ومنها تكوين لجان خاصة لإصدار التأشيرات للعاملين بشكل جماعي في الدول التي تأتي منها العمالة، وإتمام عمليات الكشوفات الطبية واصدار التأشيرات بشكل يمكن معه اصدار هذا الكم الهائل من التأشيرات».وتؤكد مصادر أخرى ان «جهوزية المطار والموانئ تعد من التحديات الكبيرة، متسائلة، هل هناك قدرة وطاقة بالمطار لاستيعاب هذا الكم المقدر بعشرات الآلاف من العمالة خلال فترة زمنية واحدة تقريباً؟»، مضيفة أنه «مع الطفرة في تنفيذ المشاريع سيتطلب ذلك نحو 20 أو 30 رحلة اسبوعياً فقط لنقل عمالة هذه المشاريع بعيداً عن الرحلات الطبيعية، فهل يتحمل المطار ذلك، مع العلم أنه يستقبل حالياً نحو مليوني مسافر فوق طاقته القصوى سنوياً؟».وتضيف المصادر أن «الطيران هو الخيار الأول لاستقدام العمالة بيد أن الجهوزية وقدرة المطار ستحدد ذلك وقتها، كاشفة عن البحث في خيار استقدام العمالة بالطيران إلى الدول المجاورة، ومن ثم نقلها بحراً عبر البواخر، لكن علينا أيضاً أن نتأكد من جهوزية الموانئ لذلك».وتلفت المصادر إلى أن «جهوزية الطرق تعد تحدياً كبيراً آخر، فهل طاقتها الاستيعابية كافية لتحريك آلاف المعدات والآليات الخاصة لنقلها لمواقع العمل؟»، وتشير إلى أن «المخطط كان انشاء طرق جانبية لتجنب الازدحامات المرورية بيد أنها لم تنفذ، وهو ما يتسبب في اختناقات مرورية متوقعة خلال تحركات عمالة المقاولين خلال أوقات العمل وقت الذروة».وأضافت المصادر أن «عمالة المشاريع النفطية الكبرى تتطلب تحريك نحو 300 باص في فترتي الذروة الصباحية والمسائية حسب ورديات العمل المجدولة، ومن هنا كانت فكرة انشاء طرق موازية من اللجنة الوزارية منذ فترة طويلة ومع ذلك لم تنفذ».وأشارت المصادر إلى مشكلة تسكين العمالة، وقالت: «في ظل نسبة الإشغال العالية في العقار الاستثماري، والتي تفوق 95 في المئة حالياً، لا بديل عن المدن العمالية، لكن هذا الحل يتطلب سرعة كبيرة في التنفيذ لئلا نقع في مأزق». وبينت المصادر أن الحل العملي الذي لجأ إليه القطاع النفطي هو تخصيص أرضٍ للمقاولين لبناء المنازل الموقتة للعمّال على أن تستخدم تلك المنازل في مشاريع لاحقة بعد إنجاز المشاريع النفطية، لكن المشكلة تبقى في نقل هذا العدد الكبير من العمال من مواقع السكن إلى مواقع العمل، فضلاً عن أن من غير المضمون سرعة إنجاز تلك البيوت.وقالت المصادر إن المشكلة تكمن في انطلاق مشاريع القطاع النفطي بالتزامن مع انطلاق مشاريع تنموية كبيرة في الدولة، سواء في قطاع الكهرباء أو الصحة أو الطرق، وهذا ما يؤدي إلى ضغط كبير على البنية التحتية.وطالبت المصادر «بضرورة العمل بروح الفريق الواحد بين الوزارات والهيئات المعنية لخدمة هذه المشاريع بما يوفر على الدولة خسائر بالمليارات في حال تأخر تنفيذ هذه المشاريع التي تمثل القفزة الحقيقية لدعم الاقتصاد الكويتي وإدارة عجلة التنمية في جميع القطاعات».وتطرح مشكلة العمالة تساؤلات أعمق حول التوجهات الاستراتيجية للدولة، ففي ظل الحديث الدائم عن الاهتمام الحكومي بمعالجة الخلل في التركيبة السكانية، واتخاذ إجراءات للحد من نمو أعداد الوافدين، يبدو أن طفرة المشاريع التنموية ستضطر الدولة إلى السير في الاتجاه المعاكس، أقله إلى حين استدراك تأخر الكويت لسنوات في تنفيذ خطط التنمية.