امتشقت الشاعرة الزميلة سعدية مفرح الكلمة، في توهج شعري جميل، عبر أمسية أقامها ملتقى «ضفاف»الثقافي، في مكتبة الكويت الوطنية، وقدمها الشاعر الزميل نادي حافظ.والأمسية امتزج فيها الشعر مع الحوار، في ألق إنساني، تدفقت فيه الرؤية عبر ممرات حياتية مفعمة بالحيوية والتألق.وكانت الشاعرة سعدية مفرح- في هذه الأمسية- محملة بالكثير من المشاعر التي حرصت على أن تبثها على الحضور الكثيف، وهي مشاعر خاصة وأخرى عامة، غير أنها كانت متفاعلة مع الحياة بأكبر قدر من الإخلاص.وجاء تقديم الشاعر نادي حافظ متناسقا مع ما تتطلبه الأمسية من انسجام مع الكلمة كي يقول: «هي ليلة استثنائية جديدة لملتقى ضفاف الثقافي، وهي الثانية في رحاب مكتبة الكويت الوطنية، التي نتوجه إلى مديرها العام كامل عبد الجليل بجزيل الشكر، على ترحيبه ودعمه لمثل هذا النشاط».وفي سياق شعري لخص حافظ مسيرة ضيفة الأمسية:ما الذي يمزج للشمس ألوانهاثم يمشي الهوينىبهودج أحلامهاإلى أن تؤوب إلى خدرهافتدني عليهاخمار المساءوتغمض أجفانهاوتنام؟... إنها الشاعرة الكبيرة سعدية مفرح، التي إن وقفت تتوكأ على 17 كتابا تشكل رحلتها مع الحرف والنزف والعزف«.واستوقفت الشاعر جمهورها في استهلال حديثها... مع صوتها الخفيض، الذي ترى فيه عائقا يحول دون ترحيبها بإحياء الأمسيات، غير أن الكثير من الأصدقاء يرون فيه بحة الشعر وهدأة القصيدة حينما تريد أن تتلاقى مع الحلم والخيال، مؤكدة أنها ما زالت على اعتاب القصيدة، وكل نص تكتبه ترى أنه النص الأخير لها.ثم... التمعت المشاعر، وفاجأت مفرح الجمهور بأنها ستقرأ قصيدتها الأولى في هذه الامسية... واقفة، اعتزازا وتقديرا لمن ستتوجه بها إليه... كي تتوهج المحبة والفخر برسول الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام، ومن ثم عبرت القصيدة كل حواجز اللغة والمعاني والمضامين، لتأخذ مسلكا آخر يعبر عن عظمة الشخصية، والتفاني في حبها إلى أبعد الحدود، إنه الرسول الكريم الذي وصفته الشاعرة بأنه ميلادها وأحلامها وذكرياتها وأمانيها، ونور العين وضوء القلب والأفراح والأحزان، وهو كل ما تراه في هذه الحياة.ومن هذا النقاء الروحاني انتقلت الشاعرة إلى نقاء آخر... إنه حب الوطن كي تقرأ قصيدة كتبتها في 17 يناير من العام 1991 وهي ذكرى الضربة الجوية التي حررت الكويت، وذلك بعد أن اقتحم الجنود منزل أهلها بحثا عن السلاح، وقتها كان لها أخ معتقل والآخر ضمن جنود التحالف، ومن ثم خرجت قصيدة»وطني«، الذي تراه أكبر من كل شيء، في ما أنشدت قصيدة»آية الجاهلية«، في ما تضمنت قصيدتها»موسيقى النوى، إيقاعين الأول تحدثت فيه عن ذكرى غياب والدتها والإيقاع الآخر وصفته بأنه «على سبيل القصيدة».ومن ديوانها الثاني قرأت الشاعرة قصيدة «تغيب فأسرج خيل ظنوني»:تغيبُ...فَتَمضي التّفاصيلُ هذي الّتي نَجْهَلُ كيفَتَجيءُ نَثيثاً وكيفَ تَروحُ حَثيثاً تُغنّيكَسرْبِ قَطاً عالِقٍ في شِراك النَّوى فتَجْتاحُصَمْتي هذا الغريبَ المريبَ، تُغالِبُ وَجْديهذا السَّليبَ تَنوحُ ولا تَنْثَني إذْ مُغْرِياتُالقَطا المُصْطفى عَبْرَ فَيافي الضَّنى قد تلوحُبجَبْهةِ مُهْرٍ جَموحٍ صَبوحْيَدُقُّ غيابُكَ جرْسَ حَضوريفيُلغيهِوتسترسل الشاعرة في كشف رؤاها، التي تحتفي بالكلمة في أنساق إنسانية، تتحاور مع الواقع بمزيد من الخيال، وبالتالي فإن المضامين اتسمت بالرقة والتفاعل مع المشاعر بأكبر قدر من التكثيف والإيحاء:فأُسْرِجُ خيلَ ظُنونيغيابُكُ نَهرُ غَضوبٌوحينَ يكونْأُخضِّبُ كلَّ عرائِسَ شَوْقي ملائِكَ حُبِّ, وأَفْرُشُكلَّ عرائِشَ قَلْبي أرائِكَ لَعِبٍ لهُنَّ, فأجلوهُنَّوأُلبسُهُنَّ, خَلا خيلَهُنَّ وأُبْرِزُهُنَّ نَهاراً جَهاراًيَصرْنَ شُموساً يُراقِصْنَ موجَكَ مُنْتَشِياتٍبهذا العَليَّ الأبِيَّ الفَتيَّ وينثُرْنَ حِنّاءَهُنَّ الجَميلَطُيورًا على الماءِ تنقُرُ سبعَ نوافِذَ خُضْرٍ وتُشْعِلُسبعَ شُموعٍ، ويَنْداحُ فيضُ الهَديلِ العليلِ صَلاةًلطَقسِ النَّخيلِ المخضَّب بالعُودِ والوَرْدِ والنِّدِّ والطَّلَلِالموسميّ البليل، والخَلاخيلُ هذي الّتي فضَّضَتْ ليلَوجْهِكَ تَدْعوكَ سَبْعًا,فهلْ سَتَفيضُ، وقدْ غِيضَ مائي؟ثم جاءت الأسئلة التي أرسلها الحضور إلى الشاعرة سعدية مفرح شفهيا أو كتابيا، متوجها بألق السؤال، كي يتحدث الشاعر نادي حافظ عن دعم مفرح للأدباء الشباب بالنشر أو مراجعة كتاباتهم قبل الطبع، وجاء سؤاله حول الطريقة التي يمكن من خلالها وقف طوفان الكتب الرديئة الذي يهدر.ودعت مفرح في إجابتها إلى تشديد النقد على مثل هذه الإصدارات حتى ولو وصل الأمر إلى النقد اللاذع، محذرة في الوقت نفسه من تدخل الرقابة في هذه المسألة، لأنها تخص النقد والجمهور،ولا علاقة للرقابة بها.وأشار الناقد الدكتور مصطفى عطية إلى بعض الصفات التي تتجمل بها مفرح ومنها موهبتها المتميزة واعتزازها بعروبتها وإسلامها، طارحا سؤاله حول الحركة الشعرية النسوية، كي ترافض الشاعرة مثل هذا التوصيف بتأكيدها أن الشعر يخص الرجل والمرأة على حد سواء، ولكن هناك خصوصية تتميز بها المرأة.وسأل الفنان أحمد الديب عن المعايير التي من خلالها نحدد جودة الشعر من رداءته، لتؤكد مفرح أن المعايير غير مهمة، المهم أن تنفذ القصيدة إلى وجدان المتلقي، في ما تضمن سؤال الشاعر الزميل أحمد المنشاوي عن دور الأدباء والمثقفين في قضايانا العربية والإسلامية، لتقول مفرح: «اللهم لا تجعلنا من المثقفين» مشيرة إلى تخاذل الكثير من المثقفين أمام قضايا مجتمعاتهم المصيرية، وعذرت القليل من المثقفين الذين لا يستطيعون الجهر أمام الدكتاتورية، وأوضحت أن الذين يعبرون بحرية عن آرائهم، إما في السجون أو المهجر.في ما تحدثت عن تجربتها مع مواقع التواصل الاجتماعي، وكيف أنها كانت في البداية متخوفة من الخوض فيها غير أنها وجدت أنها تجربة ثرية وساهمت في نشر كتبها وكتاباتها، وفي ردها على سؤال من الشاعر سعيد المحاميد حول تعريف الشعر، أكدت أن الشعر مثل كل الأشياء الجميلة ليس له تعريف، وفي ما يخص سؤال ملك النوري عن الرمزية التي تتبعها مفرح في شعرها أجابت بأنها تحلم بكتابة قصيدة تختلف عن غيرها من القصائد.وسؤال فيصل العنزي حول طباعة مقالاتها... أوضحت مفرح أنها تفكر في نشر بعض مقالاتها المنتقاة في كتاب، في ما كشفت أنها تكتب الشعر النبطي ولكنها لا تنشره، معبرة عن حبها للجهراء والتي تراها عاصمة القلب.