أطفأت بيروت محركاتها «الحامية»، ليس بسبب استرخاءٍ سياسي تفرضه أجواء الأعياد (الميلاد ورأس السنة)، بقدر ما هو على صلة بـ «مناخ حواري» يهبّ على البلاد، الأمر الذي انعكس تلقائياً تراجُعاً في حدة التشنّج السياسي رغم بقاء الواقع المأزوم على حاله مع المعطيات التي تؤشر الى استمرار انسداد الأفق في الملف الرئاسي بعد نحو سبعة اشهر على تعطيل عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية.واذا كانت «الماكينات» الإعلامية والسياسية تروّج للأجواء «الايجابية والجدية» التي سادت الجولة الأولى من الحوار بين الطرفيْن الأكثر «تقابُلاً» في الصراع الداخلي ذات الامتداد الاقليمي، اي «تيار المستقبل» و«حزب الله»، فان ما يرشح عن «المباحثات» الدائرة بين الرابية (حيث دارة زعيم التيار الوطني الحر العماد ميشال عون) ومعراب (مقر رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع) يوحي بان اللقاء بين الخصميْن المسيحيين قد يتم «اليوم وليس غداً».والأكثر إثارة للانتباه في العودة «المفاجئة» لسياسة «مدّ الجسور» بين اللاعبين المحليين الذين غالباً ما يتّكئون على تحالفات اقليمية، انها تتم وسط واقعٍ اقليمي لا يؤشر الى انفراجات قريبة، وخصوصاً ان النار تزداد اشتعالاً في المنطقة وسط تضاؤل حظوظ المبادرات الديبلوماسية كتلك التي حملها نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف اخيراً في شأن سورية.ولعلّ القراءة الاكثر تداولاً لهذا التمايُز بين الواقعين اللبناني والاقليمي، تعبّر عنها دوائر سياسية في بيروت بقولها ان تبريد الحال اللبنانية يشكل حاجة للداخل والخارج على حد سواء، فالمعركة الأكثر شراسة للاعبين الاقليميين تجري في سورية لا في لبنان، وتالياً فانه لا توجد موانع اقليمية تحول دون تحصين الستاتيكو القائم على «الانتظار» في الداخل اللبناني وتحسين مقوّماته السياسية والأمنية.وفي ضوء هذا «الهامش»، نجح الإطفائي الداخلي، اي رئيس البرلمان نبيه بري وبمؤازرة النائب وليد جنبلاط، في إخماد الكثير من الجمر في العلاقة بين «تيار المستقبل» و«حزب الله» وجمعهما الى «طاولة واحدة»، فوْقها حاجة متبادلة للكلام الاحتوائي، أما تحْتها فحقل ألغام لا يستهان به، الأمر الذي فرض على الطرفين الذهاب الى عين التينة (مقر بري) بتوقّعات مخفوضة، لكن من دون قفل الابواب امام تفاهمات بـ «المفرّق» من شأنها تحريك عجلة عمل الحكومة والبرلمان، اما الانتخابات الرئاسية فمسألة أخرى.وبالتوازي مع هذا التطور المثير للاهتمام في العلاقة التصادمية بين «تيار المستقبل» و«حزب الله»، كان تطوّراً مماثلاً يشقّ طريقه بين الرابية ومعراب عبر حوار خلف الستائر المقفلة، بدا من الواضح ان نتائجه الاولية نجحت في الحدّ من التوتر في الخطاب السياسي بين الطرفين، والذي غالباً ما تميّز بالحدة والتحدي نتيجة وقوفهما على طرفيْ خط التماس القائم بين تحالفيْ «8 و 14 آذار».ورغم ان اوساطاً في 8 آذار تشكك في امكان بلوغ التواصل القائم على خط «التيار الحر» و«القوات» نتائج تتيح جمْع عون وجعجع في لقاء ثنائي، فثمة تقديرات مغايرة تشي بأن «الحوار الهادئ» الدائر بين الفريقيْن المسيحييْن قطع شوطاً مهماً، الامر الذي رفع منسوب التوقعات حول إمكان حصول لقاء بين العماد عون والدكتور جعجع، ربما في دارة الاول في الرابية، وخصوصاً بعد ما يشبه «اعلان النيات» المتبادل حيال اهمية الحوار والتفاهم والاستعداد للقاء.مصدر بارز في «القوات اللبنانية» على صلة بهذا الملف قال لـ «الراي» ان «ما تشهده العلاقة مع التيار الوطني الحر هو اكثر من حوار وأقرب الى محادثات تتناول ملفات ترتبط بالوضعين الوطني والمسيحي وتتم في شكل معمق»، موضحاً ان «من بين هذه الملفات ما هو على علاقة بعمارة الدولة والحدود والمالية العامة وبالقضايا المسيحية - المسيحية».وتحدّث المصدر «القواتي» عن انه «تم إرساء ثلاث قواعد لمناقشة تلك الملفات وسواها: الشفافية الكاملة في تناوُلها، المصارحة الكاملة ايضاً في شأنها، وتحسين آداب المخاطبة الى الحدود القصوى، سواء في شأن القضايا المتفَق عليها او الملفات الخلافية، اذ علينا احترام حقّ الاختلاف الى اقصى الحدود، وهو امر يرتبط بالاخلاق المسيحية قبل ان يكون مبدأ سياسياً».واشار المصدر عيْنه الى ان «المحادثات مستمرة وفي شكل ودي ومعمق»، لافتاً الى ان «الحكيم (اي جعجع) جدي جداً في السعي للوصول الى مساحات مشتركة مع التيار الوطني الحر»، متوقعاً حصول لقاء «لن يكون خاتمة للمحادثات بل يمكن ان يشكل دفعاً لها، ونحن نحرص على ان لا يكون فولكلورياً بل منتجاً».واذ لم يشأ المصدر البارز في «القوات اللبنانية» تحديد موعد للقاء جعجع - عون، فإنه تحدث عن معياريْن يحددان توقيت انعقاده «الاول سياسي يرتبط بإمكان دفعه المحادثات الى الامام، والثاني أمني ومرده الى حساسية الظروف الأمنية التي تحوط بحركة الدكتور جعجع».وما قاله المصدر «القواتي» الوثيق الصلة بالحركة الجارية على خط معراب - الرابية عبّر عنه وعلى طريقته امين سر «تكتل الاصلاح والتغيير» (كتلة العماد عون) النائب ابراهيم كنعان الذي أكد أن «هناك مساراً من التواصل مع»القوات اللبنانية«في اطار السعي الى رؤية مشتركة حول الملفات الأساسية من الاستحقاقات الدستورية الداهمة، ومن الوضع السياسي العام في لبنان»، معتبراً «أن هذا المسار ضروري اليوم وفي كل المراحل المقبلة، وهو قائم على أنه مهما كانت الاختلافات والتنافس كبيرين بين الأحزاب والتيارات المسيحية، فمن الضروري عدم الاختلاف على الحقوق الدستورية والميثاقية والتوصل اذا أمكن الى قاعدة عمل مشترك تنظم العلاقة بين «التيار» و«القوات» كأكبر ممثلين على الساحة المسيحية، بنسب مختلفة، ولافتاً الى «ان اللقاء الثنائي بين العماد عون والدكتور جعجع أصبح ممكناً وإن لم يتحدد موعده بعد، الا انه وضع على نار حامية».
خارجيات
مصدر بارز في «القوات» لـ «الراي»: المحادثات التمهيدية جدّية وودّية
حوار «خلف الستائر» بين عون وجعجع يمهّد للقاء مرتقب
09:50 م