انصرف منذ أيام قليلة معرض الكويت الدولي للكتاب... بكتبه وفعالياته المصاحبة، وصخبه الذي تثيره- كل عام- زوبعة يطلقون عليها «الرقابة»، وبعد أيام قليلة أخرى ستنطلق معارض كتب عربية أخرى، ولكن...لا يبقى إلا السؤال الذي يكاد يتكرر مع كل إطلالة أو أفول كل معرض للكتب: ما الفائدة؟!إنه السؤال الذي دائما ما نطرحه على أنفسنا وعلى من حولنا من المثقفين واصحاب الشأن... ولكننا لا نجد الإجابة الوافية له... فما الفائدة من إقامة معرض للكتب؟!... بينما تجاوزت أمية المعرفة وحافز المطالعة والقراءة نسبا لا يستهان بها بين شرائح المجتمعات العربية على وجه الخصوص!ما الفائدة من معرض الكتاب؟!... والمثقفون والأدباء تشغلهم بشدة، مناجاة ذواتهم، من خلال البحث المضني والعميق عن الشهرة واقتناص الجوائز... وحتى المكاسب المادية، من دون الرغبة في تقديم أدب يحقق مكاسب حقيقية للإنسان، وليست كتابات مدفوعة بنزعة تحقيق مطامح ذاتية ضيقة!إنهم يكتبون لأنفسهم... ولا يقرأ ما يكتبون إلا أنفسهم أو الأصدقاء... مجاملة، ولكن الذي يصل إلى مستوى الإنسان قليل إلى أبعد الحدود.ما الفائدة من معرض الكتاب؟!... والحلم قد انطفأ في تخليص المجتمعات من العتمة وسيطرة وسائل الإعلام الضالة بكل أدواتها ونجومها الدائمين... على الأذهان؟!، إنها الفضائيات المندفعة بشراهة الانتقام، وكسر شوكة الأعداء والنيل من الكرامات وإثارة الفتن والتعصب، من أجل نيل مكاسب باهتة وغير دائمة.وما الفائدة من اقتناء الكتب وتكديسها في المكتبات أو الوسائط الإلكترونية، طالما أن الكلمة لا قيمة لها بعدما سيطر عليها أصحاب الصوت العالي، الكارهين للإنسان الناعقين في مساحة ضيقة اسمها الذات.إننا نكتب... كلاما، أي كلام... نضعه على مواقع التواصل الاجتماعي، ويأتي الأصدقاء المجاملون، كي يضعوا إعجابهم أو تعليقاتهم، ثم نذهب إلى أحوالنا... معتقدين أن ما حدث من ثورات عربية نتجت عن أشباه هذه الكتابات ستحدث، مع أن الصور تغيرت والأحداث أخذت منحنى غائرا وعميقا، يؤكد أن التجارب السابقة لن تتكرر، لأن الظلم قد فاق من نعاسه، وهو الآن منتبه لكل شيء، وكل ما يكتب سيجد ما يواجهه، وكل ما سيقال سيجد كلاما أكثر حدة منه.وحينما نكتب كلاما ذا قيمة... لن يقرأه أحد لأننا زهدنا في القيمة، ونحن الآن نبحث عن «اللا قيمة»، كي نمنحها كتاباتنا.ما الفائدة إذاً... والقطار يسير على قضبان موضوعة بعناية ومحددة المسار، ولن تغيره... كتابات الأدباء، تلك التي فقدت بريقها وتأثيرها بفعل كل الظروف المحيطة، ولم يتبق منها غير أولئك الذين يضربون على وتر العنصرية والكراهية ومجاملة السلطة، ومحاباة أصحاب المصالح.ما الفائدة... ؟!إنهم- الكتاب والأدباء- يتبدلون في كل يوم مرات عدة، في ضمائرهم وقناعاتهم... حسب ما تمليه عليهم اللحظة الآنية، ومن ثم لا يجدون متسعا من الوقت كي يقولوا ما يريده الإنسان منهم، تتبدل جلودهم وأقلامهم وكلماتهم في ظل اندفاعهم الشره لتحقق مطالب شخصية.ما الفائدة من الكتب والورق... والمشاعر متبلدة لا تحركها آلام المعذبين والمشردين، في كل بقاع الأرض؟!، ما الفائدة حينما نجد أديبا أو كاتبا يدافع عن الدكتاتورية والتسلط والفساد.. طالما أنها لن تقربه، أو أن مصلحته مرتبطة بها، ويحارب العدالة والأمن والسلام، طالما أنها تتعارض مع مصالحه؟!ومع ذلك فليقرأ القارئون، وليكتب الكاتبون وليبدع المبدعون، ولينظّر المنظّرون، وليتفلسف المتفلسفون... غير أن الأحوال لن تتغير، ولن يجد الفقير لقمة العيش، والمضطهد مساحة أمان. والمشرد وطنا، والعاقل منطقا يقنعه بأن الأحوال في بلداننا العربية على ما يرام!