لطالما كانت قاطرة الاقتصاد هي التي تجرّ عربة السياسة، وانطلاقا من هذه القاعدة، دارت حرب ضروس في أروقة «أوبك» خلال اليومين الماضيين بين معسكرين، حاول أحدهما الضغط بكل قوة للتوصل إلى قرار بخفض الإنتاج، فيما تمكن الآخر من إبقاء الأمور على ما هي عليه.إذاً «أوبك» تتحدى من وجهة نظر العديد من الخبراء والمحللين النفط الصخري، فيما تحاول الولايات المتحدة الأميركية إسقاط الدب الروسي، وبين هذه وتلك معركة لا تقل ضراوة بين السعودية من جهة وإيران من جهة أخرى،ويرى هؤلاء أن إبقاء «اوبك» على سقف إنتاجها الحالي لم يكن رسالة للعالم بعدم اكتراثها بالأسعار، وإنما رسالة لأميركا بوقف نمو النفط الصخري، وهذه الأسعار ما دون الـ100 دولار، حدت كثيراً من الانتاج الاميركي الرهيب من تكساس ونورث ديكوتا وبنسلفانيا.في المقابل، توضح مصادر أن الانخفاض الحاد في اسعار النفط بنحو 40 دولاراً للبرميل ليس بفعل 1.5 مليون برميل زيادة في المعروض، وإنما النوعية من النفط الصخري الأميركي «الخفيف» والمقدرة بنحو 3 أو 4 ملايين برميل من هذه النوعية العالية المطلوبة، وبالتالي فان النوعية القادمة من النقط الصخري الأميركي هي الأكثر تأثيراً على الإسعار، إلى جانب المعروض طبعاً.وتشير المصادر إلى أن «أوبك» تعي تماماً عدم قدرتها على ضبط الاسعار بعدما تغيرت أصول السوق، واختلفت أدوار اللاعبين وظهر المارد الأميركي متحصناً بنفطه الصخري، بيد أن هذا النفط سيبقى رهن الطلب الأميركي متى أراد استخدامه وفي كل الأحوال هو السلاح المقبل، عندما تحين اللحظة المناسبة خصوصاً أن عمليات التطوير لإنتاجه في تقدم مستمر، وبالتالي خفض كلفة إنتاجه قادمة لا محالة.وتوضح المصادر انه حتى لو خفضت «أوبك» من نفطها الثقيل لن يغني ولا يثمن من أسعار في ظل الزيادة الكبيرة من النفط الصخري الأميركي الخفيف الذي وصلت الزيادة منه لنحو 3 أو 4 ملايين برميل يومياً وتهدد عرش النفط التقليدي وأسواقه وحتى لو تراجعت «أوبك» بإنتاجها مليون برميل، فلن يؤثر ذلك على الأسعار، ولكن ستفقد أوبك اسواقها وتشرب نفطها مستقبلاً.وأكدت المصادر ان عصر 100 دولار للبرميل قد ذهب لعام أو عام ونصف وستظل الأسعار ما بين 65 إلى 80 دولارا للبرميل، معتبرة أن اميركا تداعب روسيا وإيران بايدي غيرها وفي الطريق تحد من القدرات المالية لدول تعتقد أنه آن الآوان لتحجيمها ما لم تفرض سياستها عليها فالشرق الأوسط الجديد كما تريد أن تراه يتدشن خلف فوائضه المالية وانهاكها هو السبيل للسيطرة عليها وعودتها للهيمنة الأميركية.وترى المصادر أن الفائض الكبير من نوعية النفط الصخري، هو السبب الرئيسي، وليس الفائض من نفط «أوبك» الثقيل وقرارها بعدم خفض الانتاج وصمت الأميركيين، هو كمان يقول «أنا وأخوي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب»، فمن ناحية استمرار انخفاض الأسعار حد من طفرة إنتاج النفط الصخري الأميركي، ومن ناحية أخرى بدأت أثاره تظهر على الاقتصاد الروسي ومن جانب آخر يحافظ على الاسواق التقليدية لنفط «أوبك» على الرغم من تراجع فوائضها مرحلياً وهو ما يعتبر مرحلة تكسير عظام عالمية متشابكة.
اقتصاد - النفط
إذا فقدت «أوبك» أسواقها فـ «ستشرب» نفطها ... مستقبلاً
02:33 ص