... رؤيوي، رصين، اصلاحي، متوازن ومتزن، تلك هي الصفات التي تجعل من مفتي الجمهورية اللبنانية الجديد الشيخ عبد اللطيف دريان في مصاف رجالٍ يمكن ان يتركوا «بصمة خاصة» في الحياة العامة من بوابتيْ الدين والسياسة، على غرار سلَفه المفتي الراحل حسن خالد، الذي اغتيل لـ «دوره المؤثّر» بسيارة مفخخة في العام 1989.... وقور، هادئ، مثقّف، عقلاني وتحديثي، تلك هي أيضاً الانطباعات التي يمكن ان تخرج بها من «الجلسة» مع الشيخ دريان، الذي انتُخب بـ «توافُق إجماعي» مفتياً للجمهورية في العاشر من اغسطس الماضي بعد فترة عصيبة من الانقسام في دار الفتوى وحولها، وهو الامر الذي أفسح المجال أمام وصول هذه الشخصية التي بدأت تعيد لـ «الدار» دوره ومكانته.وعندما تستمع الى مفتي «التجديد» في المؤسسة الدينية وخطابها وأجهزتها، والى مفتي «المواطنية» في مقاربته القضايا السياسية والوطنية، تدرك انك امام نموذج لـ «رجل دين ودنيا» متصالحٍ مع العصر، يعرف تماماً ماذا يريد، يقرّ بحيوية الاختلاف ويصرّ على العيش الواحد، يملك «خريطة طريق» لأهداف، التنمية واحدة من ميادينها، والتطوير غايتها.في «زيارة تعارُف»، قصدت جمعية مراسلي الصحف العربية في بيروت المفتي في «بيت المسلمين»... كان سموحاً وودوداً وعميقاً في مقارباته لأزمة دار الفتوى ولواقع السنّة في لبنان وللعلاقة السنية - الشيعية وللعيش الواحد الاسلامي - المسيحي، وبدا كأنه «النقيض الموضوعي» لكل مظاهر التشدُّد وظواهر التطرف.في بهو دار الفتوى، التي استعادت مكانتها، كمرجعية اسلامية ووطنية، التقينا بالمفتي عبد اللطيف دريان، الذي أسهب في الحديث عن مشروعه الاصلاحي، التحديثي والتطويري، وعن خطط يعتزم العمل لإطلاقها من اجل انهاض الواقع الاجتماعي للمسلمين، لكن كلامه الأكثر دلالة كان حول «قضايا الساعة» في لبنان الذي يعاني شغوراً في الرئاسة الاولى ويعاند عوامل إيقاظ الفتنة السنية - الشيعية.بثقة وإصرار قال دريان «ان لا فتنة مذهبية او طائفية في لبنان ولن تكون، ومَن يحاول اثارة الفتنة وحياكة المؤامرات على لبنان فهو خاسر، ومَن يحضّر ويعمل لزرع الفتنة لن ينجح لان اللبنانيين وقياداتهم على وعي كامل لما يحاك لهم»، داعياً المسلمين بمذاهبهم المتعددة الى تعزيز الوحدة في ما بينهم عبر تعاوُنهم وتلاحُمهم لمواجهة الأخطار المحدقة بهم.وبميلٍ واضح الى خصال الديموقراطية وقيمها، قال المفتي:«ان الخلاف السياسي في لبنان مشروع ولكن ينبغي الا يتجاوز اطاره المتعارَف عليه في اللعبة الديموقراطية، واللبنانيون بحاجة الى بعضهم البعض، ودار الفتوى ابوابها مفتوحة للجميع لتحقيق المصلحة الاسلامية والوطنية وهي منفتحة على الجميع»، لافتاً الى انه«لا يوجد في لبنان مَن يريد مشروعاً خاصاً به، واللبنانيون يريدون نهوض مشروع الدولة القوية العادلة بجيشها ومؤسساتها الامنية التي لها الحق وحدها في بسط سيادتها على جميع الأراضي اللبنانية».وبدا المفتي جازماً في الاستنتاج«ان لا مكان للإرهاب في لبنان ولا بيئات حاضنة للتطرف والغلو فيه»، مشدداً على«ان العلاقات الاسلامية المسيحية في لبنان مصانة ولا يستطيع احد ان يخرقها في وحدتها لأنها محصنة بالمحبة والتفاهم واحترام الرأي الآخر اياً كان».واضاف:«من غير المسموح على ساحتنا الاسلامية اطلاق الخطابات المذهبية التحريضية التي قد تؤدي الى فتنة، وهذا يتطلب موقفاً واضحاً من جميع المعنيين في المذاهب الفقهية والمدارس الاسلامية»، وتابع:«الوحدة الاسلامية نريدها ممارسة لا عناوين وشعارات وذلك بنشر ثقافة الوعي والحكمة بين أبنائنا وأُسَرِنا ومجتمعاتنا لينعكس ذلك تعاوناً وتلاقياً ومحبة واحتراماً متبادلاً بين ابناء جميع المناطق».ولم يشأ المفتي دريان الا ان يبارك مبادرة الحوار التي أطلقها زعيم«تيار المستقبل»الرئيس سعد الحريري، عبر مدّ اليد الى«حزب الله»معرباً عن أمله في ان«يكون الحوار ناجحاً ومنتجاً وصادقاً، فما عبّر عنه الحريري هو منتهى الجدية والمسؤولية التي يتحلى بها كرجل دولة يحرص على أمن وطنه واستقراره، ونحن معه في الحوار واليد الممدودة ونؤيده وندعو له ولإخوانه المتحاورين معه بالتوفيق»، متمنياً«ان يكون حواراً جدياً ووطنياً جامعاً يستطيع لبنان من خلاله ايجاد الحلول للكثير من القضايا العالقة ومن أهمها وفي مقدمتها ضرورة انجاز الاستحقاق الرئاسي والتحضير للانتخابات النيابية المقبلة من خلال وضع قانون انتخاب عادل يتوافق مع آمال اللبنانيين وطموحاتهم في اختيار مَن يمثلونهم في السلطة التشريعية».وأضاف المفتي دريان:«علينا اليوم وفي ظل الظروف الصعبة التي يواجها لبنان والمنطقة ان نحافظ على استقلال لبنان وسيادته وحريته وعروبته كقوى سياسية ومراجع دينية تمثّل هذا الشعب اللبناني الطموح»، مذكراً بـ«ان ذكرى الاستقلال هذه السنة جاءت واللبنانيين جميعاً يشعرون بألم وغصة وعدم فرح في ظل شغور موقع رئاسة الجمهورية ويناشدون كل المعنيين ان يسارعوا لانتخاب رئيس للجمهورية في اسرع وقت»، موضحاً«ان قضية العسكريين المخطوفين يعالجها رئيس الحكومة تمام سلام والفريق الوزاري المعني بكل جدية وحكمة وإصرار لإعادة ابنائنا المخطوفين جميعاً سالمين الى ذويهم ومؤسساتهم».واعلن المفتي دريان عن«اقامة مؤتمر اسلامي - مسيحي في رحاب الأزهر الشريف في مصر اوائل الشهر المقبل من اجل توضيح المفاهيم والقيم التي دعا اليها الاسلام والاديان الاخرى التي أنزلها الله تعالى والتي هي في حقيقتها لا تتعارض وترفض التطرف والغلو والارهاب، اضافة الى تعزيز العلاقات في المساحات بين الأديان التي أنزلها الله لتكريم الإنسان ونشْر ثقافة الايمان والمحبة والسلام والتعاون والتعارف بين أتباع هذه الديانات».
خارجيات
تحدّث الى جمعية مراسلي الصحف العربية في بيروت
مفتي لبنان طمأن أن لا فتنة سنية - شيعية وبارك مبادرة الحريري للحوار مع «حزب الله»
09:48 م