أمُرّ بها فلا أرى الزينة القديمة والعوالم... التي كانت تتوالى من الفضاء الخارجي إلى أعماق البحار.سينما الكواكب... عرفتها أولا مع الأسرة. صحبنا الوالد? ?إليها. مبنى جديد على أطراف العمران بالدرّاسة. في ذلك الوقت كان الطريق متربًا يمر بمقابر المماليك قبل اتصاله بالعباسية. المبنى شُيّد ليكون سينما.هكذا معظم الدور التي عرفتها حتى السبعينيات، قبل أن تصبح جزءا من عمارة. لا أعرف أصحاب البناية، لكنه بدا مغايرا تماما لسينما «الفتح وأوليمبيا ورويال وإيديال ورمسيس»، أي كل ما عرفته بصحبة الوالد على حدود القاهرة القديمة وفي قلبها. الفتح في قلب الجمالية، لا تفتح إلا صيفا لا سقف لها.الكواكب تبدأ عروضها في التاسعة صباحا، تنتهي الثانية عشرة منتصف الليل. أربع حفلات يوميا. الأخيرة تنتهي عند منتصف الليل. مع المرحلة الإعدادية أصبح ممكنا الذهاب بمفردي في الحفلة النهارية أو المسائية، غير أنه من الناحية الواقعية كنت أمضي بصحبة إما أخي أو صاحبي «حسن» دائما.أنفرد خلال الأسابيع التي تعرض فيها المسلسلات «زورو، فيفا زاباتا».أما ما ترك عندي أثرا وأرسى أساس ما يشغلني حتى الآن فهو فلاش جوردون رجل الفضاء الخارجي وحروبه ضد الغزاة القادمين من كواكب أخرى.أرى ملامحه وملابسه الخاصة، كأنه يجلس أمامي. ليس وحده السبب. لابد أن نشأتي فوق السطح. تحت السماء مباشرة. وذلك التساؤل القديم عن الزمن. أين ذهب ما انقضى؟بالتأكيد أسباب متداخلة وربما أخرى لا تبين لي ولا أدركها بمحدودية وعيي. منذ البدايات لم أكف. لاتزال تساؤلاتي عينها لم يضف إليها جديد. الأجوبة مستحيلة. أعني النهائية ربما يصل البشر إليها يوما.لكنني لن أكون ماثلا من فوق سطح بيتنا في عطفة باجنيد درب الطبلاوي من الرحبة بين بيوت جهينة. من صالة سينما الكواكب شرعت قاصدا كل صوب، محاولا تلبية فضولي تقصي ما يجري. تتبع أخبار الأبحاث. هكذا تابعت سبوتنيك وجاجارين وفالنتينا والكلبة لايكا ورحلات أبولو والخطوة الأولى لنيل أرسترونج. عندي إيقاع صوته?.??«خطوة صغيرة لكنها كبيرة بالنسبة للبشرية?...»??.عندما عبر إلى الأبدية بعد مشيه فوق القمر وانقضاء ثلاثة وأربعين عاما. أمضيت ساعات في تعقب ما يختص بمراسم وداعه. ما من كتاب أتيح لي إلا وقرأته. ما من معرض في العواصم الكبرى إلا وقصدته. عندما طالعت الصور التي التقطها المنظار? «هابل?»? ?لأعماق الكون السحيقة رأيت تشابها مع صورة لنقطة دم تحت عدسة مجهر. نفس الحركة التي تبدأ من بؤرة الأحمر? الغالب.?قرأت بحثا عن شكل الكون. استعدت المرات التي طالعت فيها الأفق من نقاط مرتفعة. الدائري مهيمن غير أنه ليس دائريا بالضبط. أقرب إلى البيضاوي. الرحم المكنون الذي تتخلق فيه الحياة بيضاوي. غرف الدفن التي نصل إليها بعد معاناة عبر المزالق والممرات والدهاليز بيضاوية. لأسباب لا تتضح لي.أوقن أن المصريين القدماء أدركوا الأمر، لماذا شيدت جميع? ?غرف الدفن بيضاوية، كذلك التوابيت إلى حد ما بشكل ما أدركوا الحقائق المحيرة. انطوت الإجابات. معهم الكون بيضاوي. الكون كامن في ذرة لا تُرى إلا بصعوبة. أيهما الأصل، المحيط أم القطرة؟الكون فكرة.? ?غير أن دار سينما الكواكب لاتزال قائمة، لكنها أصبحت خرابة. المكان الذي حلقت منه إلى أطراف المجرة وشجيت لعيني ليلى وسجدت لشفتيها وصحت من داخلي?: ?فيفا زاباتا. قبل سنوات عديدة من اطلاعي على سيرته وإدراكي أنه ثوري وزعيم حركي وملهم. المكان الذي لمست داخله أول فرج? - ?ولهذا تفصيل أورده فيما بعد? - ?أصبح مهجورا خربا لا أعرف ماذا جرى؟ هل اختلف الورثة؟ هل توفي آخر الملاك. المبنى الذي ضج بالحياة لسنوات طويلة.واعتبر من معالم الحي أغلق بأبواب حديدية مشدودة إلى بعضها بالجنازير شيئا فشيئا تتراكم عليه الأتربة وتتكسر الألواح التي تسد النوافذ الخشبية والزجاجية. هذه المساحة من الصمت والخراب، محيرة تماما مثل مبني آخر أمت إليه ويتصل بي.أعني مدرسة عبدالرحمن كتخدا المغلقة منذ أربعين عاما وربما أكثر عرفت مثل هذه المباني ليس في الجمالية فقط إنما في مدن عديدة نزلتها وأقمت ببعضها مددا تتراوح من أيام إلى شهور لكن تلك المتعلقة بي يؤلمني زوالها ويوجعني مآلها.خاصة مازال منها مع استمراري ساعيا وباحثا عما مضى تماما دانيا إلى ما لن أدركه ولن أناله قط ومن ذلك هذا البيت الذي قام لعشرات السنين ولم يعد?..
محليات - ثقافة
أماكن / الكواكب... بالدّراسة (1)
10:28 م