بدا رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام حازماً وحاسماً في موقفه الصلب والصارم الداعم للمواجهة التي يخوضها الجيش اللبناني ضد الجماعات الإرهابية في طرابلس والشمال، و قال لـ «الراي» ان «معركتنا طويلة وغير سهلة مع الإرهاب»، معرباً عن اعتقاده أن «هذه المواجهة قد لا تكون الأخيرة، و ما من خيار أمامنا سوى إعلاء شأن الدولة والقانون وحماية المواطنين والدفاع عن استقرار البلاد في وجه المغامرات والفوضى». سلام، على غير عادته، لم يبكر في النزول امس الى الطبقة السفلية من «بيت المصيطبة» لاستقبال زواره، كما يفعل مع صبيحة كل يوم أحد...كان في «مكتبه المنزلي» الذي تحوّل على مدى الليل والنهار «خلية أزمة»، يتابع الوقائع المشتعلة في عاصمة الشمال وبعض مناطقه «فبعد العملية النوعية للجيش في عاصون (الضنية)، فوجئنا باعتداءات على الجيش في طرابلس، سرعان ما امتدت الى المنية في إطار مخطط لزرع الفوضى والشر وزعزعة الاستقرار». بثياب الرياضة، انضمّ رئيس الحكومة الى زواره بعدما اجرى سلسلة اتصالات مع قيادة الجيش والمرجعيات السياسية والروحية في طرابلس، وربما مع أطراف إقليمية، خصوصاً بعدما هددت «جبهة النصرة» بإعدام احد العسكريين اللبنانيين المخطوفين في عملية ضغط لمنع الجيش اللبناني من استكمال مهمته في ملاحقة المجموعات الإرهابية في بعض مناطق طرابلس وفي المنية.ورغم اللغة التي لا تحتمل التأويل، التي يستخدمها رئيس الحكومة في إظهار تغطية سياسية حاسمة للمواجهة التي يخوضها الجيش ضد الإرهابيين، فإن سلام الذي يتوجه اليوم الى برلين للمشاركة في مؤتمر دولي مخصص للبحث في مساعدة لبنان ودول الجوار السوري في احتواء أزمة النازحين، بدا غير مُطْمَئنّ لإدراكه ان حسم المعركة مع الإرهاب لا يعني نهاية الحرب في مواجهته.«الراي» سألت الرئيس سلام عما إذا كان يغادر الى برلين وهو مرتاح الى إمكان احتواء الموقف المتفجر في بعض مناطق الشمال، فأجاب: «الجيش يقوم بدوره وبدعم كامل من أجل القضاء على الإرهاب والإرهابيين، ونحن لن نتهاون على الإطلاق مع أي محاولة للإخلال بالأمن وتهديد حياة الناس وزعزعة الاستقرار، لكننا ندرك في الوقت عيْنه ان المواجهة الحالية مع الإرهابيين لن تكون الأخيرة».وأشار سلام الى ان «زيارتنا لبرلين هي لنحو 24 ساعة وللمشاركة في مؤتمر دولي حول النازحين السوريين الذين يتحمل لبنان اعباء كبيرة جراء استضافتهم»، لافتاً الى ان «من الطبيعي ان نشارك، وحضورنا في المؤتمر مسألة حيوية بالنسبة الى لبنان الذي يريد مؤازرة المجتمع الدولي لتمكينه من مواجهة الأعباء الهائلة الناجمة عن النزوح السوري».وعما اذا كان الخلل في الاداء الرسمي، الذي تحدث عنه أخيراً وزير الداخلية نهاد المشنوق يتسبب في توترات في مناطق ذات غالبية سنية رغم الموقف الحاسم للقيادتين السياسية والروحية الداعم للجيش في مواجهة الإرهاب، قال سلام: «المواجهة الدائرة هي بين الإرهاب من جهة والدولة والشرعية من جهة اخرى.ورغم بعض الحساسيات ذات الطابع الطائفي والمذهبي التي قد تدخل على الخط نتيجة واقع الحال في البلاد، فإن المواجهة بالنسبة الينا هي بين النظام والقانون والشرعية والأمن وبين الإرهابيين، وأي حساسيات أخرى يجب ألا تعوق هذه المواجهة التي هدفها حماية البلاد والناس.المسائل الأخرى تُعالج بطرق أخرى وبوسائل أخرى وعبر المرجعيات السياسية في البلاد».وفي رد على سؤال لأحد الزملاء الصحافيين، تحدث الرئيس سلام عن ان «الإرهابيين ينقلون المعركة من مكان الى آخر، فهي بدأت في الأسواق القديمة في طرابلس، ثم انتقلت الى المنية في عكار قبل ان ينفجر الوضع في باب التبانة»، كاشفاً ان «هؤلاء كانوا يخططون لما هو ادهى عبر ستهدافات مزعجة»، ولافتاً الى ان «الجيش وضع يده على ثلاث سيارات مفخخة وعطّل عملية ضخمة كان يراد منها تفجير مبنى جامعة الشرق في المنية بهدف إحداث أوضاع غير مريحة».وقال رئيس الحكومة: «هناك بعض الجماعات التي تدّعي جبهة النصرة دعمها وتعمل على تحريكها، وهي هددت بقتل احد العسكريين المخطوفين»، معلناً ان «هذا الامر تحدٍ للسلطة والدولة ولا يمكننا التعاطي معه الا بحزم، فما من خيار امامنا الا القضاء على الإرهاب في أي شكل من الاشكال لأننا نريد في النهاية الدفاع عن الوطن وحماية المواطنين الذين يريدون العيش بسلام واطمئنان، وتالياً لا يجوز التهاون أو التراخي مع أي جهة تشكل تهديداً للمواطنين أو للمدن مهما كانت تملك من أفكار وعقائد تدّعيها».ورأى سلام أن «الامر غير سهل، هناك تعقيدات وتراكمات»، منوهاً بموقف المرجعيات السياسية والروحية في طرابلس «اذ كان يقال ان للإرهابيين بيئة حاضنة ومحبّذين ومؤيدين، لكن تبين للجميع ان الامر غير ذلك تماماً، فها هي المرجعيات الروحية والسياسية في طرابلس والشمال تداعت واجتمعت واتخذت موقفاً واضحاً داعماً للجيش والدولة».وكانت الساعات الماضية شهدت تَقدُّم الجيش اللبناني بشكل واضح منذ مساء السبت في تطويق المسلحين ودفْعهم الى الانسحاب من مناطق الاشتباكات في الزاهرية والأسواق القديمة داخل طرابلس ما حملهم على إخلاء هذه المناطق والفرار باتجاه مناطق على الشاطئ، وهو ما كاد ان يعيد المدينة الى الهدوء صباح أمس.ولكن الوضع اشتعل فجأة في منطقة باب التبانة التي لم تكن شهدت معارك يوم السبت وبقيت خارج المواجهات التي دارت مع مجموعة القيادي في «داعش» احمد سليم ميقاتي الذي أوقفه الجيش في الضنية قبل ايام، وذلك بسبب إقدام مسلحين على خطف جندي واستهداف آلية عسكرية.حينذاك بدأ الجيش بالتعامل بقسوة مع المسلحين في التبانة ، ولا سيما التابعين للمطلوبيْن للقضاء شادي المولوي وأسامة منصور، وصولاً الى اعلان الجيش بعد ظهر أمس ان عناصر مسلحة اقدمت على خطف المعاون أول فايز العموري أثناء وجوده في منزله بوضع المأذونية في باب التبانة، بعدما كان خطف ليل اول من امس الجندي طنوس نعمة.وفي حين حرصت المؤسسة العسكرية التي سقط منها 6 شهداء بينهم ضابط على تفادي تعريض حياة المدنيين للخطر، سُجل مقتل الطفل علي محمود الشيخ ومدنييْن آخرين وذلك غداة سقوط مدنييْن وجرْح ما لا يقل عن 15 آخرين.ولاحقا كمن المسلحون لآليتين تابعتين للجيش في بحنين في المنية وامطروهما بنيران الاسلحة الرشاشة والصاروخية ما ادى الى مقتل 4 جنود.وفي المقابل نفذ الجيش عملية نوعية صباح امس في المنية (قرب طرابلس) أطبق فيها الحصار تماماً على الشيخ خالد حبلص الذي يبدو انه لعب الدور الاساسي في إشعال الاشتباكات مع الجيش بعد خطب نارية دعا فيها الى «ثورة سنية» والانشقاق عن المؤسسة العسكرية.وقد دخل الجيش الى مسجد هارون في المنية فيما بسط سيطرته الكاملة على المدينة وحاصر المربع الأمني لحبلص في بحنين، ليفرّ الاخير الى بساتين الليمون وتستمر ملاحقته ومجموعته في ضهور بحنين حيث كانت المعارك محتدمة عصر أمس.علماً ان المواجهات اتخذت طابعاً غير مألوف مع استخدام الجيش الزوارق البحرية في مراقبة تحركات المسلحين وتعقبهم ، وصولاً الى اطلاق صواريخ من طوافات عسكرية عند الطرف الشمالي للمنية في اتجاه منطقة تحصّن فيها مسلحون.