ساد أمس شعور فريد من نوعه في الشارع البريطاني بأن المملكة المتحدة توحدت من جديد، بل ولدت من جديد، عقب صدور نتيجة الاستفتاء الشعبي في إقليم اسكوتلندا على مشروع حصول الإقليم على استقلاله، حيث جاءت النتيجة لصالح رافضي الفكرة بنسبة 55 في المئة مقابل 45 في المئة للانفصاليين، حيث نال رافضو الانفصال غالبية في 28 دائرة انتخابية جرى فيها الاستفتاء، بينما نال الانفصاليون غالبية في أربع دوائر فقط.وسارع رئيس الوزراء ديفيد كاميرون في السابعة من صباح أمس إلى التعبير عن فرحته بالنتيجة وتقديم تصور للتغيرات التي تنوي الحكومة إجراءها إرضاء للاسكوتلنديين، فيما أصدرت لاحقاً ملكة بريطانيا الملكة اليزابيث الثانية التي حافظت على حيادها طوال المعركة من أجل استقلال اسكوتلندا، بياناً مكتوباً عبّرت فيه عن فرحتها بالنتيجة.لكن إلى جانب الشعور بالفرح، ظهرت في الأجواء بوادر مشاكل سياسية معقدة خلفتها الحملة الحامية لاستقلال اسكوتلندا، رغم فشلها، إذ اضطر كاميرون وحزب المحافظين، بموافقة الأحزاب الرئيسية الأخرى العمال والليبراليين الديموقراطيين، لتقديم تنازلات بعيدة المدى لإغراء الاسكوتلنديين على البقاء ضمن المملكة، فسارع رئيس بلدية لندن بوريس جونسون، الذي أعلن أخيراً نيته العودة إلى مجلس العموم ومنافسة كاميرون على زعامة حزب المحافظين، إلى مهاجمة كاميرون بسبب التنازلات التي قدّمها للاسكوتلنديين واتهمه بأنه «قام بفعل عشوائي وغير مسؤول»، فيما هاجم نايجل فراج، زعيم حزب المملكة المتحدة المستقل، كاميرون واتهمه بأنه «باع الإنكليز لكي يكسب الاسكوتلنديين»، وقال ان كاميرون قدّم تنازلات دستورية ومالية بعيدة المدى للاسكوتلنديين من دون الحصول على موافقة البرلمان.واستغل كاميرون فرصة الإعلان عن صدور نتيجة الاستفتاء لإعادة طرح فكرة التغيير الدستوري في المملكة المتحدة، في ضوء الوعد الذي قدّمه سابقاً بمنح المزيد من الصلاحيات للبرلمان المحلي في اسكوتلندا، خصوصاً في مجال الضرائب وتوزيعها، فوجه أمس دعوة إلى حزب العمال للموافقة على مشروع فصل التمثيل البرلماني للأقاليم الأربعة التي تتكون منها المملكة المتحدة، إنكلترا وأسكوتلندا وايرلندا الشمالية وويلز، عن بعضها البعض بأن ينتخب كل إقليم نوابه لوحده، من دون أن يكون لأي إقليم نواب في البرلمان المركزي في لندن، مثلما هو الحال اليوم، ما يعني أن حزب العمال البريطاني الذي يحتفظ بـ44 مقعداً في مجلس العموم في لندن عن إقليم اسكوتلندا سيفقد هذه المقاعد، ما سيحوله إلى حزب ضعيف في مجلس العموم ويمنعه من الوصول إلى السلطة مستقبلاً.يُشار إلى أن حزب العمال يحتل 258 مقعداً في المجلس حالياً، وفقدانه للمقاعد الاسكوتلندية سيوسع الفارق بينه وبين منافسه حزب المحافظين الذي يحتل 306 مقاعد حالياً في المجلس، واحدٌ منها فقط عن إقليم اسكوتلندا.ويواجه كاميرون في هذا الخصوص معارضة من جانب الليبراليين الديموقراطيين، حلفائه في الائتلاف الوزاري القائم حالياً ولديهم 56 مقعداً في مجلس العموم، حيث سيكون من الصعب تنازلهم عن مقاعدهم الاسكوتلندية في المجلس البالغ عددها 11 مقعداً.وفي كلمته المتلفزة إلى الأمة البريطانية قال كاميرون ان «الشعب الاسكوتلندي قال كلمته بوضوح. إنهم حافظوا على سلامة بلدنا المؤلف من أربعة شعوب، فأنا سعيد مثل الملايين غيري». وأضاف: «أما الآن فحان الوقت لمملكتنا المتحدة أن تجمع صفوفها وتمضي إلى الأمام. وستكون التسوية المتوازنة بيننا جزءاً حيوياً من ذلك، وتسوية عادلة لشعب اسكوتلندا، والمهم أيضاً أن تكون كذلك بالنسبة للجميع في إنكلترا وويلز وايرلندا الشمالية». وقال انه ينبغي في المستقبل أن يصوت كل شعب من الشعوب الأربعة التي تتشكل منها المملكة المتحدة لانتخاب مجلس النواب الخاص به.وكشف كاميرون أنه طلب من اللورد سميث كالفين العمل على تنفيذ عملية التنازل عن السلطات من البرلمان والحكومة المركزية في لندن لصالح البرلمان المحلي والحكومة المحلية في اسكوتلندا، وفقاً للوعد الذي قطعه على أنفسهم قادة الأحزاب الثلاثة أخيراً.وأوضح كاميرون أن توسيع صلاحيات البرلمان والحكومة المحليين في اسكوتلندا لن يتم قبل إجراء الانتخابات النيابية المقبلة في بريطانيا في مايو المقبل.واعترف الحزب القومي الاسكوتلندي وزعيمه أليكس سالموند، الوزير الأول في الحكومة المحلية، بهزيمة مشروع الاستقلال الذي رفع لواءه بحزم وإصرار على مدى السنوات الماضية خصوصاً، بعد فوز حزبه بغالبية المقاعد في البرلمان الاسكوتلندي المحلي وتبوئه منصب الوزير الأول في الحكومة المحلية العام 2011.وعمّ شعور بالمرارة في معسكر الانفصاليين ومؤيديهم، فيما خرجت أصوات في اسكوتلندا مشككة في النتيجة وقالت ان «الاسكوتلنديين سُلبوا النصر في الاستفتاء»، وبادرت مجموعة منهم إلى جمع تواقيع على عريضة سيتم تقديمها إلى البرلمان البريطاني تطالب بإعادة الاستفتاء من جديد وأن يتم فرز الأصوات تحت إشراف دولي نزيه.