هل يدفع لبنان ثمن «الارهاب» وثمن مواجهته؟... انه السؤال الذي شقّ طريقه من خلف الاهتمامات اليومية بالملفات الساخنة في بيروت مع اعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما «خريطة الطريق» لتحجيم «الدولة الاسلامية» وتدميرها في العراق، وفي سورية ايضاً.وبدت بيروت للوهلة الاولى مرتابة من هذا الفصل الجديد في الصراع في المنطقة وعليها، وخصوصاً في ضوء مفارقة جوهرية انطوت عليها خطة أوباما، وتتجلى في فائض الدعم الأميركي للحكومة العراقية في حربها على «داعش»، وفي الاعلان عن دعم المعارضة السورية المعتدلة كشريك في الحرب على «داعش» في سورية. ومردّ «القلق الاستباقي» في بيروت من الاستراتيجية الأميركية الجديدة في المنطقة، يعود الى أمرين:الاول: امكان تحول التحالف الدولي الاقليمي ضد الارهاب محوراً جديداً نتيجة عدم انضمام روسيا والصين وايران و«حلفائهم» إليه.الثاني: التحالف الأميركي الضمني مع ايران في العراق يقابله تحالف أميركي معلن مع خصوم ايران في سورية، وضد «داعش» والأسد على سواء.ورغم ان لبنان سارع الى ايفاد وزير خارجيته جبران باسيل للمشاركة في «لقاء جدة» الدولي - الاقليمي لمناقشة سبل مواجهة الارهاب، فان الأجواء التي تحوط بهذا التطور الجديد تشي بحذر لبناني عكسته المداولات التي رافقت قرار المشاركة في «لقاء جدة»، وملامح «نقزة» عبّر عنها «حزب الله» في مواقف لمسؤوليه. وثمة مَن يعتقد في بيروت ان «حزب الله» سيجد نفسه امام معادلة صعبة، فهو في العراق يشارك في تدريب مقاتلين عراقيين يخوضون معركتهم ضد «الدولة الاسلامية» تحت غطاء جوي أميركي، ويشارك في سورية في القتال ضد المعارضة السورية التي ستحظى بغطاء جوي أميركي وبدعم لوجستي ايضاً.ومن غير المستبعد ان يجد لبنان نفسه امام مأزق من النوع المتفجّر نتيجة التحول المنتظر في سورية، فهو صاحب مصلحة في الانضمام الى التحالف الدولي - الاقليمي ضد الارهاب من جهة ومرشّح لدفْع اثمان اي ضغوط جدية لإضعاف الاسد وإسقاطه من جهة اخرى، خصوصاً مع خفوت صوت التفاهم الايراني - السعودي. وعبّرت شخصية ديبلوماسية مخضرمة في بيروت عن حراجة الموقف حين سألت عن اي حال ستحلّ في لبنان مع الخطة الأميركية القاضية بالتحالف مع «الشيعة» في العراق ومع «السنّة» في سورية، وهو السؤال الذي من المرجح ان يطغى على ما عداه في المرحلة المقبلة.وكان لافتاً ان الحكومة اللبنانية حاولت التقليل من وطأة «المأزق الجديد»، فوزير الاعلام رمزي جريج نفى وجود اي تباين داخل الحكومة حيال المشاركة في لقاء جدة، والتي تمت بناء على دعوة رسمية من المملكة العربية السعودية، معتبراً ان استبعاد ايران والنظام السوري جاء بقرار من منظمي المؤتمر، وتالياً لا علاقة للبنان بهذا الامر.وسعى باسيل، وهو في طريقه الى جدة، الى تبرير هذه المشاركة عبر «أسباب موجبة»، مشيراً الى ان لبنان يجب ألا يغيب عن اي اطار اقليمي او دولي هدفه التصدي للارهاب، لافتاً الى ان لبنان لا يدفع اي ثمن مقابل حضوره بل هو امام فرصة لاستقطاب المزيد من الدعم الاقليمي والدولي في صراعه مع الارهاب.غير ان باسيل، الذي يستشعر وطأة المرحلة الجديدة، لا سيما في سورية، رأى ان المجتمع الدولي يرتكب خطأً كبيراً بعزْل اي طرف عن الحرب على الارهاب، في اشارة الى ايران ونظام الاسد، داعياً الى تشكيل جبهة لمكافحة الارهاب برعاية الامم المتحدة.غير ان الموقف الاكثر اثارة للانتباه كان ما اعلنه نائب الامين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم في مقاربته للموقف الأميركي، حين أشار في تصريح لصحيفة «السفير» الى إن «الحراك الدولي الذي ترعاه أميركا ليس جدياً في إنهاء الخطر التكفيري، وكلام باراك أوباما واضح، فالاحتواء الذي تحدّث عنه معناه تحديد المخاطر، وتعطيل بعض الأهداف، ولكن مع الإبقاء على الدور الوظيفي لهذا التنظيم الارهابي باستخدامه في إخافة دول معينة في هذه المنطقة، وإبقاء هذا الخطر كفزاعة في الاماكن المناسبة لتحصيل مكتسبات سياسية، لاسيما في العراق وسورية».