هذا فيلم شاهدته رغم أنفي. وليس بإرادتي ولا قراري. فالذهاب إلى دور العرض أصبح عادة أحرص عليها لمشاهدة الأفلام السينمائية الجديدة. أحاول متابعة من يذهبون للسينما. ورسم خريطة اجتماعية وفكرية لهم من مجرد ملامحهم. لإيماني القاطع أن من يذهب إلى السينما لمشاهدة فيلم سينمائي قد لا يعرف التطرف طريقه إلى قلبه ولا وجدانه ولا ضميره.عندما وصلت لدار السينما التي توجد فيها أكثر من عشر قاعات. كانت كلها مشغولة بما يسمى بأفلام العيد. وبدأت الاختيار منصاعًا لرغبة حفيدتي أمينة وابنتي رباب. وقد قررتا أن نشاهد فيلم ياسمين عبدالعزيز الجديد: «جوازة ميري».الفيلم من إخراج وائل إحسان. وكتب له السيناريو والحوار خالد جلال. والمعروف أن المخرج والكاتب سبق لهما أن تعاونا مع نفس الشركة المنتجة سنة 2012 في فيلم: «الآنسة ماما». وكان من بطولة ياسمين عبدالعزيز. وكان فيلما فاشلا بكل المقاييس. فلماذا يعود المنتج أحمد السبكي لنفس الثلاثي: «وائل إحسان مخرجًا. وخالد جلال كاتبًا. وياسمين عبدالعزيز بطلة»؟ لكي يقدموا له فيلما جديدا بعد عامين من فشل الفيلم الأول.يبدو أنها اعتبارات شباك التذاكر والرهان على جهل المشاهدين - وأنا حزين عندما أكتب هذا - ولكنه الواقع. ولكنها الحقيقة.هذا مع العلم أن وائل إحسان من مخرجي السينما الممتازين. شاهدت له أكثر من فيلم. وسمعت عنه من الزملاء الصحافيين والكتاب الذين التقوا به وتحدثوا معه وتحسسوا فهمه للسينما.قالوا إنه من الممكن أن يكون مخرجا جيدا. ولكن يبدو أن الجودة قد تعني بالنسبة له البقاء في البيت وعدم العمل. فهل يبقى في البيت؟ أم يقدم بعض التنازلات هنا وهناك؟ ومن المعروف أن طريق التنازلات يمكن أن تعرف بدايته. لكنك لا يمكن أن تصل إلى نهايته. هذا إن كان لطريق التنازلات نهاية من الأصل والأساس.ياسمين عبدالعزيز منذ فيلمها الأول حتى فيلمها الأخير، تبدو عاجزة عن تطوير الأداء والفنون التمثيلية لديها. فهي تمثل بعينيها ويديها وحركاتها أكثر من الأداء الداخلي الذي يعبر عن نفسه، حتى دون أن يدري الفنان أنه يمثل. إنها واحدة من جيل الممثلات الجديدات اللاتي دخلن الميدان اعتمادا على الفهلوة وخفة الحركة أكثر من الثقافة والإدراك ومحاولة الفهم. هذا الجيل أشك أنهم يقرأون حتى السيناريو الذي يمثلونه قبل الوصول إلى الاستوديو.«جوازة ميري» كان اسمه الأول: «مطلوب عريس». وجرى تغييره لأنه توجد رواية عنوانها: «عايزة أتجوز» للروائية غادة عبدالعال، وكانت الرواية قد بدأت كتدوين على النت. مستخدمة العامية المصرية، ثم طبعت في كتاب، لم يلفت الأنظار إليه رغم نجاحه عندما نشر على النت، ثم تحولت إلى مسلسل تليفزيوني، لهذا السبب جرى تغيير عنوان الفيلم ليصبح: «جوازة ميري»، لأن البطلين اللذين تحاول البطلة الزواج من أيهما يعملان ضابطين في جهاز سيادي حساس.الفيلم مثل غيره منقول بالحرف من الفيلم الأميركي: «إنها الحرب إذن». من إنتاج سنة 2012، مع أنهم عندما يسرقون فيلما كانوا يتعمدون سرقة أفلام قديمة كنوع من الرهان على أن الناس تنسى. أما هذه المرة فقد سرقوا فيلما عمره عامان فقط. الفيلم المسروق إخراج: ماك جي. وبطولة: ريزو يرسيون. وقد سُرِق بالحرف الواحد. ولم يحاول صنَّاع الفيلم المصري تمصير عملهم. وأيضا لم يشيروا إلى أن فيلمهم مقتبس عن فيلم أميركي.ومن يسرقون يسرقون على طول الخط. فالفيلم مأخوذ أيضا من الفيلم المصري: «دقة قلب». إنتاج سنة 1967 من تأليف: فاروق صبري. وإخراج: محمد عبدالعزيز. وكان من بطولة: محمود ياسين وسمير صبري، حيث يقعان معًا في حب ميرفت أمين. وقد استغربت عندما عرفت أن مصر في سنة 1967 كانت تنتج فيلما عنوانه: «دقة قلب». فنحن نعرف ما جرى في 1967 بل نحفظه، لأن الجرح لايزال طازجا، ولكن يبدو أن الفيلم جرى تنفيذه قبل 1967 بعامٍ أو عامين على الأقل.في فيلمنا هذا «ميري» ياسمين عبدالعزيز تفاجأ بأن حبيب قلبها: رامي «خالد سليم» هجرها إلى فتاة غيرها سيرتبط بها، فتقرر فورا الانتقام منه بضرورة أن تعقد قرانها قبل زواجه بيوم واحد. وفي مناخ الضرورة هذا تبدأ رحلة البحث عن العريس. أي تنزل من بيتها إلى الشارع وهي تصيح: عايزة عريس.وفضلا عن مجافاة هذا لما يجرى في الواقع. وأن الانتقام يمكن أن يكون بشكل آخر، فإن ميري تتعرف على سيف «حسن الرداد» وبعده مباشرة تتعرف على آدم «كريم محمود عبدالعزيز» وتنسج مع كلٍّ منهما على حدة قصة حب تقليدية يمكن أن تنتهي بالزواج التقليدي. طبعًا كريم محمود عبدالعزيز هو نجل الفنان محمود عبدالعزيز. والابن يقلد الأب في الأداء. رغم ضخامة محمود عبدالعزيز وضآلة كريم. وظاهرة أبناء الممثلين تستحق التوقف أمامها. بعيدا عن الأحكام العامة. سألت نفسي: ألا يعد هذا توريثا فنيّا؟ وكيف نقبله بعد أن رفضنا التوريث السياسي؟لكنها لا تعرف أنهما يعملان معًا في جهاز أمني حساس. بل إنهما يجلسان في مكتب واحد، وتربطهما صداقة وزمالة عمل وعِشرة يومية. ولأنها لا تعرف كيف تفاضل بينهما تقرر في لحظة يأس كبيرة الزواج منهما معًا. ولكن خوفا من هذه النهاية التي يمكن أن تخالف الشرع وتثير متاعب لصناع الفيلم قد تؤدي لمصادرته وعدم عرضه.فنحن أمام سلسلة لا نهاية لها من المواقف المفترض أنها كوميدية. ولا علاقة لها بالكوميديا. وإن كنت قد سمعت ضحكات كثيرة في الصالة خلال عرض الفيلم. واستغربت على ماذا يضحكون؟ فكان لا بد من البحث عن نهاية أخرى حتى ولو كانت مفتعلة.نصل إلى الفرح. ميري تلبس فستان الفرح. وسيف وآدم كل منهما يلبس بذلة الزواج السوداء. ويحتار المشاهد من الذي ستتزوجه؟ أم أنها قد تتزوج من الرجلين كما قررت في أحد المشاهد. يأخذ يدها آدم ويمشي معها خطوات. فيقول المشاهدون لأنفسهم إنها اختارت آدم. لكن يأتي من خارج الكادر سيف فيسلمه آدم العروس وكأنها شيء أو سلعة ممكن لهذا أن يسلمها لذاك دون إرادة منها.تذهب ميري مع سيف إلى الكوشة معلنة بدء رحلة الزواج في حين أن آدم يبدأ الرقص مع المدعوين ولا يدري الممثل في هذا المشهد وهو كريم محمود عبدالعزيز هل يبدو سعيدا أم حزينا أم نادما؟ فيحاول أن يقدم هذه المشاعر كلها في مشهد لا معنى له. وهكذا ينطبق المثَل الشعبي الذي يقول: «العروسة للعريس... والجري للمتاعيس».
محليات - ثقافة
مشاهد / جوازة ميري
09:16 ص