اتخذت الجلسة الحادية عشرة لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد في لبنان والتي عقدت ظهر امس بعداً جديداً يتيماً ميّزها عن الجلسات العشر السابقة وتمثل في اعلان قوى 14 آذار مبادرة تهدف الى إحداث ثغرة في جدار الانسداد الطويل لأزمة الفراغ الرئاسي.وإذ تكرر المشهد الشكلي للجلسة التي لم تعقد بسبب فقدان النصاب القانوني بفعل مقاطعة نواب تكتل العماد ميشال عون و«حزب الله»، أعلنت قوى «14 آذار» مبادرتها الآيلة الى التوافق بين سائر الأفرقاء السياسيين على مرشح تسوية للرئاسة بما يعني تعليق هذه القوى ترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في إطار رمي الكرة في ملعب 8 آذار والسعي الى التوافق على مرشح يحظى بقبول الطرفين وإلا العودة الى ترشيح جعجع.وتُعتبر هذه المبادرة، المحاولة الاولى وسط التحديات الأمنية الشديدة الخطورة التي يواجهها لبنان لإحداث ثغرة سياسية يمكن ان تؤسس في حال انتخاب رئيس جديد لمنع انزلاق لبنان الى نادي الدول الملتهبة في المنطقة.ولاحظت مصادر متابعة عبر «الراي» ان مبادرة 14 آذار جاءت عقب مواقف بارزة سبق لرئيس مجلس النواب نبيه بري ان أطلقها مساء الاحد وشدد فيها على أولوية انتخاب رئيس الجمهورية كمدخل اساسي لتحصين لبنان في مواجهة خطر الارهاب التكفيري.ولعلّ كرة المبادرة التي أعلنتها «14 آذار» امس رميت تحديداً في مرمى كل من العماد ميشال عون و«حزب الله» مباشرة، لان على رد فعل كل منهما سيتبيّن ما اذا كانت حظوظ المبادرة ستكون أفضل من محاولات عدة سابقة حصلت لإقناع عون بالتراجع عن ترشحه لمصلحة مرشح توافقي وفشلت جميعها. ومع ان ثمة آمالا واهية جداً في شأن تلقف قوى 8 آذار مبادرة خصومها إيجاباً، فان ثمة معطيات متزايدة اخيراً على تنشيط الجهود والسعي نحو تحريك الاستحقاق الرئاسي اللبناني في ظل تصاعد المخاوف من تداعيات تُطاوِل الاستقرار الداخلي وعلى الحدود مع سورية والمناطق المتاخمة لها.وعلمت «الراي» ان مبادرة 14 آذار كان تم التفاهم في شأنها في اجتماع ضمّ الرئيس فؤاد السنيورة وجعجع ومدير مكتب رئيس الحكومة السابق سعد الحريري نادر الحريري، غير انها اصطدمت بموقف الرئيس امين الجميل الذي رأى انه لابد من تبني ترشيحه للرئاسة من «14 آذار» في حال أخفقت المبادرة في التوصل الى مرشح تسوية مع الطرف الاخر، من دون العودة الى التمسك بترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية».واستدعى موقف الجميل، بحسب ما علمت «الراي» تعليق القرار في شأن مبادرة «14 آذار» الى حين العمل على اقتناع الجميل بعدم جدوى الانتقال من مرشح الى مرشح من «14 آذار»، خصوصاً ان من شأن ذلك إضعاف الورقة التفاوضية لهذا التحالف مع قوى «8 آذار» اضافة الى ان ترشيح الجميل لن يضيف اي معطيات على تلك التي كوّنها ترشّح جعجع.اما في الاسباب الموجبة لهذه المبادرة، فعلمت «الراي» ان مسعى «آذار» لكسْر المأزق الرئاسي مردّه الى شعورها بأن الدينامية السياسية التي أطلقتها من خلال ترشيح جعجع واعلان برنامجه الرئاسي ومواظبة نوابها على حضور جلسات البرلمان بلغت طريقاً مسدوداً بفعل قدرة تحالف «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» على تعطيل انتخاب الرئيس، ما أكسب هذا الفريق تفوقاً سلبياً لا بد من العمل على تبديده.وعقد السنيورة في مقر البرلمان مؤتمراً صحافياً شارك فيه نائب رئيس حزب «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان، والوزير بطرس حرب، والنائب عن «الكتائب» ايلي ماروني، والنائب مروان حمادة مطلقاً مبادرة 14 آذار «لانقاذ الجمهورية والحفاظ على الدستور وانتخاب الرئيس الجديد».وحدد «حيثيات» المبادرة بأنها تأتي «ازاء الازمة الحادة الناتجة من تعطيل الاستحقاق والتي تترافق مع المزيد من الحرائق والفتن في المنطقة التي تتفاقم من خلال جرائم التهجير والقتل والتنكيل والارهاب، ولتعزيز موقع الرئاسة رمز العيش المشترك في لبنان والمنطقة، ولتأكيد اولوية انجاز الاستحقاق الرئاسي على اي امر آخر».وانطلاقاً من ذلك اكد «احترام المواعيد الدستورية وتداول السلطات والتمسك بترشيح الدكتور سمير جعجع لرئاسة الجمهورية»، و«الاستعداد التام للتشاور مع كل الاطراف حول اسم يتوافق حوله اللبنانيون ويلتزم الثوابت الوطنية كما اكد الدكتور جعجع في يونيو الماضي»، موضحاً ان 14 آذار «ستقوم بالاتصالات اللازمة مع كل القوى السياسية للسعي الى التوافق على تسوية وطنية انطلاقاً والتزاماً باتفاق الطائف وتأسيساً عليه بدءاً بانتخاب رئيس فوراً»، مشدداً على «البقاء على الموقف الحالي (ترشيح جعجع) في حال فشل مساعي هذه التسوية».ووضع جعجع في كلمة له من مقره في معراب المبادرة في سياق موقفه الثابت «اذ أكدت منذ اللحظة الاولى انني لست مرشح انا او لا احد»، موضحاً انه «في المبادرة نتجه خطوة الى الأمام وسنتواصل من خلالها مع جميع الفرقاء السياسيين لانتخاب رئيس».ويُنتظر ان تشكل هذه المبادرة نقطة ارتكاز في اللقاء المرتقب بين النائب وليد جنبلاط وجعجع في إطار جولات الزعيم الدرزي على القادة السياسيين (ستشمل الجميل ايضاً)، كما ستكون العنوان الابرز الفاصل عن الموعد الجديد لجلسة الانتخاب التي حددها الرئيس نبيه بري في 23 سبتمبر الجاري، وسط رمزية استثنائية يكتسبها هذا التاريخ الذي جرى فيه انتخاب 4 رؤساء جمهورية منذ الاستقلال اضافة الى خامس (الياس سركيس) انتُخب في مايو 1976 ولكن ولايته بدأت في 23 سبتمبر من العام نفسه تاريخ انتهاء ولاية سلفه سليمان فرنجية.