قد تشهد الساعات المقبلة تذليل آخر العقد في مشروع قانون الـ «بي أو تي» الجديد، بحل وسط اقترحته الحكومة لمسألة تجديد العقود القائمة أو تمديدها، بضوابط وشروط، إذا كانت نصوص تلك العقود تتيح ذلك.وتعد هذه العقدة العقبة الأخيرة، لكن الكبيرة، التي برزت بعد إقرار مشروع القانون بالمداولة الأولى في مجلس الأمة في 11 الجاري. وإذا ما تم تذليلها، فإن قانوناً جديداً سيبصر النور هذا الأسبوع ليوفّر تغييراً جذرياً في النظام القانوني الذي يحكم مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص.وأدخل مشروع القانون إصلاحات جذرية على نظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص، لكن مع هذه الإصلاحات برزت عقدة المادة السابعة، المتعلقة بتجديد العقود السابقة على إقرار القانون أو تمديدها. ومن المنتظر أن تعقد لجنة الشؤون المالية والاقتصادية البرلمانية اليوم اجتماعاً مع الحكومة والنواب لاتفاق على الصيغة النهائية لهذه المادة، بعد أن استغرق النقاش فيها الكثير من الأخذ والرد.وتنص المادة السابعة بالصيغة التي أقرت في المداولة الأولى على أن يستمر تنفيذ العقود السابقة «وفقا لنظام الشراكة الذي تخضع له قبل العمل بالقانون الجديد»، إلى حين انتهاء مدتها المنصوص عليها في العقد. لكنها منعت تجديد العقود القديمة لأكثر من سنة «كفترة انتقالية لمدّة واحدة»، على أن يعاد طرح تلك المشاريع وفقاً للقانون الجديد.وأثارت هذه الصيغة اعتراضات كبيرة من المستثمرين وأصحاب المشاريع، لأنها تعني عملياً إخراجهم من مشاريعهم وضياع استثماراتهم فيها.بعد ذلك، عادت اللجنة المالية وناقشت اقتراحاً قدّمه النائب يوسف الزلزلة يتيح «تمديد العقود أو التراخيص المنتهية وفقاً لنصوصها لمدة لا تتجاوز في إجماليها سابقاً ولاحقاً المدة المحددة في هذا القانون». إلا أن هذه الصيغة لم تكن محل توافق. وأدى هذا النقاش إلى إرجاء المداولة الثانية للقانون، من موعدها في 24 الجاري إلى الأسبوع الجاري للتوصل غلى صيغة توافقية.ويبدو أن التعديل المقترح من الحكومة يوفّر حلاً وسطاً مقبولاً في أوساط اللجنة المالية، إذ ينص على أنه «في حالة النص في العقود والتراخيص المشار اليها بالفقرة السابقة على التجديد او التمديد يجوز التجديد او التمديد وفقا للضوابط والشروط التي تضعها اللائحة التنفيذية لتجديد او تمديد تلك العقود بما يتناسب مع نصوصها وجدواها الاقتصادية وبشرط ألا يتجاوز مدة الاستثمار بعد التجديد او التمديد للمدد المنصوص عليها في القانون».فهذه الصيغة، بحسب المصادر النيابية، تتيح التجديد والتمديد، لكن ليس من دون ضوابط وشروط، وليس وفقاً للقانون السابق، بل وفق العقود نفسها. وهذا ما يجنّب الدولة منازعات قضائية لا تنتهي في حال برز التناقض بين القانون الجديد والعقود القديمة.لكن هل يُرضي الصيغة الجديدة القطاع الخاص والمستثمرين؟بعض المعنيين من القطاع الخاص اعربوا في دردشات مع «الراي» عن خشيتهم من مبدأ عدم تجديد العقود. ومن الأمثلة على ذلك وفق ما ذكره أحد المتحدثين، المدارس الخاصة وفروع البنوك في الجمعيات التعاونية حيث اتضح أنه لا يمكن التجديد لها طبقا للقانون الحالي إلا من خلال مزايدة عامة، ما يترتب عليه الضرر بعمل تلك الجهات، مشيرا الى أن القانون 7/2008 اعاق عمل جميع المشاريع القديمة لصعوبة التجديد لها والغاء أي خطط التطوير المستقبلية فيها،رئيس مجلس الادارة في شركة محلية كبرى يحذر من أن هناك وزيرا في الحكومة ونائبا في مجلس الامة لهما رأي أخر يتمثل في عدم تجديد العقود القديمة ولو تم الاخذ به سيضع عراقيل عديدة امام تنفيذ القانون الجديد.مسؤول آخر قال لـ»الراي» إن هناك 196 مستثمرا وفقا للنظام السابق يراقبون ما يمكن ان تسفر عليه جلسة الغد الاثنين من اعتماد للصيغة النهائية للقانون ليقرروا ما اذا كان عليهم الخروج من الاطار التوجيهي العام ليتحدثوا بوضوح ومباشرة عن الخطر المقبل عليهم في حال اقرار القانون الجديد دون مراعاة ان يكون التجديد للعقود القديمة وفقا للقانون الذي اقرت في ظله.وأفاد مستثمرون لـ «الراي» ان العقود المبرمة وفقا للقانون السابق لم تحدد حدا اقصى لمشاريعها، ما يجعل وضع حد اقصى لها يحمل مخالفة قانونية وشبهة دستورية من شأنها تعريض المال العام إلى أزمة دعاوى تعويضات من جميع مستثمري الـ «بي او تي»، مشيرة إلى ان على الحكومة في هذه الحالة ان تراعي ان خسائر التعويضات التي يمكن ان تتحملها الدولة في هذه الحالة لا ترتبط بقيم هذه المشاريع الاسمية وحجم عقودها فقط بل تتضمن التكلفة والصيانة والحقوق الاستثمارية وحجم الدخل المتوقع، ما يعني بلغة الأرقام انه في حال حصول اصحاب هذه المشاريع على احكام سيسحبون من الجيب العام تعويضات ذات خانات مليارية.واذا كان راي اللجنة المالية بخصوص اختصار المدة المسموحة بها التجديد لمستثمري الـ «بي أو تي» من مدة غير محدودة الى 50 عاما بحد اقصى من ضمنها فترة العقد المنجزة، لا يلبي طموح المستثمرين الا انه يعتبرونه حلا وسطا لطرفي المعادلة «الدولة والمستثمرين» للخروج من ازمة غير مبررة.وشدد المستثمرون على أهمية ان تتمتع مشاريع الـ «بي أو تي» بحوافز تتناسب مع طبيعة المبادرة والحاجة الحقيقية لفترة الاستثمار، وتفهم ان الحسابات الاستثمارية ليست ارقاما تجمع وتطرح، فاشياء كثيرة في اسم مشاريع الـ «بي او تي» تميزها» البناء والتشغيل والتحويل» ولذا يتعين ان تتسع النظرة السياسية إلى هذه المشاريع عناصر المبادرة والتطوير، والاقدام، لان عدم معاملة مشاريع الـ «بي أو تي» وفقا للنظام الذي اقرت في ظله يجعل مستثمريها يفكرون اكثر في تخفيض كلفة تشغيل المشروع، من خلال استخدام موارد رديئة منخفضة الجودة، إضافة إلى ما يتعلق من تراجع اعمال الصيانة، من اجل ان يتمكنوا من تحقيق اكبر عائد خلال مدة العقد المتبقية ما يخالف الهدف الرئيس من هذه المشاريع.

إصلاحات جذرية

يرى كثيرون في القانون الجديد إصلاحاً تشريعياً أساسياً لإطلاق يد القطاع الخاص، بعد فترة الشلل التام التي أعقبت إقرار القانون السابق المتشدد في العام 2008. ولعل أبرز الإصلاحات فيه أنه سيحل مشكلة قيمة الأرض السوقية، التي تدخل وفق القانون الحالي ضمن تقييم المشروع في أي شركة مساهمة تنفذ مشروع شراكة بين القطاعين العام والخاص، ما يضعف العائد الداخلي على الاستثمار (IRR)، ويصعب الحصول على التمويل. أما القانون الجديد، فيخرج الأرض المملوكة للدولة من تقييم المشروع، ويجعل حق الانتفاع تكلفة أشبه بالإيجار، ما يعطي صورة أصدق عن حجم استثمار الشركة الخاصة.ومن الإصلاحات الأخرى البارزة أنه يمد الحد الأقصى للمدة الزمنية للمشروع إلى 50 سنة، وفقاً لجدوى المشروع وتكلفته وطبيعته، وتعزيز الشفافية في العقود من خلال تحديد مدة المشروع والمزايا الممنوحة للمستثمر في بداية المشروع، ومنع تعديلها بعد طرحه.ويلقى مد المهلة إلى سقف الخمسين عاماً ترحيباً من القطاع الخاص، لأنه يتيح إقامة استثمارات أكبر وتحقيق الجدوى منها، ولو أن هذه المهلة تبقى أقل مما هو معمول به في دول مجاورة تعطي المستثمرين حتى 99 عاماً.