تنطفئ منتصف هذه الليلة أنوار القصر الرئاسي اللبناني وتحلّ فيه «عتمة الفراغ» مع وداع رئيس الجمهورية، الذي صار بحكم «السابق»، ميشال سليمان، وعدم استقبال خلَفه «المحتجز» في لعبة من «التوازن السلبي» بين طرفيْ الصراع، حالت دون انتخاب رئيس جديد، وجعلت «الكرسي المسيحي الاول» في «جمهورية» المناصفة الاسلامية - المسيحية، في مهبّ متغيرات عميقة في الأدوار والديموغرافيا ووهج الخارج القريب والبعيد.وتنطفئ منتصف هذه الليلة «نافورة الماء» في باحة قصر بعبدا وتحتجب مع غياب الرئيس، اي رئيس، وربما ينكّس العلم فوق سارية «القصر المهجور» الذي سيضج بصمت يشبه سكون مراسم الحداد في اليوم الذي كان يفترض ان يكون مخصصاً لمراسم الاحتفال بـ «ضيف» لم يأت، ومن المرجح ان يطول انتظار «الافراج» عنه... فالمسألة تتصل بمَن يصرخ اولاً في عملية «عض الاصابع» على البارد او على الساخن.لم يتقن المسيحيون فن إدارة اللعبة والتعويض عن تراجع حضورهم، في لحظة الصعود السني - الشيعي المتفاوت، بدورٍ يتجاوز مشاريعهم الخاصة ويرتقي الى مستوى «الرافعة» التي تحمي التوازنات الوطنية، وجعلوا من فرصة رمي الآخرين لـ «الكرة الرئاسية» في ملعبهم (المسيحيين) «هدية مسمومة»، اولى ضحاياها الرئيس الذي لم يُنتخب وذهاب الموقع المسيحي رقم واحد الى «فراغ» قد يكون مديداً. و«الفراغ» الزاحف الى الرئاسة، ليس الاول في الجمهورية التي لم تستقر يوماً. فهو الرابع والآتي بعد تجربتين مريرتين واحدة في العام 1988 استدرج فيها الفراغ حرباً مزدوجة خاضها قائد الجيش آنذاك العماد ميشال عون ودفع نتيجتها المسيحيون أثماناً باهظة، وأخرى في العام 2007 وأدت الى «ميني حرب» اسلامية (سنية - شيعية) أفضت الى «اتفاق الدوحة».وعشية الساعة الصفر لتسليم الرئاسة الى «الفراغ» ايّ نوع من التوقعات يسود بيروت الهادئة في الامن وَالمشتعلة» في السياسة قراءات كثيرة تستشرف احتمالات المرحلة المقبلة وسيناريواتها في ضوء «فخامة الفراغ»، أبرزها واحدة اشبه بـ «كوابيس» تعبّر عنها بعض أوساط «14 آذار»، وأخرى يتم التداول بها في كواليس «8 آذار».أوساط بارزة في «14 آذار» تعبّر عن هواجس مسيحييها، وتبدي قلقاً عميقاً حيال المرحلة المقبلة في معرض «تقويم سلبي» لأداء المسيحيين ودور الكنيسة، وتخشى من عملية تطبيع للواقع السياسي - الدستوري في لبنان بمعزل عن خطر عدم وجود رئيس للجمهورية، والتعامل مع هذه المسألة على انها مجرد «شغور» محدود الضرر.واذ تعتقد هذه الاوساط انه لا يمكن مواجهة الفراغ الرئاسي والإسراع في انتخاب رئيس جديد الا عبر وحدة اسلامية - مسيحية تعبّر عنها «14 آذار»، القادرة على إدارة المعركة على قاعدة وطنية لا طائفية، فانها تقرّ بان «14 آذار» ستفقد مع دخول البلاد في الفراغ زمام المبادرة التي مكّنتها من إدارة الاستحقاق الرئاسي في مهلته الدستورية بنجاح.ولا تملك هذه الاوساط «خريطة طريق» واضحة المعالم حيال المرحلة المقبلة، لكنها تعتقد ان الإحجام عن المشاركة في اي جلسات تشريعية في البرلمان من شأنه ان يشكل ورقة ضغط للإسراع في انتخاب رئيس جديد، فمن غير الجائز في تقديرها ترك الامور تسير في غياب رئيس للجمهورية وكأن شيئاً لم يكن.وما تخشاه تلك الاوساط حصول عمليات «ترويض» بالدم لفرض انتخاب «رئيس ما» عبر اغتيالات في الوسط المسيحي، على غرار ما جرى قبيل تشكيل الحكومة الحالية التي استعصى تأليفها اكثر من عشرة اشهر ولم ترَ النور الا بعد اغتيال الوزير السابق محمد شطح، وهي مخاوف رائجة في اروقة «14 آذار» التي تقرّ بان الطرف الآخر يملك من الجهوزية ما يمكّنه من تحقيق أهدافه.اما في كواليس «8 آذار» فتبدو القراءة مغايرة، وتخلص الى الاعتقاد ان التوازن السلبي في البلاد سيفضي في نهاية المطاف الى إقرار الجميع بالحاجة الى تفاهم حول الرئاسة وملفات اخرى كالحكومة العتيدة وقانون الانتخاب الجديد، وبمعزل عن كل ما يشاع عن أدوار خارجية.هذه القراءة تأخذ على المسيحيين إهدار فرصة الاتفاق على رئيس جديد بعدما سلّم مسلمو «8 و14 آذار» لهم أمر التفاهم على مرشح، وتبدي ميلاً الى ان السنّة والشيعة في هذين المعسكرين سيشكلان في المرحلة اللاحقة «قاطرة» الاتفاق في اطار تسوية تحظى بموافقة "مسيحيي الطرفين”.ورأت هذه القراءة انه لا يمكن إنتاج اي رئيس جديد الا بتوافق الطرفين (8 و14 آذار)، وخصوصاً ان اياً منهما غير قادر على الإتيان برئيس «احادي»، وهو الامر الذي سيصبح حقيقة لا مناص منها تحت وطأة الفراغ والإنهاك المتبادل، اضافة الى «الصوت المرتفع» للبطريركية المارونية.وقلّلت القراءة عيْنها من حجم التدخل الخارجي لإنقاذ لبنان من المأزق الرئاسي، فالغرب لا يملك الا التمنيات في حين ان ايران ليست في وارد «البيع والشراء» في لبنان، فيما يُنتظر ان ينتهي بالامر بالسعودية الى حض حلفائها في لبنان على السير في التفاهم مع الآخرين كخيار لا بدّ منه لانتخاب رئيس جديد.

سخر من مذكّرة النظام السوري بحقه

جنبلاط: سأعدّ مجلداً بالدعاوى لتوزيعه على الأصدقاء مجاناً

سخر رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط من المذكرة التي صدرت بحقه (مع مذكرة اخرى بحق الصحافي فارس خشان) عن محكمة اللاذقية بتهمة «النيل من هيبة الدولة»، معتبراً انه «كان من اللائق لو أن الدعوى رفعت في دمشق بدل اللاذقية بما يتلاءم مع طبيعة التهمة وعمقها وخطورتها خصوصاً أن النظام الذي أصدرها حريص كل الحرص على دولة القانون والمؤسسات وهو في صدد تنظيم أكبر عملية ديموقراطية وانتخابية لم تشهد أعرق الديموقراطيات التاريخية مثيلاً، ومعلناً «أما وقد حدث ما حدث، فإنني بانتظار إيداعي جدو? بالمصاريف النثرية وتكاليف ا?ستئناف كي أقوم بتسديدها وفقاً للاصول وا?عراف والتقاليد المرعية ا?جراء، ولن أنسى أن أضم هذه الدعوى إلى ملف الدعاوى القضائية السابقة وسأعد مجلدا بها لتوزيعه على ا?صدقاء مجاناً». وجاء موقف جنبلاط غداة تأكيد وزير العدل اللبناني أشرف ريفي تسلم الوزارة المذكرتين السوريتين اللتين دعتا جنبلاط وخشان للمثول أمامها في الأول من يونيو المقبل، وإحالتهما على هيئة التشريع والاستشارات فيها لدرس قانونيتهما، مرجحاً «رد المذكرتين لأسباب شكلية وجوهرية وخصوصاً أن العفو الذي أصدره النظام السوري في 2013 يشمل هذه التهم»، ومتسائلاً في ضوء ذلك عن الدوافع وراء إعادة تحريكها في هذا التوقيت.