تُدير بيروت محركاتها السياسية والمالية والدستورية، وكأنها تعاند العواصف الهوجاء من حولها، ففي اللحظة التي تشتعل الجبهات على «خطوط العرض والطول» في سورية، ويصاب العالم قاطبة بـ «فوبيا» النزاع الاميركي - الروسي في اوكرانيا وحولها، وتشتد المناورات على خط التفاوض الايراني - الغربي، وتدفع المبادرات على خط الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي فوق حبل مشدود، تفتح بيروت ابواب برلمانها العائد من غيبوبة طويلة، امام استحقاقات مفصلية يصعب التكهن بـ«السيناريوات الافتراضية» التي قد ترسو عليها.فبين ثلاثاء اليوم والثلاثاء المقبل تبدو بيروت وكأن قلبها على الاستقرار المالي وعينها على الاستحقاق الرئاسي، فالبرلمان الذي يجتمع اليوم فوق صفيح ساخن من الاحتجاجات النقابية الضاغطة لاقرار سلسلة الرتب والرواتب، يحاذر «لحس المبرد» عبر الاستجابة لحركة الشارع والمجازفة تالياً بالاستقرار المالي والنقدي في بلاد يفوق دينها العام 50 مليار دولار وسط اوضاع امنية وسياسية واقتصادية غير مستقرة، وتضاؤل مضطرد في معدلات النمو وشح لا سابق له في الموارد كالسياحة وسواها.وعشية الجلسة البرلمانية، سادت اجواء توحي بحذر من الجنوح في اتجاه الاستجابة للمطالب النقابية عبر «شيكات من دون رصيد»، وجرت مشاورات كثيفة بين الكتل البرلمانية من اجل اجتراح مخارج تتيح المواءمة بين اضلع «ثلاثية» لا مناص منها، واقرار الاصلاحات التي لا بد منها، في اطار تسوية على طريقة «لا يموت الديب ولا يفنى الغنم».ومع توقع صعود «الدخان الابيض» من جلسة اقرار السلسلة، من المرجح انتقال «العدسة» فورا الى الثلاثاء المقبل، وهو الموعد الافتراضي لعقد اول جلسة انتخاب لرئيس الجمهورية، بحسب ما كان نقل عن رئيس البرلمان نبيه بري، الذي لاقى الضغوط من اجل الاسراع في الدعوة لانتخاب رئيس جديد، لا سيما من البطريركية المارونية، بالاعلان عن ان هذه الجلسة قد تعقد في 22 او 23 الجاري.ورغم «طوفان الكلام» عن الرئاسة والمرشحين وسيناريوات الجلسة الاولى و»القطب المخفية» للجلسات اللاحقة، فان الدوائر المراقبة في بيروت ما زالت على شكوكها حيال امكان اجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري اي قبل 25 مايو المقبل، لاسباب تتصل بحدة الاستقطاب الداخلي من جهة وعدم نضوج تفاهمات اقليمية في شأن اسم الرئيس الذي «سيحكم» لبنان ست سنوات مقبلة.اوساط واسعة الاطلاع في بيروت قالت لـ «الراي» ان «مسألتين قد تؤديان الى إرجاء عملية انتخاب الرئيس الجديد هما:* تساوي طرفي الصراع 8 و 14 آذار في القدرة على تعطيل الاستحقاق الرئاسي نتيجة التوازن السلبي الذي يحول دون تمكن اي من المرشحين من الحصول على النصف + 1، ورغبة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي يشكل «بيضة القبان» بعدم ترجيح اي طرف على الآخر.* رغبة «8 آذار»، لا سيما الاطراف المؤثرة فيها في الاتفاق على «سلة واحدة» قبل الشروع في انتخاب رئيس جديد، تشمل رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وقانون الانتخاب، وهو الامر الذي لم تتوافر شروطه حتى الآن.وفي تقدير هذه الاوساط، التي تحرص على التذكير بالفراغ الذي حل في رئاسة الجمهورية لنحو ستة اشهر قبل الاتفاق على اسم الرئيس الحالي ميشال سليمان، ان عدم تمكن «8 و 14 آذار» من التفاهم واستخدام اي منهما قدرته التعطيلية يعكس الى حد بعيد غياب اي رافعة اقليمية لمثل هذا التفاهم، كحصول اتفاق سعودي – ايراني عبر مجموعة الـ 5 +1 او من خلال قنوات اخرى.ولفتت الاوساط عينها الى ان «8 آذار» التي قامت بعملية «جس نبض» لامكان التفاهم مع زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري على «السلة المتكاملة» في حال رغبته في العودة الى رئاسة الحكومة، ايقنت، اقله حتى الان، انه غير راغب في ذلك، الامر الذي افقدها ورقة المقايضة على رئاسة الجمهورية، وترك هذا الاستحقاق تالياً لسيناريوات من نوع آخر، في مقدمها «فخامة الفراغ».وسط هذه التوقعات نشطت محادثات «الكواليس» داخل فريق «14 آذار» بعد المعلومات التي تحدثت عن ان رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة العائد من «لقاءات رئاسية» مع الحريري في الرياض، سيبدأ مشاورات للتفاهم على مرشح واحد لـ «14 آذار» التي تشهد «تمايزات» لوجود اربعة مرشحين من صفوفها.واذا كان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، الذي يعتزم اعلان برنامجه الرئاسي غداً، نجح في تحويل ترشحه امراً واقعاً، فمن غير المستبعد ان تفضي المقاربة التكتيكية للمعركة الرئاسية الى تبني «14 آذار» ترشيح جعجع كـ «رأس حربة»، مع الاحتفاظ على قدرة المناورات في سياق هذه المنازلة المعقدة.غير ان اللافت امس كان قيام المرشح «الوسطي» من «14 آذار» النائب روبير غانم بزيارة زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون في دارته في الرابية، معلناً انه «رجل توافق»، وكاشفاً عن ان وجهات النظر مع عون كانت متفقة على عدم تعديل الدستور واجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها.وقالت اوساط واسعة الاطلاع في بيروت لـ «الراي» ان «المرشح العلني وليس بالضرورة الفعلي لحزب الله هو العماد عون، لاعتبارات تتصل بالتحالف القائم بينهما، غير ان الحزب الذي قارب بصمت التقارير التي تحدثت عن محاولات تفاهم بين عون والحريري، يدرك ان البلاد غير مرشحة لعمليات خلط اوراق، وتالياً فان عدم دعم 14 آذار لعون يجعله مرشحاً بلا حظوظ».
خارجيات
شكوك في إجراء الانتخابات الرئاسية خلال موعدها الدستوري
البرلمان اللبناني يقر اليوم مطالب النقابات بـ «تسوية» تبعد «السيناريو الأسود»
05:26 م