«ألف يومٍ من العزلة» وأكثر، قضتها هيئة أسواق المال منذ تأسيسها، توّجتها بالاصطدام بغرفة تجارة وصناعة الكويت بعد صدامات ومجافاة مع معظم الوزارات والمؤسسات الحكومية، هذا عدا الاستياء المستحكم من الشركات التابعة لرقابتها والمجاميع الاستثمارية، التي بدأت تنسحب من السوق. فهل تتحوّل العزلة إلى مواجهة شاملة، في ظل ما يراه كثيرون «وضعاً غير مقبول؟المآخذ على هيئة أسواق المال كثيرة، وأكثر ما يتردد منها العناد والسلبية في التعامل مع المقترحات، حتى عندما يكون الخطأ واضحاً في تعليمات الهيئة وقراراتها، وقلّة الخبرة، وحتى المعرفة، في العديد من الجوانب الفنيّة.وما زال كثيرون يذكرون كيف أن الهيئة لم تميّز في اللائحة التنفيذية لقانونها بين صناديق الأسهم وصناديق الملكيّة العقار والملكية الخاصة والنقد! ولم تتراجع عن هذا الخطأ إلا بعد تبيّن خطئها بشكل واضح وفاضح، لا ينفع معه العناد.قصص «عجرفة» المسؤولين في هيئة أسواق المال تنتشر في كل مكان بين من يتعاملون معها. يروي مدير في إحدى الشركات كيف قال أحد المسؤولين الكبار في الهيئة خلال اجتماع لمناقشة قضايا تخص احد القطاعات: «نحن أدرى بمصلحتكم». يقول المدير: «شعرت حينها وكأن الزمن عاد بي إلى المدرسة الابتدائية».الاصطدام بغرفة التجارة والصناعة ليس إلا آخر الشواهد على النهج المتعالي للهيئة في التعامل مع أهم المؤسسات الاقتصادية في البلاد، ما يطرح أسئلة كثيرة حول قدرتها على أداء دورها في ظل عدم قدرتها على الاستماع.وهنا بعض من المواجهات التي خاضتها الهيئة:«المركزي» و«التجارة»ليس سرّاً أن تشابك الصلاحيات بين البنك المركزي وهيئة أسواق المال أحدث التباساً في بداية انطلاق عمل الهيئة. ويعزو بعض العالمين بما يجري في الكواليس الفضل إلى محافظ بنك الكويت المركزي السابق الشيخ سالم الصباح، في التوصّل إلى مذكّرة تفاهم تنظّم الصلاحيات بين الجهتين خلال أشهر قليلة. لكن الحال اختلف مع وزارة التجارة. إذ توتّرت العلاقة منذ البداية، حين انتقلت الرقابة على الصناديق الاستثمارية من الوزارة إلى الهيئة. حينها، وعلى الرغم من أن الهيئة لم تكن على القدر الكافي من اللطف في الاستحواذ على دورها القانوني، إلا أنها تأخّرت كثيراً في تسلّم الملفّات من الوزارة، حتى استدعى الأمر تدخّل وزير التجارة حينها أنس الصالح طالباً إلى الهيئة أن تتسلّم ملفّات الصناديق.وبعدها بدأ التوتّر يظهر نتيجة المراسلات والاجتماعات الرامية إلى فك التشابك الرقابي بين الجهتين. ويقول مسؤول رفيع في وزارة التجارة: «لمسنا من الهيئة أسلوباً متعالياً في التعامل معنا، كما لو أننا نحن الفساد وهم الإصلاح».وبسبب هذا التوتّر، لم تتمكّن الجهتان حتى اليوم من التوصّل إلى مذكرة تفاهمٍ لفك التشابك الرقابي، على غرار تلك الموقّعة مع البنك المركزي.«المالية»وإذا كان الجفاء مع وزارة التجارة لم يظهر إلى العلن، فإن الخلاف مع وزارة المالية صار أكبر من أن يخبّأ. تحت عنوان «الاستقلالية» تدير الهيئة ظهرها لأبسط قواعد الموازنة العامة وموازنات المؤسسات المستقلة، وترفض العودة إلى وزارة المالية في إعداد موازنتها أو حسابها الختامي.ووصل الأمر بهيئة أسواق المال أن رفضت إيفاد ممثل عنها إلى اجتماع دعتها إليه وزارة المالية، كما لو أن الوزارة لا علاقة لها بها، أو كما لو انها وزارة مالية جزر القمر!المؤسسات الحكوميةالتعالي نفسه يتحدث عنه مسؤولون في مؤسسات سيادية لها الدور الأساس في تنشيط السوق، مثل الهيئة العامة للاستثمار والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية وغيرها.ويستذكر مسؤولون في هاتين الجهتين بكثير من الاستغراب السلبية التي ووجهوا بها حين طرحوا الصعوبات العمليّة التي تجعل من تنفيذ تعليمات الإفصاح الصادرة عن الهيئة شديدة الإضرار بها وبالسوق. فعلى الرغم من الجهتين قدمتا مقترحات عمليّة للإفصاح دوريّاً عن ملكياتها في الشركاتا لمدرجة، إلا أنهما ووجهتها على الإفصاح اليومي، ما جعل المؤسستين الحكوميتين مضطرتين إلى تجميد نشاطهما في السوق.«الغرفة»وبالتعالي نفسه تصرفت الهيئة مع «غرفة التجارة». فالغرفة التي تمثّل القطاع الخاص، والتي سبق تأسيسها الدستور، طلبت اجتماعاً مع الهيئة لطرح ملاحظاتها على قواعد الحوكمة. وعُقد هذا الاجتماع بالفعل بتاريخ 20 فبراير الماضي، وقدمت خلاله الغرفة دراسة وافية وجادّة، وتم الاتفاق فيه على متابعة البحث في اجتماع أو اجتماعات لاحقة.لكن «الغرفة» فوجئت بكتاب ورد إليها من الهيئة بتاريخ 23 فبراير، يغلق باب النقاش عملياً، إذ تقول فيه إن قواعد الحوكمة التي أصدرتها «جاءت في إطار ما تقضي به التشريعات واللوائح ذات الصلة، ووفق أفضل الممارسات الدولية المعمول بها»، موضحة أن إدارة الحوكمة لديها استعداد لاستقبال الفنيين لدى الغرفة لتوضح لهم قواعد الحوكمة»!