يعتبر الملحن ابراهيم الصولة من أعلام الفن الكويتي، فهو من تصدّى لتلحين النشيد الوطني الكويتي، لكنه رغم ذلك بقي جالساً في بيته ينظر إلى «العود» من دون أن يعزف، بعد أن أقسم قبل ثلاث سنوات على عدم مسكه مجدداً.«الراي» زارت الصولة في ديوانه وأجرت معه حواراً تطرق إلى الأسباب الذي دفعته إلى ترك العود، وعن المكانة الفنّية في الكويت، فاستعاد شريط ذكرياته التي عاشها في الستنيات والسبعينات من القرن الماضي عندما كانت الأمور تسير بكل تلقائية وسلاسة بعيداً عن «التكاليف» والعقود بين الفنانين والمسؤولين. كما أبدى رأيه في جيل الشباب الحالي، وبرامج المسابقات الغنائية التي تعتمد بالدرجة الأولى على المواهب الشابّة:• هل الفن في الكويت بخير؟- الكويت مرّت بمخاض عسير وصعب، والشعوب عندما تتعرض لنكبة تحتاج لوقت طويل حتى تستقيم الأمور وتنهض في بناها التحتية، ونحن في الكويت لم «نشم نفسنا» بعد الغزو إلاّ في السنوات الثلاث الأخيرة عندما بدأ الفنان يشعر بوجوده.• من وجهة نظرك، ما العوامل التي ساهمت في تردّي المكانة الفنّية للكويت؟- عوامل كثيرة، منها أننا اعتدنا على شيء ما ثم تعايشنا معه. فما كان في الماضي انتهى، وهنا سؤال يطرح نفسه لكل مسؤول «الفنان وين يروح يشتغل؟» في ظل عدم وجود مسارح أو حفلات أو مهرجانات يستطيع العيش من خلالها.• لكن هناك فعاليات موسيقية وغنائية عدة ينظمّها «المجلس الوطني» في كل عام؟- هذه الفعاليات تقام على فترات، والمسألة ليست قائمة على فعالية واحدة أو اثنتين في العام، بل في الاستمرارية، وأنا كملحن عندما أجلس عشرين سنة من دون ممارستي التلحين سأنسى بالطبع عملي بحكم أنني «تجمّدت».• ما سبب غياب غالبية الفنانين المخضرمين عن الساحة الفنّية؟- غالبية الفنانين المخضرمين عاشوا العشرين سنة الماضية تائهين لا يعلمون أين يذهبون، فلا وجود لجهات حكومية تلبّي طلباتهم وتنفذ أعمالهم مثلما كنّا نعمل في الماضي، ولا وجود لمؤسسات إنتاج قائمة يمكن العمل من خلالها لأنها توقّفت مع ظهور الإنترنت، وبذلك بقي الفنان يدور في حلقة مفرغة.• ألا يوجد ما يسعد الفنان المخضرم في زمننا الحالي؟- هناك ما يسعده، وهي وجود المؤسسات التعليمية مثل «المعهد العالي للفنون الموسيقية» و«المعهد التطبيقي» وغيرهما وهما مستمران في تدريس الموسيقى وفنونها، وخلال العشرين سنة الماضية ظهرت لدينا دفعة أكاديمية جميلة من الشباب الذين يعملون في السوق حالياً، منهم أحمد حمدان، مشعل العروج، محمد البعيجان وغيرهم الكثير، وهذه المجموعة ضمّت الموهوب و«اللي على قد حاله» وفيها أيضاً من له مستقبل باهر.• هل تعتقد أنّ المجموعة التي ذكرتها أخذت حقّها في تقديم الأعمال الوطنية؟- لم تتضح حصيلة النجاحات إلا في 2013 و2014، فقد بدأنا بسماع الأعمال الوطنية الممتازة، بغضّ النظر عن أنها تقوم على مبدأي «التكاليف» و«الانتقائية» واللذين أنا ضدهما.• لماذا أنت ضد «التكاليف» و«الانتقائية»؟- لأنّ المسؤول إن قام بتكليف الشباب فأين دور الفنانين المخضرمين وأصحاب الخبرة الكبيرة منهم أنا والموسيقار غنّام الديكان وغيرنا الكثير ممن يجلسون في بيوتهم.• هل أنت ضدّ جيل الشباب؟- لا أبداً لست ضدّهم ولا أعني أن يتم إهمالهم بتاتاً، وجلّ ما أعنيه أن تكون هناك أولويات حتى تكتمل الحلقة ويخرج أي عمل متناسق في إطار منافسة شريفة، فجيل الشباب الحالي يحتاج إلى قدوة ليكمل مشواره، ويجب أن تكون قدوته هي الفنان المخضرم، وهنا السؤال يطرح نفسه، كيف يتم إهمال المخضرمين وتمنح الفرص للشباب فقط؟• هل كان لجيلكم السابق قدوة؟- طبعاً، فكلامي الذي ذكرته كان بناءً على ما قمنا به عندما قلّدنا المدارس السابقة، مثل عبدالله الفضالة، سعود الراشد والزنجباري وغيرهم من أصحاب الخبرة، ولهذا كانت أعمالنا متكاملة جميلة، وهذا ما نطمح إلى أن يكون موجوداً في الساحة حالياً بعيداً عن مسألة «العقود» و«الانتقائية»، وهو ما يحصل في «الأوبريتات الوطنية».• كيف كان سير العمل في السابق داخل أروقة وزارة الإعلام؟- منذ أن دخلت «إذاعة الكويت» قبل 54 سنة إلى يومنا الحالي لم يسبق لي أن قدّمت عملاً بتكليف أو وقّعت على ورقة بيني وبين المسؤولين، وما كان يحصل أنني أذهب مباشرة إلى مراقب الموسيقى عندما يحضرني عمل وأخبره برغبتي في تسجيل لحن ما، حينها يقوم بسرعة بحجز الاستديو لي. وهذه حال باقي زملائي أيضاً الذين كنت أجلس معهم في «ديوان الإذاعة» نلحن ونغنّي بتلقائية.• وكيف أصبحت الآلية في يومنا الحالي؟- ما كان يحصل في الماضي ولّى واختفى، إذ علينا حالياً تقديم كتاب للمسؤول، تخبره برغبتك في تسجيل لحن ما في الإذاعة، لتكون السلطة في يده إمّا بالموافقة أو الرفض، فتصبح هنا الكارثة.• ما الذي تقصده بالكارثة؟- الفنان الحقيقي يموت من داخله عندما يرفض له عمل، وهو ما حصل مع الفنان خالد الزايد الذي رُفض له كتاب تقدّم به «وعقبها ما ترقّع وانقتل». فهل يعقل أنّ علماً من أعلام الفن الكويتي يحصل معه ذلك!• ما سبب الرفض؟- لا أعلم سبب الرفض، لكن في أسوأ الأحوال كان بالإمكان منحه الموافقة وتسجيل ما تقدّم به، من ثم حفظه في الأرشيف.• هل الرفض يعني كثيراً للفنان ويؤثّر في نفسيته؟- ربما هي أمور صغيرة لكنها حساسة جداً بالنسبة إلى كل فنان حقيقي، لأنه يفضّل أن يترك على سجيته من دون عقود أو تكاليف باعتبار أننا في غنى عنها، و«إن أردت قتلي أرفض لي عملاً».• لكن الكويت كانت في الريادة؟- صحيح ذلك الكلام، إذ كلّ دول الخليج تمشي على قانون الكويت نفسه، لكن الآن بدأوا يمشون على النهج وينفّذون أعمالهم بشكل صحيح، لذلك فإن الفن في الإمارات قد انتعش لوجود تأييد ودعم للفنان. وعلى حسب علمي أنّ الفنان خالد الشيخ قد كلّف لعمل «أوبريت» ضخم جداً ميزانيته 25 مليون درهم، وهو الأمر المعدوم في الكويت.• هل يحزنك ذلك الأمر؟- اسمحوا لي على صراحتي لماذا يحصل هذا معنا، «شنو اللي قاصرنا؟» نحن لدينا ألمع و أبرز فناني الوطن العربي كله، فهل يوجد أحد مثل الموسيقار غنّام الديكان بنفس القدرة التي لديه والاستعداد الفطري والابتكار؟ وعلى أي أساس يجمّد، لماذا لا ندعو الجميع ليعملوا ويأخذ حقوقهم؟• في وقتنا الحالي... ما المعضلة الأساسية التي يعاني منها الفنانون المخضرمون؟- عدم امتلاكنا فرقة أوركسترا في إذاعة الكويت التي كانت تهزّ الوطن العربي، والتي كانت جاذبة لكل الفنانين، فهل يعقل أن تدخل حالياً إلى موظفي «مراقبة الموسيقى» في الإذاعة وتجدهم «يكشّون ذبّان»! فعلاً لا أعلم من وراء هذا التراجع.• وهل غياب «الأوركسترا» هو السبب الذي دفعك إلى الابتعاد عن الساحة؟- هو أحد الأسباب وليس السبب الرئيسي، لأنني لم أعد أرغب في العمل مجدداً في ظلّ هذه الظروف كلها.• متى كانت آخر مرّة عزفت بها على العود؟- قبل ثلاث سنوات «حلفت على نفسي» بألا أمسك آلة العود مجدداً «وما أشتغل خلاص»، على الرغم من أنني أعتبر «العود» مثل ابني، لأنّ حياتي كلها كانت قائمة عليه، فهل يستغني العسكري عن سلاحه؟• لماذا لا توجد نقابة للموسيقيين في الكويت؟- لدينا «جمعية فنانين» لكنها منذ عشرين عاماً «على حطّة ايدك»، لا يوجد بها أحد وليس لها دور فعّال أو نشاط.• هل تعتقد أنك نلت حقّك كاملاً؟- أخذت حقي لناحية التكريم، إذ تشرفت بأن منحت وساماً من سمو الأمير، وكذلك سمو ولي العهد، لكن من الناحية العملية «احنا قاعدين» في ظل غياب فرقة الإذاعة الموسيقية، وتعطّل استديوهات الاذاعة، و«عايشين» فقط على تكاليف الأغاني الوطنية.• وما هو المطلب غير الأغاني الوطنية؟- إن بقيت التكاليف مرتبطة بالأغاني الوطنية، فماذا نفعل بباقي تراثنا؟ وعلى هذه الحالة التي نعيشها سترى بعد ثلاث أو أربع سنوات أنه قد اندثر، لولا جهود بعض الشباب في إحيائه من خلال «القعدات» و«السمرات».• هل أنت متابع جيّد للسوق الغنائية الشبابية؟- نعم أتابع وهذا واجبي. وما يقدّمه الشباب حالياً هو حصيلتهم، لأن كلّ جيل يقدّم ما عنده، لذلك يجب ألا نستغرب إن خرجوا عن جادة الصواب أو قلّدوا غيرنا، فهم معذورون، والسبب أن القدوة غائبة عن الساحة الفنّية.• ما رأيك ببرامج المسابقات الموسيقية؟- كلها «كلام فاضي» وأمور تجارية بحتة تتكسب على ظهور الشباب، وأنا ضدها منذ بداية ظهورها.• هل هناك أحد من أبنائك أو أحفادك لديه ميول موسيقية؟- لا أعتقد أن هناك أحداً من شباب الكويت عامة لا يمتلك الحس الموسيقي ويحبّ الغناء والطرب، لأن طبيعة الشعب الكويتي اجتماعية، وهذه أجمل ما فيهم.• هل تحرص على حضور الحفلات الغنائية؟- في حال دعيت إلى أيّ منها أحضر، وكثير ما يقوم «المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب» بدعوتي لحضور أكثر من فعالية موسيقية، وأيضاً هيئة التدريس التطبيقي.• هل من فكرة لإنشاء مؤسسة تدعم المواهب الشابة؟- رغبت في طرح فكرة إنشاء مؤسسة تتبنى الفنون في الكويت، ولا يهم إن كانت قطاعاً حكومياً أم خاصاً، لأن الأهم أن تعتني بالفن وكل ما يتعلق به وتنفق عليه. لكن المشكلة «من نكلم ومن نروح له؟ محد يعطيك ويه».• ما تقييمك لمهرجان «هلا فبراير» الغنائي؟- مهرجان جيّد ويسهم في انتعاش الساحة الغنائية في الكويت. ولا ضرر إن لم يضم أسماء عديدة لمطربين كويتيين لأننا كلنا أخوة. لكن علينا الاهتمام بجيل الشباب الحالي وفنون أهل الكويت بحيث توازن المسألة.• كيف علاقتك بالسياسة؟- لا أحب السياسة ولا أتابعها نهائياً، فأنا رجل موسيقي وفنان.• ما مدى تأثير الأغنية الوطنية على الفرد؟- الأغنية الوطنية لها تأثير كبير جداً، مثل نشيدة «الله أكبر» للفنان محمود الشريف، الموسيقى تعتبر ركناً مهماً بالنسبة إلى المجتمعات وتؤثر على الوضع السياسي والاجتماعي، فهي ليست لعباً بل جهة تعليمية تثقيفية. والفن قيمة الشعوب، لأن الشعب الذي لا يمتلك فناً ليس لديه حياة، لذلك دوماً أنادي «التراث التراث التراث» لا يهمل.• كانت لك تجربة سابقة في التدريس الموسيقي... حدثنا عنها؟- في العام 1977 اختارني الموسيقار الراحل أحمد باقر لتدريس «الفن الشعبي» بالمعهد العالي للفنون الموسيقية، فحضرت على الرغم من عملي الأساسي في وزارة الاعلام كـ«مراقب فنّي» في استديوهات الموسيقى، فلم أتمكن من التنسيق في الوقت بين العملين، ناهيك عن المكافأة المالية التي تصل أقصاها إلى 20 دينارا فقط على الرغم من تدريسي لأكثر من عشرين طالباً مرّة واحدة، مما جعلني ابتعد عن التدريس كوني لم أعتد أن «أكذب على نفسي أو على غيري»، فأخبرت الأستاذ احمد بانني اعتذر عن الاستمرار في التدريس وتفهّم الأمر.• كلمة توجّهها لجيل الشباب؟- أن يكونوا صادقين مع أنفسهم، حتى يصدقوا مع الكل، وأن يتريثوا قليلاً ولا يقدموا أعمالاً دون قناعة تامة والتي يشعرون أنّ لها قيمة، وألا يقلّدوا أحداً.
فنون - مشاهير
«مهرجان هلا فبراير يسهم في انتعاش الساحة الغنائية»
إبراهيم الصولة لـ«الراي»: حلفت «ما أمسك» العود
08:50 م