يحمل عيد التحرير مزيجا من الذكريات لدى أهل الكويت ممن عاشوا فترة الغزو وما تبعها من أحداث حتى التحرير الذي كان يوما مليئا بمشاعر الفرح والساعدة التي تسري في العروق، وهي شعور كل كويتي استرد وطنه وحبيبته الكويت التي نالت تحريرها في العام 1991.وفي هذا التحقيق عادت «الراي» مع عدد من فناني الكويت إلى تلك الذكريات، وتحديداً ذلك اليوم الذي رجعت به الضحكات وارتسمت البسمات على الوجوه، وعلت فيه أصوات الـ»يبّاب» مرحّبة بالنصر والحرية، فسردوا ما في ذاكرتهم من صور وأحداث لا تزال عالقة بحكم أهمية الحدث الذي كان نقطة تحول في تاريخ الكويت.:ذكرى محفورة في الأذهانالفنان عبد المحسن القفاص عجزت كلماته عن وصف شعوره الذي عاشه خلال يوم التحرير فقال «عندما حصل التحرير كنت بمرحلة الشباب، وهو يوم من المستحيل أن أنساه لسببين، الاول أنّ بلدي الحبيب تحرّر من العدوان الغاشم، وثانياً أنه يصادف تاريخ مولدي، ولا أستطيع أن أصف تلك الفرحة التي عشتها تلك الفترة، فهي كانت أشبه بولادة الكويت مجدداً، لأنّ أرواحنا كانت معلّقة بترابها، وعندما حصل ذلك العدوان أصبحنا أشبه بالأموات».وتابع القفاص: «مثلما حصل الغزو فجأة في يوم وليلة، بالمقابل كان التحرير فجأة في يوم وليلة، ومن هول الفرحة لم نصدّق ما قيل وما حدث، مما دفعنا نحن أفراد الشعب الكويتي للخروج إلى الشوارع والتجوّل حتى وصلنا إلى منطقة العبدلي لرؤية التحرير ودحر العدوان الغاشم بأعيننا، وهي ذكرى محفورة ستبقى عالقة في ذهني».رفع العلم الكويتيبدوره استرجع الفنان مشاري البلام ذكرياته، فقال «في فترة الغزو الغاشم كنا نجلس طوال الوقت في السرداب، لكن وفي يوم التحرير عندما أشيع خبر دحر الغزو خرج كل الشعب الكويتي إلى الشوارع، وأذكر أنني مع أولاد اعمامي صعدنا إلى سطح المنزلوبدأنا بالهتاف، وذلك قرابة الساعة الـ 6،30 صباحاً، بعدها نزلنا للشارع وخرجنا مع جموع المسيرات التي ملأت الطرقات».وعن الذكرى التي من المستحيل أن ينساها قال «لحظة إنزال العلم العراقي فوق كل منشأة حكومية تم السطو عليها أو بيت، ورفع العلم الكويتي هو موقف من المستحيل أن أنساه ما حييت، وستبقى هذه الذكرى عالقة في ذهني وسأخبرها للجميع».لم شمل الأهلومن جانبه، قال الفنان جاسم النبهان: «الموقف الذي لن أنساه ما حييت في يوم التحرير عندما التقيت مع أولادي وأسرتي التي انقطعت عنها لخمسة أشهر، عندما كنت متواجداً في منطقة القرين وهم في اكثر من منطقة. فأولادي عبد الله، عنود، فاطمة وعزيزة مع والدتهم أم طلال - رحمة الله عليها - كانوا في الاندلس، أمّا طلال فكان في الفيحاء بمنزل والد زوجته، وشقيقي في كيفان، أما والدتي فكانت في مكان آخر، وابنتاي حصّة و أسماء في منطقة القرين بعيداً عنّي، وشقيقهما محمّد كان في الرابية برفقة الشهيد محمد العيدان».وأضاف: «عندما وصلت إلى الأندلس استقبلت ابنتي الصغرى عزيزة مع باقية اخوتها، وأتذكر أنه هطل المطر حينها. ووصلت إليهم برفقة جنود سعوديين من (درع الجزيرة) بسبب منع التجوال وقتها».وتابع: «كذلك كانت هناك فرحة أكبر وموقف لن أنساه عندما دخلت قوّات التحالف، ودور المرأة الكويتية المقاومة، وفعلاً الفرحة في ذلك اليوم غطّت علي المآسي التي حصلت، فقد فقدت الكثير من أقربائي ومن أهل الكويت».رؤية ابنتي للمرة الاولىبدوره، قال الفنان طارق العلي: «كنت في يوم التحرير متواجداً في قطر، لكني عشت فرحة ما بعدها فرحة، إذ خرجنا في مسيرة كبيرة شارك فيها عدد كبير من الفنانين القطريين على رأسهم غانم السليطي و صلاح الملا، وكذلك من عامة الشعب من كل الجنسيات الخليجية والعربية، وتوجّهنا إلى السفارة الكويتية هناك رافعين العلم الكويتي عالياً».وأضاف «خلال تواجدي في قطر استضافني الفنان جاسم الانصاري ولم يتركني لحظة واحدة أبداً، وهذا جميل لا انساه أبداً، خصوصاً عندما شاركني الفرحة في التحرير عندما نظّم احتفالاً داخل منزله وصنع قالب حلوى كبير وضع عليه أبراج الكويت وصورة الشيخ الراحل جابر الأحمد الصباح والشيخ الراحل سعد العبد الله الصباح».وتابع: «ومن الامور التي لن انساها أبداً عندما دخلت الكويت بعد التحرير، وكان حينها الامر صعباً قليلاً، لكن الشيخ الراحل علي صباح السالم الصباح قال لي حينها (إن أنت ما دشيت، من اللي يدش)، فكان برفقتي المخرج جواد دشتي إضافة إلى احد الصحافيين. وفي ذلك اليوم شاهدت ابنتي فاطمة للمرة الأولى، لانها قد ولدت في فترة الغزو الغاشم، ولم اتمكن من رؤيتها، وبهذه المناسبة لا أنسى دور الدكتور عامر زهير خلال ولادة فاطمة وتقديمه الرعاية الطبّية الكاملة».كنت من الصامدينالفنان والمنتج محمد الصيرفي عاش ذكريات ذلك اليوم داخل الكويت؛ ويقول «في يوم التحرير كنت أبلغ من العمر حينها السابعة عشر عاماً، وقد كنت من الصامدين في الكويت الذين رفضوا الخروج من أرض الوطن، لذلك مهما قلت من كلمات لن تصف ذلك الشعور الذي عشته، كأني فعلاً ولدت من جديد، في وطن ولد من جديد».وأضاف: «سبعة أشهر عاشها الكويتيون وهم مؤمنون بأنّ الكويت ستتحرر، وسيتم دحر العدوان الغاشم، ولهذا السبب بقينا ولم نغادر»وعن المكان الذي كان يتواجد فيه يوم التحرير قال «هربت مع الاهل من منزلنا لأن قوات الغزو حاولت القبض على شقيقي ونسيبي لإعدامهما، وتوجّهنا إلى منزل جدّتي في القرين، وبقينا هناك في السرداب إلى يوم التحرير، وطوال ذلك الوقت كنّا نشاهد التلفزيون على مدار الـ 24 ساعة، وفي وقت التحرير خرجنا للشوارع في مسيرة لم أشاهد مثيلاً لها على الإطلاق».استيقظت على زقزقة العصافيرالفنانة زهرة الخرجي قالت «أذكر أنه في تاريخ 23 من شهر فبراير أي قبل أيام من التحرير رجعت إلى بيتنا في منطقة الشعب البحري مع الأهل بعدما سمعت عبر الراديو الذي لم يفارقني أبداً عن عمليات إنزال وأن التحرير قد اقترب موعده، خصوصاً أننا تنقّلنا في أكثر من منطقة بسبب المخاطر التي عانينا منها، وقد كنت أبلغ من العمر حينها الثالثة والعشرين عاماً».وتابعت «طوال فترة الغزو لم أسمع صوت زقزقة العصافير، لكن في يوم التحرير استيقظت على صوت تغريدها وتحديداً في تمام الساعة الـ 6،30 صباحاً، وبسرعة هرعت إلى النافذة فشاهدت جموعاً غفيرة من الناس في الشوارع رافعة علم الكويت عالية مبتهجة بالتحرير والنصر. وبما أنني قد اعتدت على النوم بكامل ملابسي لايماني الشديد وعزمي ان النصر قريب، ولرغبتي في النزول إلى المسيرات، هرعت مسرعة إلى الشارع واختلطت مع الناس السعيدة الفرحة وشاركتهم تلك اللحظات. وأذكر أنّ أول من شاهدته حينها هي قوّات الجيش القطرية، والتقطت معها الصور التذكارية».نظّفت مخفر «ميدان حولّي»اما الفنان خالد أمين فقال «خلال الغزو كنت نجلس في أحد السراديب، حينها جاءنا عدد من الجنود العراقيين وطلبوا أن يأخذوا احدى السيارات التي نمتلكها أو انهم سيفجرون السرداب بـ(رمّانة)، وقد قاموا بحرق مخفر (ميدان حولّي) و كذلك المستوصف، حينها وبسرعة هرعنا إلى المستوصف لاخماد الحريق، كوننا نعلم أنّ بداخله العديد من المستندات والاوراق الرسمية المهمة، والتي قمنا بتسليمها إلى قيادات الجيش الكويتي لاحقاً. وفي يوم التحرير كانت الفرحة كبيرة، وهو الامر الذي دفعني مع عدد من أبناء السليم ونمر الكندري إلى تنظيف مخفر (ميدان حولي). ثم قمنا بالامساك بأي جندي عراقي يحمل السلاح وتسليمه مباشرة إلى قوات الجيش الكويتي، كما كنا نجول في المناطق السكنية لتنظيفها من مخلّفات الأسلحة».وتابع «مقابل بيتنا كانت تقع (جمعية المكفوفين)، وقد كانت مقراً لقيادة الجيش الشعبي العراقي، لذلك وبعد فرّ العدو حرصت مع (شباب الفريج) على تنظيفها من الذخائر ومن ثمّ تسليمها إلى قوّات الجيش السعودي، إذ كان همّنا الاول ألاّ يقع السلاح بأيدي العوائل أو الأطفال، أو حتى الأشخاص غير المسؤولين، وبعدما فرغنا من مهمتنا عاد كل واحد منّا إلى بيته، أما أنا فسافرت متوجهاً إلى دولة الإمارات».القصف الجوي... في مخيلتيالفنان شهاب جوهر قال «صحيح أنني كنت ابلغ من العمر السابعة حينها، لكن ما زالت صور الطائرات الحربية وأصوات المدافع والقصف الجوي عالقة في مخيلتي، و لن أنسى كذلك تلك الفرحة التي غمرت كلّ الاهل، خصوصاً اننا عشنا أياماً عديدة في سرداب بيتنا في منطقة الرميثية».وأضاف: «في يوم التحرير خرجت مسرعاً إلى الشارع، مثل أي طفل وجد الحرية مجدداً، وشاركت الشعب الكويتي فرحته التي عبّر عنها بالأهازيج والتكبير، وفعلاً هي فرحة لا يمكن وصفها بكلمات، ومن عاش لحظاتها فقط يمكنه معرفة معنى الحرية والفرحة الحقيقية».