فجعت بيروت، التي ظنت انها في «استراحة محارب»، بتفجير ارهابي مزدوج دوى في منطقة السفارة الكويتية في التاسعة والثلث صباح امس، مستهدفاً مقر المستشارية الايرانية على المدخل الجنوبي للعاصمة اللبنانية، وعلى بعد نحو مئتي متر من مبنى السفارة الكويتية، التي «نجت» بطاقمها والعاملين فيها، فلم تصب باي اضرار لا بشرية ولا مادية.اكثر من ستة قتلى و129 جريحاً ونحو اربع حالات حرجة واشلاء كثيرة وخوف كبير، هي الحصيلة الاولية للانفجار الانتحاري المزدوج الذي باغت بيروت وهز لبنان و»اسقط سريعاً» اجواء الاطمئنان التي اعقبت انجازات سياسية وامنية تحققت اخيراً مع تشكيل الحكومة الجديدة بعد طول عناء، وكشف مجموعات ارهابية واحباط عمليات في غير مكان.انتحاريان بسيارتي «بي ام دبليو» و»مرسيدس» من «كتائب عبد الله عزام» التي تبنت العملية الارهابية «اندسا» في صباح يوم «ربيعي»، ومن خلف ظهر استرخاء سياسي لم تشهده البلاد منذ اشهر طويلة، وبـ «كبسة زر» دوى انفجاران متزامنان، واحد بـ «بي. ام» قرب مقر المستشارية الايرانية، وآخر بـ «المرسيدس» قرب المعرض الاوروبي في المكان عينه.انه الانفجار رقم 12 الذي يضرب لبنان منذ نحو سبعة اشهر، وسابع عملية انتحارية في مناطق محسوبة على «حزب الله» وثاني عمل انتحاري يستهدف المصالح الايرانية في بيروت بعد محاولة اقتحام مقر السفارة في 19 نوفمبر الماضي في مكان لا يبعد كثيراً عن المستشارية الايرانية التي كانت امس هدفاً للتفجير الانتحاري المزدوج.ورغم هذه «الكثافة» من العمليات الارهابية في حيز زمني لا يتعدى الاشهر القليلة، فان بيروت التي غالباً ما كانت مسرحاً لعمليات اغتيال سياسية منذ العام 2005، لم تستسلم لهذا النمط من الارهاب ولوتيرته. فمع كل دوي سرعان ما تصاب بالذهول والارتياب والخوف المتعاظم من الآتي بعدما بدت وكأنها تقتاد الى قدر لم تختاره.في المنطقة التي استحقت لقب «السفارة الكويتية»، كونها واحدة من المعالم الاكثر عراقة على التخوم الجنوبية لبيروت، كان المشهد كارثياً، كأن المكان، ساحة حرب... رائحة بارود وموت، اشلاء ناس وسيارات وحفر كالقبور، اما المباني التي تحوط الشارع فتحولت اشباه ابنية من شدة الإنفجار.وكالعادة... سباق بين سيارات الاسعاف لانتشال الجرحى والجثث، وبين «مكبرات الصوت» التي تجعل من المكان اشبه بـ «استديو» لطوفان من الكلام السياسي... وزراء ونواب وشخصيات يأتون، يصرحون، ويذهبون، وكأنهم ادوا قسطهم للعلا. اما القوى الامنية فكانت تبحث على خيوط ما يمكن ان تدل الى هوية الانتحاريين.وكشفت مصادر امنية لـ «الراي» عن ان واحداً من الانتحاريين حاول الاقتراب من مقر المستشارية الايرانية، وتجاوز العوائق التي تحول دون الدخول اليه، وعندما اصبح على بعد امتار من المبنى منعه احد عناصر قوى الامن الداخلي من الاقتراب اكثر والدخول، فعمد عندئذ الى تفجير نفسه ما اضطر الانتحاري الاخر الى تفجير نفسه ايضاً في مكان ابعد بقليل.وتحدثت المصادر الامنية عن انه بعد التفجير الانتحاري المزدوج الذي استهدف السفارة الايرانية في بيروت في نوفمبر الماضي، اتخذت اجراءات حماية حول المصالح الايرانية، ومن بينها مقر المستشارية في بئر حسن الذي استهدف امس، فتم تسييجه بحزام امني وعوائق لمنع الاقتراب منه او الدخول اليه.واشارت المصادر عينها الى ان اجراءات الحماية حالت دون اقتحام الانتحاري الاول لمقر المستشارية مما دفعه الى تفجير نفسه عند النقطة التي بلغها، الامر الذي ادى الى خسائر مادية واصابات غير خطرة، لافتة الى ان الانفجار الاول نجم عن عبوة زنتها 75 كيلوغراماً والثانية تقدر بـ90 كيلوغراماً.هذا الاستهداف الثاني لمصالح طهران في بيروت جعل السفير الايراني غضنفر ركن ابادي محور اتصالات، فهو سارع لزيارة السرايا الكبيرة حيث التقى برئيس الحكومة تمام سلام، وتلقى اتصالاً من رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي اعلن عن تضامنه في وجه التفجيرات الارهابية.ولم يكن تبدد الغبار الكثيف الذي احدثه الانفجار المزدوج حتى بدأت قراءة اهدافه وتداعياته والمؤشرات التي انطوى عليها في توقيته، اضافة الى تركيز في بيروت على سبل مواجهة هذا التحدي المتعاظم.اوساط واسعة الاطلاع في بيروت تحدثت الى «الراي» عن مجموعة دلالات «دوت» هي الاخرى على وقع التفجير الارهابي، ومنها:• ان الانجاز السياسي الذي تحقق عبر تشكيل الحكومة، التي كانت تهم صباح امس لعقد اول اجتماع للجنة صوغ بيانها الوزاري، بدا وسريعاً امام اختبار صعب، محكه الاساسي امكان بلوغ مقاربة واحدة للاطراف «المتخاصمة» على طاولة مجلس الوزراء، لسبل تجنيب لبنان خطر استمرار العمليات الارهابية، بعدما كانت قوى «14 آذار» تحمّل «شريكها» في الحكومة، اي «حزب الله» مسؤولية توريط لبنان في الحرب السورية، واصرار الحزب على القول ان معاركه في الداخل السوري وعلى الحدود هي لمنع تمدد الارهاب التكفيري الى لبنان.• ان الجماعات الارهابية التي تلقت ضربات موجعة، ما زالت قادرة على التحرك، لا سيما في ضوء معلومات عن استمرار وجود ست سيارات مفخخة، كأدوات قتل متحركة لم تتمكن الاجهزة الامنية من القاء القبض عليها.فالتوقعات في بيروت كانت تشير الى انه بعد موت زعيم جماعة «عبدالله عزام» الارهابية ماجد الماجد، وتوقيف عقلها المدبر نعيم عباس، ستحتاج هذه المجموعة الى مزيد من الوقت لاعادة تنظيم نفسها، الامر الذي اصطدم بانفجار امس، رغم ان الانجازات الامنية كانت نجحت في تجنيب لبنان كوارث فعلية مع اكتشاف سيارة مفخخة في كورنيش المزرعة معدة للتفجير في الضاحية، واكتشاف سيارة مماثلة تقودها امرأة على الطريق من عرسال الى اللبوة، اضافة الى سيارة الـ 250 كيلوغراماً في حام البقاعية.• الاعترافات التي ادلى بها نعيم عباس حول وجود المزيد من الانتحاريين على الاراضي اللبنانية، وهو ما تأكد امس مع «انتحاريي» المستشارية الايرانية، مما يدل ان البلاد مفتوحة على المزيد من العمليات الارهابية، رغم كل اجراءات التحوط الامني والحماية السياسية.واللافت بحسب ما كشفت عنه هذه الاوساط لـ «الراي»، هو ان شعار المرحلة المقبلة في لبنان، والذي من المنتظر ان يتصدر البيان الوزاري لحكومة سلام، يكون «مكافحة الارهاب»، خصوصاً في ظل اشارات عن اهتمام اميركي متزايد في هذا المجال، والذي يعبر عن نفسه بمسألتين:• مسارعة السفارة الاميركية في بيروت، وربما قبل الايرانية، الى ادانة العمل الارهابي، وهو ما دأبت عليه الديبلوماسية الاميركية في العاصمة اللبنانية مع وقوع كل انفجار.• المعلومات التي تحدثت عن ان اكتشاف ماجد الماجد كان بناء لمعطيات اميركية زودت بها الاجهزة الامنية.غير ان الاكثر ايلاماً في بيروت مع كل انفجار صار السؤال... متى الانفجار الآخر وأين؟... انه السؤال «المأسوي» الذي اغتال سريعاً انجازات سياسية وامنية «تباهت» بها بيروت اخيراً وبدت مع صباح امس وكأنها تطير ادراج الرياح.
خارجيات
«اغتال» سريعاً إنجازات سياسية وأمنية وأسفر عن عشرات القتلى والجرحى وتبنته «كتائب عبدالله عزام»
ثاني تفجير انتحاري مزدوج ضد المصالح الإيرانية في بيروت
03:02 م