طوى لبنان أطول أزمة حكومية في تاريخه مع إعلان ولادة حكومة الرئيس تمام سلام امس بعد 316 يوماً على تكليفه، وهي حكومة تحمل الرقم 73 منذ الاستقلال ومؤلفة من 24 وزيراً موزعين مثالثة بين فريقي «8 و14 اذار» والوسطيين (الرئيس ميشال سليمان وسلام والنائب وليد جنبلاط).وبدت الحكومة «المتوازنة» في الشكل والمضمون، من سلالة شعار «لا غالب ولا مغلوب»، الذي غالباً ما رفعه «ابو تمام»، اي الرئيس الراحل صائب سلام في عز الحرب الاهلية في لبنان، خصوصاً ان الحكومة عكست تعادلاً في «الربح والخسارة» بين طرفي الصراع.واعتبرت حكومة سلام صدى لمناخ اقليمي – دولي نجح في ارساء تفاهم موضعي على إمرار تشكيل الحكومة بما يتيح شراء الوقت للبنان الذي يرزح تحت وطأة مشاركة «حزب الله» في القتال في سورية ووجود اكثر من مليون نازح سوري على اراضيه، وتعرضه لمسلسل من عمليات ارهابية.ورغم الانطباع بأن حكومة «ربط النزاع» الداخلي والاقليمي لن تؤدي الى وقف الانكشاف الامني غير المسبوق، فإن من شأنها تشكيل «مانعة صواعق» للحد من تداعيات التقابل السياسي والمذهبي في البلاد، وملاقاة الاستحقاق الرئاسي بحكومة، إما لتهيئة المناخ لاجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، وإما لملء الفراغ الذي قد ينجم عن عدم إتمام تلك الانتخابات.وفي غمرة الارتياح الذي رافق الافراج عن حكومة احتجزت لنحو 11 شهراً، استوقف اوساط سياسية ما يشبه «فصل المسارين» اللبناني والسوري، بعدما تزامن زف خبر ولادة الحكومة في بيروت مع ما يشبه «نعي» المفاوضات في شأن سورية في جنيف -2. وذلك بعدما اعتذر المبعوث الأممي إلى سورية، الأخضر الإبراهيمي، إلى الشعب السوري، على عدم التمكن من تحقيق تقدم في مفاوضات جنيف.وقال في مؤتمر صحافي في ختام الجولة الثانية من المفاوضات بين وفديّ الحكومة السورية و«الائتلاف المعارض» في جنيف، «أعتذر من الشعب السوري لعدم التمكن من تحقيق شيء خلال المفاوضات. ان وفد الحكومة السورية يعتبر أن القضاء على الإرهاب هو الأهم والمعارضة تصر على بحث هيئة الحكم الانتقالي».وتابع: «أعتقد أنه من الأفضل أن يعود كلّ طرف الى منزله ويفكر في مسؤولياته وما إذا كان يريد لهذه العملية أن تستمر».واللافت في القراءة الأولية لما عكسته الحكومة الجديدة، في توازناتها وتركيبتها كان غياب «القوات اللبنانية» بزعامة سمير جعجع والتي تعتبر الذراع المسيحية لـ «14 اذار» نتيجة تحفظات مبدئية على مشاركتها «حزب الله» في حكومة واحدة من دون ضمانات بأنه سينسحب من سورية.ورغم التأكيدات المتبادلة بين «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية» بأن تباين موقفهما من الحكومة «لا يفسد في الود قضية» وحرصهما على إدارة هذا الاختلاف في اطار تحالفهما الاستراتيجي، فإن البارز ان الملف الحكومي عينه «كسر الصمت» في العلاقة بين زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري وزعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون، الخصم الدائم لجعجع.وإذا كان انفتاح الحريري على عون مرده الى إصراره على ولادة الحكومة التي اعاقتها شروط زعيم «التيار الوطني الحر»، فإن حسابات عون من هذا الانفتاح بدت متصلة، على الأرجح، بالاستحقاق الرئاسي، خصوصاً وان عون من أبرز المرشحين لهذا الموقع.وقبل تصاعد الدخان الأبيض ظهر امس من القصر الجمهوري، كانت المنازلة الاخيرة حول تشكيل الحكومة دارت مع رفض « حزب الله » الحاسم لتولي اللواء اشرف ريفي حقيبة الداخلية لاعتباره «شخصية استفزازية».ورغم ابداء «المستقبل» مرونة لإمرار الحكومة بمرشح آخر للداخلية، فإنه اصاب عصفورين بحجر واحد عندما كرّس مشاركة ريفي بالحكومة وتسلمه حقيبة العدل، واختار النائب نهاد المشنوق وزيراً للداخلية.واللافت ان الافراج عن الحكومة بتجاوز ما وصف بـ «عقدة الوزير جبران باسيل»، أبقى باسيل في دائرة الضوء مع توليه حقيبة الخارجية التي تعتبر «اختباراً» للغة التي سيستخدمها «التيار الوطني الحر» حليف «حزب الله» في المحافل العربية والدولية، ولاسيما حيال مشاركة الحزب في الحرب في سورية.ولم تطفئ بيروت أنوارها ليل الجمعة – السبت في محاولة لضمان ولادة الحكومة قبل مغادرة رئيس البرلمان نبيه بري الى الكويت التي كان ارجأ زيارته لها يوماً إفساحاً في المجال امام نجاح المفاوضات التي اصطدمت بالـ «فيتو» الذي وضعه «حزب الله» على توزير ريفي في الداخلية.وشهدت الساعات التي أعقبت كلمة الرئيس سعد الحريري في ذكرى اغتيال والده وتوزيع خبر لقائه العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز، تكثيف الاتصالات في الملف الحكومي انطلاقاً من مبادرة للنائب وليد جنبلاط وافق عليها «المستقبل» ولم يرفضها «حزب الله» وقضت بإسناد الداخلية الى المشنوق والعدل الى ريفي.