... وأخيراً ولدت حكومة الرئيس تمام سلام ظهر امس، بعد مخاض عسير استمر 316 يوماً، بدأ مع تكليفه تشكيل الحكومة في 7 ابريل 2013 واستمر محطماً الرقم القياسي لأطول أزمة حكومية يشهدها لبنان في تاريخه، وهي الأزمة التي بدت مستعصية حتى الخمس دقائق الاخيرة قبل تصاعد الدخان الابيض من القصر الجمهوري، الذي ينتظر ضيفاً جديداً في سدة الرئاسة الاولى في الفترة ما بين 25 مارس و25 مايو المقبلين.فبعد عشرة اشهر وأسبوع بـ «التمام» أعلنت الولادة القيصرية لحكومة تمام سلام، التي حددت لها مواعيد عدة الا انها كانت «تطير» الواحد تلو الآخر بسبب غياب الرافعة الاقليمية و«الفيتوات» الداخلية المتبادلة لأسباب سياسية وأخرى فئوية، قبل الضوء الأخضر الاقليمي – الدولي المستجد، الذي أوحى برغبة سعودية – ايرانية متبادلة في إمرار تشكيل الحكومة في لبنان.ولعل أبرز المفارقات التي ميّزت «الحكومة السلامية» في الملابسات التي رافقت تشكيلها والتوازنات التي عكستها والتوقعات التي تحوط بانطلاقتها، يمكن تحديده على النحو الآتي:* انها تشكل عودة تحالف «14 اذار» للمشاركة في السلطة بعدما اقصيت قسراً في العام 2011 بفعل ما وصف يومها بـ «انقلاب» سياسي دستوري قاده «حزب الله» والنظام السوري للإطاحة بالزعيم السني الأبرز سعد الحريري عن رئاسة الحكومة.* تعتبر الحكومة «متوازنة» في الشكل وفي المضمون عبر غياب اي ثلث معطل عنها، والتوازنات التي عكسها توزيع الحقائب، إضافة الى انها تجمع طرفي الصراع «8 و14 اذار» ورأسي حربتهما اي «حزب الله» و«تيار المستقبل» في إطار «ربط نزاع» حيال الملفات الخلافية اللاهبة.* الاجماع السياسي «الناقص» الذي ترجمته الحكومة لغياب «القوات اللبنانية» التي استثنت نفسها من المشاركة بعدما لم تتم الاستجابة لشرطها بالحصول على ضمانة مسبقة بتضمين البيان الوزاري التزاماً واضحاً بإعلان بعبدا (حياد لبنان) تمهيداً لانسحاب «حزب الله» من سورية، وعدم ذكر معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» بأي شكل.* اعتبار حكومة سلام «أول مظلة» اقليمية – دولية للوضع في لبنان منذ 2011، نتيجة حاجة السعودية لاستمرار «بوليصة التأمين» تبقي الواقع اللبناني تحت السيطرة في حمأة تداعيات الحرب السورية، وحاجة ايران الى إطلاق إشارات ايجابية في اتجاه المجتمع الدولي في غمرة مرحلة الاختبار بين الطرفين.* خضعت حكومة سلام مع إطلالتها في الصورة التذكارية بـ «اللباس الشتوي» لعملية تقويم لحسابات الربح والخسارة بعد المنازلات الصاخبة التي رافقت مفاوضات التشكيل. ورسمت اوساط سياسية «لوحة أولية» لما حققه كل من طرفي الصراع، وفق الآتي:* نجاح قوى «14 اذار» العائدة الى السلطة في تعطيل «الثلث المعطل» وفي تحقيق المداورة «النسبية» في الحقائب.* فوز «14 اذار» بحقائب بالغة الحساسية امنياً وهي الداخلية والعدل والاتصالات، إضافة الى رئاسة الحكومة.* إتيان «14 اذار» باثنين من صقورها الى مواقع حساسة وهما: نهاد المشنوق الى الداخلية وأشرف ريفي الى العدل.* ايحاء اوساط «تيار المستقبل» بنجاح لعبة «البلياردو» من خلال التلويح بريفي للداخلية لضمان وصول المشنوق اليها وعدم التخلي عن ريفي الذي فاز بالعدل.* تمكن «حزب الله» من كسر محاولات عزله من خلال قيام حكومة حيادية ومنعه تشكيل حكومة امر واقع سياسية لا تأخذ في الاعتبار مطالب حليفه، زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون.* الاعتقاد بأن «حزب الله» الذي يشارك في الحرب في سورية ويتعرض لعمليات إرهابية تستهدف بيئته الحاضنة، نجح في مشاركة التيار السني الأبرز (تيار المستقبل» حكومة واحدة ستتحمل تبعات انخراطه في تلك الحرب.* تحول العماد عون من مشكلة اعترضت الافراج عن الحكومة نتيجة إصراره على ابقاء صهره (جبران باسيل) في حقيبة «الطاقة» الى مفتاح للحل بعد موافقته على مخرج طرحه الحريري بأن تخرج الحقيبة من تياره وتبقى ضمن تكتله النيابي.* نجاح عون في انتزاع حقيبة سيادية هي الخارجية، التي يحتاجها في إطلالة على الخارج، في اطار سعيه الى الوصول الى رئاسة الجمهورية، فتكون الخارجية بمثابة ممر الى الرئاسة.* فوز رئيس الجمهورية ميشال سليمان بحقيبة الدفاع لأحد القريبين منه، علماً ان هذه الحقيبة تكتسب أهميتها انطلاقاً من هبة الـ 3 مليارات دولار التي قدمتها السعودية لتسليح الجيش اللبناني من فرنسا بعد مفاوضات تولاها سليمان نفسه.ومع التقاط الصورة التذكارية للحكومة تتجه الأنظار الى البيان الوزاري الذي ستمثل به امام البرلمان لنيل الثقة وسط توقعات بوجود «أرنب» سيخرجه النائب وليد جنبلاط بالتنسيق مع الرئيس نبيه بري لمعالجة مسألتي معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» وإعلان بعبدا، بما يتيح إمرار «امتحان» الثقة واكتمال ترجمة التفاهم الاقليمي الذي اتاح ولادة الحكومة.وفور إعلان التشكيلة بدا الاستحقاق الرئاسي حاضراً بقوة وسط انطباع بأن ولادة الحكومة من شأنها تسهيل الانتخابات الرئاسية اذا افضت الاسابيع المقبلة الى تفاهمات اقليمية – دولية تتيح انتخاب رئيس جديد، علماً ان اوساطاً سياسية ترى صعوبة كبيرة في اجراء هذا الاستحقاق في موعده ما يجعل حكومة سلام «الجامعة» مرشحة لأن ترث صلاحيات الرئاسة الاولى.وكانت «الولادة القيصرية» للحكومة جاءت بعد مفاوضات صعبة وشاقة وعلى وقع الخطاب الاستثنائي للرئيس سعد الحريري في ذكرى اغتيال والده (رفيق الحريري) حيث رفع السقف السياسي بوجه «حزب الله» من دون ان يقفل الباب امام «ربط النزاع» في الحكومة، ومطلقاً معادلة «الاعتدال والعدالة» التي توجه بها في شكل رئيسي الى جمهور «تيار المستقبل»، الذي اكد انه لن يكون على صورة «لا حزب الله ولا داعش والنصرة».وفي اول الكلام بعد ولادة حكومته اعلن الرئيس تمام سلام من القصر الجمهوري عقب لقاء ثلاثي جمعه بالرئيسين ميشال سليمان ونبيه بري "ان حكومة المصلحة الوطنية الجامعة شكلت بروحية قادرة على خلق مناخات ايجابية لاحياء الحوار الوطني حول القضايا الخلافية برعاية فخامة رئيس الجمهورية، وقادرة على تأمين الاجواء اللازمة لاجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، فضلا عن الدفع باتجاه اقرار قانون جديد للانتخابات التشريعية”.واعلن سلام "عن مد اليد الى جميع القيادات واعول على حكمتها لتحقيق هذه الغاية، وادعوها جميعا الى التنازل لصالح مشروع الدولة، والالتقاء حول الجوامع الوطنية المشتركة، ومعالجة الخلافات داخل المؤسسات الدستورية”، متوجها بالشكر والتقدير الى رئيس الجمهورية "الذي شاركني جهود التأليف بصبر ودأب، واظهر دائماً حكمةً وتبصراً، وحساً وطنياً عالياً”.وجاء في البيان: "بعد عشرة اشهر من المساعي الحثيثة، ولدت حكومة المصلحة الوطنية، التي هي حكومة جامعة، تمثل في المرحلة الراهنة، الصيغة الانسب للبنان، بما يواجهه من تحديات سياسية وامنية واقتصادية واجتماعية. لقد وزعت الحقائب الوزارية الاربع والعشرون في هذه الحكومة بما يحقق التوازن والشراكة الوطنية بعيدا عن سلبية التعطيل. كما تم اعتماد قاعدة المداورة، التي سعيت اليها منذ البداية، اي تحرير الحقائب من القيد الطائفي والمذهبي، باستثناء حقيبة نائب رئيس مجلس الوزراء، على امل ان يؤخذ بهذه المقاربة في التشكيل الحكومات مستقبلا. هذه الحكومة تتوفر فيها جميع العناصر الدستورية والميثاقية والقانونية والتمثيلية. وشُكلت الوطنية بروحية الجمع لا الفرقة والتلاقي لا التحدي”.اضاف: "ان هذه الخطوات تهدف الى تشكيل شبكة امان سياسي، وتسعى الى انجاز الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها وترسيخ الامن الوطني، والتصدي لكل انواع الارهاب. كما تسهل معالجة الملفات الاقتصادية والاجتماعية الشائكة، وابرزها تنامي اعداد النازحين من الاخوة السوريين، وما يلقيه من اعباء على لبنان. لقد لمسنا دعماً عربياً ودولياً لقيام هذه الحكومة، ونرجو ان يستمر هذا الدعم تعاوناً ايجابياً لما فيه مصلحة لبنان”.سابع «وزيرة» في تاريخ لبنان
خارجيات
بعد أطول أزمة تأليف وبـ «ضوء أخضر» إقليمي – دولي
إعلان حكومة «التعادل السياسي» في لبنان برئاسة سلام
02:50 م