لا يحتاج مجتمع الاعمال في الكويت إلى بذل جهد كبير لتحديد أولوياته مع قدوم الحكومة الجديدة، بعد أن أشعلت التحديات التي تواجه الاقتصاد المحلي النقاش في كل ديوانية تقريبا منذ بدء الحديث عن إعادة تشكيل الحكومة، فالجميع يعقد آمالاً كبيرة على وزير التجارة والصناعة الجديد عبدالمحسن المدعج لإنجاز العديد من الملفات الاقتصادية العالقة.ولعله قد يكون مناسبا في هذا الخصوص الإشارة إلى بعض الاستحقاقات التي يتعين على المدعج العمل عليها في الفترة المقبلة، أهمها العمل على تحسين مؤشرات سهولة أداء الأعمال في الكويت، فلطالما انتقدت المؤسسات الدولية وعلى رأسها البنك الدولي بيئة الأعمال المحلية على اساس انها باتت متخلفة عن التوجه العالمي، ولذلك أصبح من الأهمية بمكان العمل وعلى نطاق واسع لتهيئة المعطيات الاقتصادية المناسبة وتخفيف حدة الإجراءات والتشريعات أمام المستثمرين الراغبين في دخول الاقتصاد، وهنا بعض الأولويات:1 - لاتزال مسألة تحسين بيئة الأعمال من خلال جملة اجراءات مطلبا ملحا بانتظار الوافد الجديد إلى «التجارة»، وتحديدا في ما يخص مؤشر بدء المشاريع في الكويت، والتعامل مع التراخيص والتجارة عبر الحدود وحماية المستثمرين، فمن شأن تحسين هذه الإجراءات التأثير على المناخ الاستثماري في الدولة، خصوصا مع استحداث مشروعات تسهم في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، ما يؤمل منه احداث تأثير واسع على الاقتصاد المحلي.فالمسألة تتعلق بالحاجة من وزير التجارة والصناعة بالاستمرار في تحسين بيئة الأعمال عبر تخفيف الإجراءات المتبعة لمزاولة الأنشطة التجارية والتعامل مع التراخيص في الكويت، سواء من حيث الكم او من حيث عدد الأيام المطلوبة لإنجاز المعاملات التجارية، وآلية التعامل مع التراخيص بالقدر الذي يسهم في تسهيل الأعمال الاقتصادية، انسجاما مع دول الجوار والاسواق المتقدمة.2 - يتعين على المدعج تطبيق قانون الشركات بعد انتهاء فترة توفيق الأوضاع، وتحديدا في ما يتعلق بالتركيز على تنفيذ مبادئ الشفافية وتقديم ميزانيات الشركات في مواعيدها وعقد عمومياتها دون تأخير ومعاقبة المخالفين بطريقة رادعة تطمئن المستثمرين على وجود رقيب حقيقي يمارس مهامه كما تمارسه النواظم الرقابية في الأسواق الناشئة والمتقدمة، ومن جانب اخر هو مدعو للعمل على اقرار اللائحة التنفيذية للقوانين الاخرى، وفي مقدمتها لائحة صندوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة وغيرها من اللوائح قيد الإعداد، بالقدر الذي يحمل تحفيزات للشباب على الانتاج ولا يشجع على الخمول.3 - هناك محسن اخر لبيئة الاعمال لا يمكن اغفاله يتعلق بالجانب التشريعي، بما في ذلك انجاز قوانين الاعسار وانظمة الدائن/المدين «نظام الإفلاس والعلاقة بين الدائن والمدين»، والتي اطلع بنك الكويت المركزي، وزارة المالية، وزارة التجارة، وزارة العدل، إدارة الفتوى والتشريع، على مسوداتها الثلاث، والتي تتضمن مسودة العمل الأولى لقانون إعادة تأهيل الشركات وتصفيتها ومسودة العمل الأولى لقانون إعادة هيكلة الديون اختيارياً إضافة إلى مسودة العمل الأولى لتعديل القانون المنظم للمصالح الضمانية في الأصول المنقولة (الرهن التجاري للأصول المنقولة).4 - كذلك يتعين على وزير التجارة الجديد العمل على إنجازها، فتتعلق بفك التشابك الرقابي مع الجهات الرقابية وتحديدا مع هيئة اسواق المال، فهذا الملف اخذ الكثير من الوقت دون ان ينتهي رغم أهميته للشركات التي عانت من تشابك النواظم الرقابية، قاد إلى تعطيل منظومة العمل في هذه الشركات إلى حد ملموس.5 - ملف الهيئة العامة للصناعة ومشاكلها المتجذرة لن يكون أقل إلحاحاً من سابقه، وهي التي دفعت مديرها (الهيئة) السابق براك الصبيح إلى القول «لو كان ستيف جوبز هنا لفشل»، بالطبع التحديات التي يشكو منها الصناعيون معلومة للجميع، وهي أدت إلى تأخر القطاع الصناعي وخروجه من قطاعات الدخل الرئيسة في الكويت رغم أهميته.واذا كان الوزير الصالح استطاع ان يحدث فارقا ملحوظا مع مجلس إدارة «هيئة الصناعة» ومديرها السابق في معالجة بعض القضايا خصوصا في ما يتعلق بسحب الاراضي غير المستغلة من قبل اصحابها، دون التأثر باي ضغوط، الا ان ام العقد الصناعية لا تزال قائمة، وهي عدم استحداث قسائم صناعية قابلة للتوزيع، ما يهدد باستمرار وجود طابور طويل من طلبات الصناعيين، وهو الاعتبار الذي قاد ولا يزال مستثمري هذا القطاع إلى الهروب من الروتين عبر بوابة استغلال الاراضي غير الفاعلة واستئجارها من أصحابها، كما ينبغي العمل على استحداث مدن صناعية متكاملة لمساعدة الصناعيين الجادين على تنفيذ استراتيجية الدولة في جعل الناتج القومي 12 في المئة كما أعلنت سابقا، وفي هذه الحالة ستؤدي هذه المدن إلى قتل تجارة الاراضي، مع الاخذ في الاعتبار ضرورة الانتهاء من انشاء ما يسمى بالنافذة الواحدة في تخليص معاملات الصناعيين، والتخلص من معاناة الدورة المستندية غير الضرورية بين الوزارات.6 - على صعيد آخر، يتطلع مستثمرو المنطقة الحرة إلى أن تستمر وزارة التجارة في محاولتها لانهاء معاناة ما يقارب 270 قسيمة، و160 مستثمرا منذ فترة طويلة من تهديد مصالحهم وتعرضهم للطرد بسبب مخالفات يرون انهم غير مسؤولين عنها.بالطبع الجميع ينادي بتطبيق القانون على المخالفين، لكنه يتعين في المقابل مراعاة الظروف التي قادت هؤلاء المستثمرين إلى المخالفة، مع الإشارة إلى ان المنطقة الحرة في الكويت لا تتمتع بمواصفات المناطق الحرة في اي مكان في العالم، أقلها لجهة إقامتها من دون سور ما ينفي عنها صفات المناطق الحرة.نقطة اخيرة، لا تقل أهمية من حيث تأثيرها على منظومة العمل بالوزارة، وتتعلق هذه النقطة بالفريق الذي سيساعد الوزير في انجاز مهامه للمرحلة المقبلة، وهنا تتنامى الدعوات إلى المدعج في هذا الخصوص بضرورة ايلائه نوعا من العناية الادارية وتفعيل دور كل مسؤول بالوزارة بعد توزيع الصلاحيات عليهم وتحميلهم مسؤولية اي اخفاق، تفاديا لانفجار الخلافات «المكتومة» في ما بين الوكلاء ومع المديرين في الوقت الحالي.