الهند وصلت الى المريخ، ونحن للتو وصل رئيس وزرائنا الى الهند، لماذا؟
لان الهند اكبر دولة ديموقراطية حقيقية من حيث عدد السكان، ويمارسون ديموقراطية حقيقية، ويحاسبون رئيس الوزراء قبل الموظفين، واطاحوا بزعيمتهم التاريخية انديرا غاندي عندما حاولت ان تكون اكبر من الدولة والنظام، نعم مثلها مثل اي دولة في العالم الثالث، تعاني من الفساد والفقر والتخلف ولكن بامكانك ان تتفاءل لان هناك نظام دولة ومؤسسات حقيقية تحارب الفساد.
ولان الهند لا يوجد بها فقط سنة وشيعة، بل الاف المذاهب والاديان، تظلهم روح الهند، والكل يمارس طقوسه الدينية بحرية، نعم هناك متطرفون، وفي كل مكان في العالم متطرفون، ولكن في النهاية هناك مؤسسة ودولة تحمي الاقليات قبل الاكثرية، ومهما حصلت من فتنة لا يمكن للحكومة ان تجبن وتتصرف على هوى متطرفيها، ولا يمكن ان تمشي الحكومة «هاشتاق» في التويتر كحال حكومتنا الرشيدة.
في الهند رسميا ثلاث عشرة لغة مكتوبة، معترف بها رسميا، بخلاف اللغات واللهجات، ومع ذلك الكل يفهم على الكل، وفي بلادنا لا نستخدم الا لغة التخوين، والتكفير، والعنصرية، والاستعلاء على الاخرين!
ولان في الهند، عندما ينزل تقرير ديوان المحاسبة الهندي، لا توجد فيه ملايين الدنانير المفقودة، التي لا يعلم احد اين ذهبت، ولا وزارات تتقاعس عمدا من تحصيل اموالها من المتنفذين، لان المتنفذين هم من يعينون المسؤولين، او تكتشف فجاة بان المتنفذ هو نفسه مسؤول في الدولة، ولهذا يسامح نفسه بقرار من نفسه، لا احد يحاسب هنا لان نواب المجلس الذين يفترض فيهم الرقابة، لا يراقبون الا التافه من الامور.
لان في الهند، الحكومة ليست سخيفة الى درجة محاسبة شباب يرقصون في خيمة، فلا توجد في الهند جريمة تحت بند «رقص مختلط في خيمة»، حتى تقوم البلدية باصدار بيان، ثم تهديد ووعيد لانه في ناس ترقص، وتعتبر قضية حياة او موت، ويقتضي تدخل اجهزة الدولة كافة لحل هذه الجريمة... في الهند لا يوجد مثل هذا الغباء، فالكل يرقص ليلاً ونهاراً دون ان يخدش احد حياء الحكومة.
لان الهند يا سادة تحاول ان تحل مشكلة الفقر عن طريق خفض النفقات، وخفض اسعار المواد الغذائية وحتى التكنولوجية، ونجحت في ذلك، ثم نجحت في تصدير العقول المنتجة للعالم، ولا مكان للشهادات العليا المزيفة التي تزين جدران مسؤولين لا يعرفون القراءة والكتابة.
ولان الهند الهندوسية، رئيس جمهوريتها مسلم، ومن قبل كان من السيخ، وزوج رئيس وزرائها السابق انديرا غاندي مجوسي، والاب الروحي لبرنامجها النووي مسلم، لا احد يناقش الاخر في دينه ومذهبه واصله وفصله، ما دام يخدم بلاده اكثر من غيره.
لاشك ان الهند ليست جنة عدن، وبها من الامراض الكثير، ولكنها تتحرك، وتمضي الى الامام، ونحن كعادتنا الى الخلف.


جعفر رجب
jjaaffar@hotmail.com