| يوسف القعيد |
كل ما يبدأ بكلمة باب عند الكلام عن القاهرة... يعني أنه يشير لأحد أبواب القاهرة، في الوقت الذي أطلق فيه مسمى الباب على المكان.**
و«باب الحديد» كان أحد أبواب القاهرة، قبل إنشاء السكة الحديد... وتقول كتب التاريخ الاجتماعي للقاهرة إنه كان أحد مراسي نهر النيل على القاهرة... قبل أن يبتعد النهر كل المسافة الراهنة بين باب الحديد وبين كورنيش النيل، لأنه قبل أن تعرف البشرية عمليات رصف الطرق... كان النيل ينتقل من مكانه ببطء، لكنه كان يوفر مسافات كثيرة في عمليات الانتقال.
بالنسبة لي شخصيا، فإن باب الحديد يُعد أكثر من باب. منها محطة السكة الحديد التي وصلت من خلالها إلى القاهرة للمرة الأولى في النصف الأول من ستينات القرن الماضي، ومازالت هذه الزيارة البعيدة محفورة في العقل والوجدان. ولم أكن قد بلغت العشرين بعد من العمر. حيث يبقى للمرئيات وهج من نوع خاص يزداد تألقا مع مرور الأيام وكر الليالي.
وهناك باب آخر للحديد هو فيلم «باب الحديد»، والذي أخرجه يوسف شاهين، وأنتجه بديع صبحي وقام ببطولته يوسف شاهين، فريد شوقي وهند رستم وحسن البارودي، وكانت سنة إنتاج هذا الفيلم 1958. ومازال حتى الآن من كلاسيكيات السينما المصرية. قصة الفيلم تدور حول قناوي. لعب دوره في براعة وإتقان يوسف شاهين، لدرجة أن من شاهدوا الفيلم في ذلك الزمان البعيد. تصوروا أن يوسف شاهين ممكن أن يكون ممثلا أكثر من كونه مخرجا. أو أن يجمع بين الأمرين.
و«قناوي»، بائع جرائد يعاني من حالة عدم اتزان عقلي. إعجابه بهنومة يصل لحدود الهوس. ولا يدرك أن هنومة التي لعبت دورها هند رستم تشفق عليه. لكنها تنوي الزواج بآخر، وعندما تبدأ هنومة في الاستعداد للزواج، يقرر قتلها. لكنه يقتل فتاة أخرى عن طريق الخطأ ويحاول إلصاق التهمة بخطيب هنومة فريد شوقي، وفي النهاية يتم الإبلاغ عن قناوي كـ »مريض نفسي » ويتم الإيقاع به عن طريق حسن البارودي الذي كان يعتبره كأب له، يعتبر الفيلم درسا في الأداء البسيط ليوسف شاهين والإخراج المتميز في موقع تصوير صعب، ويعتبر أداء يوسف شاهين لدور قناوي من أفضل الأدوار التي قدمت في السينما المصرية.
ميدان رمسيس من أكثر ميادين مدينة القاهرة ازدحاما، وكذلك من أقلها مراعاة لفطنة التخطيط. توجد به محطة مصر وهي محطة القطارات المركزية إلى جميع مناطق جمهورية مصر العربية. كان به سابقا تمثال لرمسيس الثاني ونافورته الشهيرة إلا أنه تم نقله في العام 2006م.
كان ميدان رمسيس عبارة عن قرية تسمى «أم دنين»، وهذه القرية تمركز فيها الفاتحون العرب وأنشأوا بها مسجدا سمي بمسجد «أولاد عنان»، والذي أعاد بناءه في العصر الفاطمي الحاكم بأمر الله وسمي بجامع «المقس»، وتم هدم هذا المسجد من قبل الفرنسيين في الحملة الفرنسية على مصر، وهو نفسه مسجد الفتح حاليا.
وفي عهد محمد علي باشا، كان ميدان رمسيس عبارة عن متنزه بأمر من محمد علي، وفي عهد عباس الأول تم شق شارع رمسيس، والذي سمي- آنذاك- بشارع عباس الأول ووصل إلى منطقة «الريدانية» العباسية حاليا، كما أنشئت محطة مصر بعد توقيع الخديوي عباس لاتفاقية مع الحكومة الإنكليزية لإنشاء خط للسكك الحديد بين القاهرة والإسكندرية.
وقد ظل الشارع على هذا الاسم حتى عهد الملك فاروق الأول، حيث تغير اسم الشارع إلى شارع «الملكة نازلي» والدة الملك فاروق. وبعد وضع تمثال «نهضة مصر» في وسط الميدان للمثال المصري العالمي محمود مختار في عام 1926م، والذي أزاح عنه الستار سعد باشا زغلول سمي الميدان بميدان نهضة مصر وشارع نهضة مصر. وبعد قيام ثورة يوليو تم نقل تمثال نهضة مصر إلى جوار حديقة الحيوان بالجيزة، ثم وضع تمثال رمسيس الثاني، واستقر اسم شارع رمسيس وميدان رمسيس حتى الآن.
محطة مصر أو محطة رمسيس، هي محطة القطارات المركزية بمدينة القاهرة. تقع في ميدان رمسيس، وتنطلق من محطة مصر في القاهرة جميع أنواع القطارات على اختلاف درجاتها إلى جميع نواحي مصر.
يرجع إنشاء محطة مصر إلى أواسط القرن التاسع عشر عام 1853. وكان مبنى المحطة قد تم تشييده عند افتتاح أول خط سكة حديد في مصر في عام البناء نفسه لنقل الركاب ما بين القاهرة والإسكندرية، ثم جري توسعة المبنى مرتين، الأولى عام 1892، والثانية عام 1955. كان يطلق على محطة مصر في الماضي اسم باب الحديد.
لماذا أهتم بهذا المكان وأهفو إليه وأكتب عنه الآن؟ الحقيقة أن الأمكنة ليست صماء وأنها ترتبط بما يجري فيها من أحداث. وما إن جرت أحداث مسجد الفتح الذي عرف في التاريخ بمسجد أولاد عنان.
الأحداث الأخيرة التي جرت في ميدان رمسيس، جعلتني أستعيد المكان، وأعيد خلقه في ذاكرتي، أتعامل معه ككائن حي له وجود، أستحضر ذكرياتي الشخصية فيه، وفيما حوله من الأمكنة. فميدان رمسيس يعني بالنسبة لي موقف أحمد حلمي. الذي كنت أركب منه سيارات التاكسي عند السفر إلى قريتي والعودة منها. وميدان رمسيس يعني بالنسبة لي الفجالة. شارع المكتبات والأدوات المكتبية وأنواع الورق المختلفة.
وهو أيضا يعني بالنسبة لي شارع كلوت بك واللوكاندات الرخيصة التي كنا نقضي فيها ليلة عابرة، عندما نسافر إلى القاهرة ونضطر للمبيت بها، وميزة شارع كلوت بك أنه يبدأ من ميدان رمسيس وينتهي في العتبة، وكنت أحب المشي فيه وقت الظهر تحت البواكي. لأن البواكي كانت تضمن لي ظلا نادرا. ظلا مليئا بالهواء الطلق. لا يوجد مقهى في منطقة البواكي لم أجلس عليه لساعات طويلة.
سألت نفسي: هل تعني هذه الأمور قارئ صحيفة عربية؟، وقبل الإجابة، قلت لنفسي: إن الصفحة الثقافية التي تنشر فيها يقرأها مثقفون. كانت مصر ومازالت وأرجو أن تظل جزءا من أحلامهم وأحرف حياتهم وقدرتهم على الكتابة التي جاءت من قراءاتهم لكل ما كتب في مصر ونشر فيها. كان هذا في الزمان الماضي. ولكن ماذا عن الآن؟ وعن الأيام الآتية؟
كل ما يبدأ بكلمة باب عند الكلام عن القاهرة... يعني أنه يشير لأحد أبواب القاهرة، في الوقت الذي أطلق فيه مسمى الباب على المكان.**
و«باب الحديد» كان أحد أبواب القاهرة، قبل إنشاء السكة الحديد... وتقول كتب التاريخ الاجتماعي للقاهرة إنه كان أحد مراسي نهر النيل على القاهرة... قبل أن يبتعد النهر كل المسافة الراهنة بين باب الحديد وبين كورنيش النيل، لأنه قبل أن تعرف البشرية عمليات رصف الطرق... كان النيل ينتقل من مكانه ببطء، لكنه كان يوفر مسافات كثيرة في عمليات الانتقال.
بالنسبة لي شخصيا، فإن باب الحديد يُعد أكثر من باب. منها محطة السكة الحديد التي وصلت من خلالها إلى القاهرة للمرة الأولى في النصف الأول من ستينات القرن الماضي، ومازالت هذه الزيارة البعيدة محفورة في العقل والوجدان. ولم أكن قد بلغت العشرين بعد من العمر. حيث يبقى للمرئيات وهج من نوع خاص يزداد تألقا مع مرور الأيام وكر الليالي.
وهناك باب آخر للحديد هو فيلم «باب الحديد»، والذي أخرجه يوسف شاهين، وأنتجه بديع صبحي وقام ببطولته يوسف شاهين، فريد شوقي وهند رستم وحسن البارودي، وكانت سنة إنتاج هذا الفيلم 1958. ومازال حتى الآن من كلاسيكيات السينما المصرية. قصة الفيلم تدور حول قناوي. لعب دوره في براعة وإتقان يوسف شاهين، لدرجة أن من شاهدوا الفيلم في ذلك الزمان البعيد. تصوروا أن يوسف شاهين ممكن أن يكون ممثلا أكثر من كونه مخرجا. أو أن يجمع بين الأمرين.
و«قناوي»، بائع جرائد يعاني من حالة عدم اتزان عقلي. إعجابه بهنومة يصل لحدود الهوس. ولا يدرك أن هنومة التي لعبت دورها هند رستم تشفق عليه. لكنها تنوي الزواج بآخر، وعندما تبدأ هنومة في الاستعداد للزواج، يقرر قتلها. لكنه يقتل فتاة أخرى عن طريق الخطأ ويحاول إلصاق التهمة بخطيب هنومة فريد شوقي، وفي النهاية يتم الإبلاغ عن قناوي كـ »مريض نفسي » ويتم الإيقاع به عن طريق حسن البارودي الذي كان يعتبره كأب له، يعتبر الفيلم درسا في الأداء البسيط ليوسف شاهين والإخراج المتميز في موقع تصوير صعب، ويعتبر أداء يوسف شاهين لدور قناوي من أفضل الأدوار التي قدمت في السينما المصرية.
ميدان رمسيس من أكثر ميادين مدينة القاهرة ازدحاما، وكذلك من أقلها مراعاة لفطنة التخطيط. توجد به محطة مصر وهي محطة القطارات المركزية إلى جميع مناطق جمهورية مصر العربية. كان به سابقا تمثال لرمسيس الثاني ونافورته الشهيرة إلا أنه تم نقله في العام 2006م.
كان ميدان رمسيس عبارة عن قرية تسمى «أم دنين»، وهذه القرية تمركز فيها الفاتحون العرب وأنشأوا بها مسجدا سمي بمسجد «أولاد عنان»، والذي أعاد بناءه في العصر الفاطمي الحاكم بأمر الله وسمي بجامع «المقس»، وتم هدم هذا المسجد من قبل الفرنسيين في الحملة الفرنسية على مصر، وهو نفسه مسجد الفتح حاليا.
وفي عهد محمد علي باشا، كان ميدان رمسيس عبارة عن متنزه بأمر من محمد علي، وفي عهد عباس الأول تم شق شارع رمسيس، والذي سمي- آنذاك- بشارع عباس الأول ووصل إلى منطقة «الريدانية» العباسية حاليا، كما أنشئت محطة مصر بعد توقيع الخديوي عباس لاتفاقية مع الحكومة الإنكليزية لإنشاء خط للسكك الحديد بين القاهرة والإسكندرية.
وقد ظل الشارع على هذا الاسم حتى عهد الملك فاروق الأول، حيث تغير اسم الشارع إلى شارع «الملكة نازلي» والدة الملك فاروق. وبعد وضع تمثال «نهضة مصر» في وسط الميدان للمثال المصري العالمي محمود مختار في عام 1926م، والذي أزاح عنه الستار سعد باشا زغلول سمي الميدان بميدان نهضة مصر وشارع نهضة مصر. وبعد قيام ثورة يوليو تم نقل تمثال نهضة مصر إلى جوار حديقة الحيوان بالجيزة، ثم وضع تمثال رمسيس الثاني، واستقر اسم شارع رمسيس وميدان رمسيس حتى الآن.
محطة مصر أو محطة رمسيس، هي محطة القطارات المركزية بمدينة القاهرة. تقع في ميدان رمسيس، وتنطلق من محطة مصر في القاهرة جميع أنواع القطارات على اختلاف درجاتها إلى جميع نواحي مصر.
يرجع إنشاء محطة مصر إلى أواسط القرن التاسع عشر عام 1853. وكان مبنى المحطة قد تم تشييده عند افتتاح أول خط سكة حديد في مصر في عام البناء نفسه لنقل الركاب ما بين القاهرة والإسكندرية، ثم جري توسعة المبنى مرتين، الأولى عام 1892، والثانية عام 1955. كان يطلق على محطة مصر في الماضي اسم باب الحديد.
لماذا أهتم بهذا المكان وأهفو إليه وأكتب عنه الآن؟ الحقيقة أن الأمكنة ليست صماء وأنها ترتبط بما يجري فيها من أحداث. وما إن جرت أحداث مسجد الفتح الذي عرف في التاريخ بمسجد أولاد عنان.
الأحداث الأخيرة التي جرت في ميدان رمسيس، جعلتني أستعيد المكان، وأعيد خلقه في ذاكرتي، أتعامل معه ككائن حي له وجود، أستحضر ذكرياتي الشخصية فيه، وفيما حوله من الأمكنة. فميدان رمسيس يعني بالنسبة لي موقف أحمد حلمي. الذي كنت أركب منه سيارات التاكسي عند السفر إلى قريتي والعودة منها. وميدان رمسيس يعني بالنسبة لي الفجالة. شارع المكتبات والأدوات المكتبية وأنواع الورق المختلفة.
وهو أيضا يعني بالنسبة لي شارع كلوت بك واللوكاندات الرخيصة التي كنا نقضي فيها ليلة عابرة، عندما نسافر إلى القاهرة ونضطر للمبيت بها، وميزة شارع كلوت بك أنه يبدأ من ميدان رمسيس وينتهي في العتبة، وكنت أحب المشي فيه وقت الظهر تحت البواكي. لأن البواكي كانت تضمن لي ظلا نادرا. ظلا مليئا بالهواء الطلق. لا يوجد مقهى في منطقة البواكي لم أجلس عليه لساعات طويلة.
سألت نفسي: هل تعني هذه الأمور قارئ صحيفة عربية؟، وقبل الإجابة، قلت لنفسي: إن الصفحة الثقافية التي تنشر فيها يقرأها مثقفون. كانت مصر ومازالت وأرجو أن تظل جزءا من أحلامهم وأحرف حياتهم وقدرتهم على الكتابة التي جاءت من قراءاتهم لكل ما كتب في مصر ونشر فيها. كان هذا في الزمان الماضي. ولكن ماذا عن الآن؟ وعن الأيام الآتية؟