| عبدالعزيز صباح الفضلي |
لا تزال المرأة والفتاة المسلمة تضرب أروع الأمثلة في الثبات على الحق ونصرة أهله منذ عهد النبوة إلى يومنا هذا، ولعل من أسماء النساء اللافتة من تسمو باسم أسماء.
فمن منا لا يعرف أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنها وعن أبيها، والتي شاركت في نصرة راية الإسلام منذ بداية نزول الوحي على الرسول عليه الصلاة والسلام إلى أن توفاها الله تعالى في زمن حكم بني أمية.
أسماء التي حازت على شرف لقب ذات النطاقين بسبب مشاركتها في نجاح هجرة النبي عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة فقد كانت تخاطر بحياتها من أجل إيصال الطعام والشراب إلى الرسول ووالدها وهما في الغار، ولقبت بذات النطاقين بسبب قيامها بشق نطاقها إلى نصفين كي تتمكن من حمل الطعام به.
واستمرت أسماء بنت الصديق في الوقوف في وجه الباطل عندما ثار ولدها عبدالله بن الزبير في وجه ظلم يزيد بن معاوية وأبى بيعته، ما دفعه إلى إرسال جيش لقتاله عند الكعبة وظل ابن الزبير ثابتا على موقفه وحوله آلاف الرجال ممن ناصروه وأيدوه، وتم رمي ابن الزبير وهو متحصن بجوار الكعبة بالمنجنيق وقُتل من أصحابه الكثير إلا أنه بقي صابرا ثابتا، ثم مات يزيد وتولى الحكم عبدالملك بن مروان فبعث الحجاج لقتال ابن الزبير فحاصر الحرم ورماه بالمنجيق ومنع عن الناس الطعام واشتد الخطب في الناس إلا أن ابن الزبير ظل ثابتا على موقفه، وأمه أسماء تؤيده وتناصره وتثبته على موقفه، وتحذره من التنازل عن مبدئه ولو كان الثمن حياته، وكان من آخر كلماتها له: «يا بني لا تقبلن منهم خطة تخاف فيها على نفسك الذلة مخافة القتل، فوالله لضربة سيف في عز خير من ضربة سوط في المذلة. فقال لعلهم يمثلون بجثتي بعد قتلي، فقالت : وهل يضر الشاة سلخها بعد ذبحها».
فخرج ابن الزبير من عند أمه وهو يحث أصحابه على القتال وعدم الاستسلام، وكان يقول لهم والله لو وجدوكم تحت أستار الكعبة لقتلوكم، وأنشد قائلا:
ولست بمبتاع الحياة بسبة... ولا مرتق من خشية الموت سلما
وظل ابن الزبير يقاتل جيش الحجاج قتال الأبطال ولم يتمكنوا منه إلا بعد أن رُمي بحجر ضخم من ورائه فأصابه فوقع فاجتمعوا عليه فقتلوه.
وجاء الحجاج فقطع رأس عبدالله بن الزبير، وبعث به إلى عبدالملك بن مروان، وصلب جثته، وبقيت كذلك لأيام حتى جاءت أسماء إلى جثته وقالت «أما آن لهذا الفارس أن يترجّل، فأُذن لها بدفنه».
وجاء الحجاج شامتا وقال لأسماء أرأيت كيف صنعنا بعدو الله؟ فأجابته بما أخرسه «رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك».
أسماء البلتاجي هي ابنة القيادي في جماعة الاخوان المسلمين الدكتور محمد البلتاجي، هي من الفتيات اللائي وقفن في وجه الظلم في مواقع كثيرة، كانت من الناشطات في ميدان التحرير بعد ثورة 25 يناير ضد الرئيس المخلوع حسني مبارك، ووقفت موقف المجاهدات الأبطال في ميدان رابعة العدوية، وظلت صامدة حتى نالت شرف الشهادة بإذن الله برصاصات غادرة أثناء فض اعتصام رابعة، هي فتاة لم تتجاوز السابعة عشرة لكنها خلدت اسمها بصمودها، لم يتمكن والدها من حضور جنازتها والصلاة عليها حيث كان ملاحقا ساعتها ولعل ما كتبه والدها في رثائها أشجى القلوب وأدمع العيون.
بنت الصديق وبنت البلتاجي أسماء لمعت في البطولة والشجاعة، ويصدق في هؤلاء الأبطال من النساء قول الشاعر:
ولو أن النساء كمن رأينا... لفُضّلت النساء على الرجال
فرحم الله أسماء البلتاجي ومن هن على دربها وأسكنهن الفردوس الأعلى وأبقى ذكرها في الخالدين.
 
twitter : @abdulaziz2002