| كمال علي الخرس |
بينما كان العالم يتهيأ لجولة من المفاوضات في جنيف لحل أزمة الدماء النازفة في سورية، يتم اثارة زوبعة استخدام السلاح الكيماوي، وعلى ضوئها يتم تجهيز الأساطيل الحربية ليحبس العالم أنفاسه بحرب من السهل اشعال فتيلها، لكن من الصعب معرفة اثارها ومداها.
لاعبون كبار من الغرب تسيدوا العالم طويلا، سادوا الدنيا وسيطروا على الثروات في الأرض تتشكل امامهم الان جبهة جديدة تتحدى نفوذهم، جبهة تبدأ في قلب العالم وتكاد لا تنتهي على امتداد أفق مشرقي واسع.
جبهة عظمى سيطرت على البحار لفترة من الزمن واستحوذت على الثروات، وزاد قبل اكثر من عقدين نفوذها بعد انهيار غريمها السوفييتي، فاستفردت بالأرض وأصبحت صاحبة القرار الاول والأخير بلا منازع لفترة من الزمن.
لكن أمام هذه الجبهة وقريب من وليدة حضارتها إسرائيل بدأت بالتشكل جبهة أخرى جبهة تمتد الى المشرق، يربطها جغرافيا حدود معقدة وحساسة، وحضارات عائدة تتطلع للحد من النفوذ الغربي. لاعبون مخضرمون كبار، ولاعبون جدد يكبرون مع الزمن، وساحة المواجهة منطقة هي قلب العالم، أو كما يراها ويسميها الغرب الشرق الاوسط.
الآن في سورية تحوم غيوم الحرب بين هاتين الجبهتين، ولكل منهما ما يكفيه من قوة وعتاد للمواجهة، مواجهة قد تكون طويلة، لكن الجبهة الغربية أعتى كما هو ظاهر لكنها منهكة من حروب كلفتها الكثير ماديا وبشريا، ومكبلة بأزمة مالية لا يعرف متباعد قعرها، وحرب غير مضمونة النتائج، لا تنعش أي اقتصاد حتى ولو كان هذا الاقتصاد يعتاش على الحروب.
لقد أخطأ بعض من في الغرب، عندما اهملوا قراءة المتغيرات على الأرض، متغيرات وحقائق تحد من تحركهم، ولعل البعض منهم قرأ الحقائق واتخذوا على اساسها خط رجعة عسى ان يصمدوا عليه قبل ان يتم جرهم للحرب مكرهين.
لقد قرأ البعض في الغرب ما يحصل من متغيرات من حزب جابه اسرائيل لأكثر من شهر وأمطرها بالآلاف من الصواريخ وحاولت القوى الغربية ان تخنق الدولة الكبيرة التي تسانده والتي لم ينفع في مجابهتها لا حرب ولا حصار، ومن خلفهما الصين التى اصبحت قوة اقتصادية كبرى، بالإضافة الى قوتها العسكرية، ومن خلفهم روسيا العملاق الذي فاق من غيبوبته.
لقد قرأ الغرب، لكن لم ينتبه صانعو القرار العرب، الى ما تعني عودة بوتين، بعد حملة انتخابية كان شعارها عودة روسيا قوية بفائض اقتصادي وبشعارات تقول لأميركا لا لمعاملة السيد والخادم.
ويبدو ان الغرب قرأوا ايضا مقالات لافروف الداهية الروسي، الذي حذر من تدخل غربي جديد على غرار ما حدث في ليبيا ووضع «فيتو» على أي تفويض اممي لاستخدام القوة في اسقاط الانظمة، ولعل الغرب قرأ أيضا خطاب بوتين لمجلس الدوما والذي تحدث فيه عن تطلع روسي جديد لتمدد جيوبوليتيكلي، يدعمه توسعة في اساطيلها فيما وراء المحيطات.
فهل قرأ صانعو القرار العرب المتغيرات، وخصوصا الجامعة العربية التى ما عادت جامعة للشعوب العربية، بل اصبحت محل تنافس لخدمة سياسات دولة دون أخرى، حتى باتت الجامعة بعيدة عن موقعها كجامعة للعرب كافة، مدافعة عن مصالحهم وعن امنهم.
مشكلة الجامعة كمشكلة الدول العربية، أنها لا تقرأ المتغيرات، وهي وان قرأت فإنها تقرأ ما تحب ان ترى وتسمع هي وكثير من الفضائيات والصحف العربية.
الغربي يقرأ أفضل ويرى أوضح فقد رأى الجثث الملقاة على الطرقات في حلبجة عام 1988، ولكنه جعل الدمع يجمد في المآقي، وما أذابها حتى ذرفت إلا سخونة غزو الكويت عام 1990. اما اكثر العرب والقصد هنا الحكومات ووسائل الاعلام والمسؤولين على الأغلب فإنهم لم يسمعوا ولم ينطقوا ولم يروا شيئا في حلبجة إلا ما ينطق به أو يعرضه النظام العراقي البائد، ولكن أعينهم عجبا ذرفت الدمع مع الغرب عامي 1990 وحتى عام 2013، مع ان الدم المسال والحناجر المخنوقة اشقاء اكراد على ارض دولة عربية، لكن ما الفعل مع عقلية لا اريكم إلا ما أرى هنا كيف ترى الناس الحقائق، وكيف يتم اتخاذ القرارات الصائبة، الغرب يرى ما يخدم مصالحه وان كانت خلاف المبدأ والإنسانية، اما الرؤية العربية فمضللة والقرار العربي في مجمله تائه.
أول ما بدأت الازمة في سورية كان هناك حسب الظاهر حكم متسلط غير شعبي، وجمهور يتوق للحرية وللمشاركة الشعبية في الحكم، بعدها بأشهر تحولت المطالب الشعبية الى مواجهات مسلحة وميليشيات، وتحول بعدها كثير من الميليشيات الى عناصر تقتل على الهوية، وبين هذه العناصر المسلحة قوى متطرفة معروفة، واخذ الصراع يمتد حتى بين هذه الجماعات المسلحة المعارضة، والغريب ان من يدعمها بإصرار لإسقاط النظام في سورية، اهمل خطورة تفخيخ المنطقة بعناصر فوضوية اجرامية قد تهدد استقرار دول المنطقة في المستقبل.
هنا بعض وسائل الاعلام في الغرب اهتزت حميتها، او الاصح شعرت بالخطر على الامن في دولها، فأخذت تنتقد تصرفات بعض الجماعات المسلحة المعارضة، اما وسائل الاعلام العربية والدول الداعمة للمعارضة فهي في غفلة من انه لا يمكن أن يكون التطرف والإجرام صديقا في المستقبل، ولم تعمل على اعادة النظر في مراجعة الاساليب في اسقاط خصمها في دمشق، بل أوغلت بكل حيلة في الخصومة، ليستمر تقطيع الأوصال العربية بسكاكين عربية.
alzoor3@yahoo.com
بينما كان العالم يتهيأ لجولة من المفاوضات في جنيف لحل أزمة الدماء النازفة في سورية، يتم اثارة زوبعة استخدام السلاح الكيماوي، وعلى ضوئها يتم تجهيز الأساطيل الحربية ليحبس العالم أنفاسه بحرب من السهل اشعال فتيلها، لكن من الصعب معرفة اثارها ومداها.
لاعبون كبار من الغرب تسيدوا العالم طويلا، سادوا الدنيا وسيطروا على الثروات في الأرض تتشكل امامهم الان جبهة جديدة تتحدى نفوذهم، جبهة تبدأ في قلب العالم وتكاد لا تنتهي على امتداد أفق مشرقي واسع.
جبهة عظمى سيطرت على البحار لفترة من الزمن واستحوذت على الثروات، وزاد قبل اكثر من عقدين نفوذها بعد انهيار غريمها السوفييتي، فاستفردت بالأرض وأصبحت صاحبة القرار الاول والأخير بلا منازع لفترة من الزمن.
لكن أمام هذه الجبهة وقريب من وليدة حضارتها إسرائيل بدأت بالتشكل جبهة أخرى جبهة تمتد الى المشرق، يربطها جغرافيا حدود معقدة وحساسة، وحضارات عائدة تتطلع للحد من النفوذ الغربي. لاعبون مخضرمون كبار، ولاعبون جدد يكبرون مع الزمن، وساحة المواجهة منطقة هي قلب العالم، أو كما يراها ويسميها الغرب الشرق الاوسط.
الآن في سورية تحوم غيوم الحرب بين هاتين الجبهتين، ولكل منهما ما يكفيه من قوة وعتاد للمواجهة، مواجهة قد تكون طويلة، لكن الجبهة الغربية أعتى كما هو ظاهر لكنها منهكة من حروب كلفتها الكثير ماديا وبشريا، ومكبلة بأزمة مالية لا يعرف متباعد قعرها، وحرب غير مضمونة النتائج، لا تنعش أي اقتصاد حتى ولو كان هذا الاقتصاد يعتاش على الحروب.
لقد أخطأ بعض من في الغرب، عندما اهملوا قراءة المتغيرات على الأرض، متغيرات وحقائق تحد من تحركهم، ولعل البعض منهم قرأ الحقائق واتخذوا على اساسها خط رجعة عسى ان يصمدوا عليه قبل ان يتم جرهم للحرب مكرهين.
لقد قرأ البعض في الغرب ما يحصل من متغيرات من حزب جابه اسرائيل لأكثر من شهر وأمطرها بالآلاف من الصواريخ وحاولت القوى الغربية ان تخنق الدولة الكبيرة التي تسانده والتي لم ينفع في مجابهتها لا حرب ولا حصار، ومن خلفهما الصين التى اصبحت قوة اقتصادية كبرى، بالإضافة الى قوتها العسكرية، ومن خلفهم روسيا العملاق الذي فاق من غيبوبته.
لقد قرأ الغرب، لكن لم ينتبه صانعو القرار العرب، الى ما تعني عودة بوتين، بعد حملة انتخابية كان شعارها عودة روسيا قوية بفائض اقتصادي وبشعارات تقول لأميركا لا لمعاملة السيد والخادم.
ويبدو ان الغرب قرأوا ايضا مقالات لافروف الداهية الروسي، الذي حذر من تدخل غربي جديد على غرار ما حدث في ليبيا ووضع «فيتو» على أي تفويض اممي لاستخدام القوة في اسقاط الانظمة، ولعل الغرب قرأ أيضا خطاب بوتين لمجلس الدوما والذي تحدث فيه عن تطلع روسي جديد لتمدد جيوبوليتيكلي، يدعمه توسعة في اساطيلها فيما وراء المحيطات.
فهل قرأ صانعو القرار العرب المتغيرات، وخصوصا الجامعة العربية التى ما عادت جامعة للشعوب العربية، بل اصبحت محل تنافس لخدمة سياسات دولة دون أخرى، حتى باتت الجامعة بعيدة عن موقعها كجامعة للعرب كافة، مدافعة عن مصالحهم وعن امنهم.
مشكلة الجامعة كمشكلة الدول العربية، أنها لا تقرأ المتغيرات، وهي وان قرأت فإنها تقرأ ما تحب ان ترى وتسمع هي وكثير من الفضائيات والصحف العربية.
الغربي يقرأ أفضل ويرى أوضح فقد رأى الجثث الملقاة على الطرقات في حلبجة عام 1988، ولكنه جعل الدمع يجمد في المآقي، وما أذابها حتى ذرفت إلا سخونة غزو الكويت عام 1990. اما اكثر العرب والقصد هنا الحكومات ووسائل الاعلام والمسؤولين على الأغلب فإنهم لم يسمعوا ولم ينطقوا ولم يروا شيئا في حلبجة إلا ما ينطق به أو يعرضه النظام العراقي البائد، ولكن أعينهم عجبا ذرفت الدمع مع الغرب عامي 1990 وحتى عام 2013، مع ان الدم المسال والحناجر المخنوقة اشقاء اكراد على ارض دولة عربية، لكن ما الفعل مع عقلية لا اريكم إلا ما أرى هنا كيف ترى الناس الحقائق، وكيف يتم اتخاذ القرارات الصائبة، الغرب يرى ما يخدم مصالحه وان كانت خلاف المبدأ والإنسانية، اما الرؤية العربية فمضللة والقرار العربي في مجمله تائه.
أول ما بدأت الازمة في سورية كان هناك حسب الظاهر حكم متسلط غير شعبي، وجمهور يتوق للحرية وللمشاركة الشعبية في الحكم، بعدها بأشهر تحولت المطالب الشعبية الى مواجهات مسلحة وميليشيات، وتحول بعدها كثير من الميليشيات الى عناصر تقتل على الهوية، وبين هذه العناصر المسلحة قوى متطرفة معروفة، واخذ الصراع يمتد حتى بين هذه الجماعات المسلحة المعارضة، والغريب ان من يدعمها بإصرار لإسقاط النظام في سورية، اهمل خطورة تفخيخ المنطقة بعناصر فوضوية اجرامية قد تهدد استقرار دول المنطقة في المستقبل.
هنا بعض وسائل الاعلام في الغرب اهتزت حميتها، او الاصح شعرت بالخطر على الامن في دولها، فأخذت تنتقد تصرفات بعض الجماعات المسلحة المعارضة، اما وسائل الاعلام العربية والدول الداعمة للمعارضة فهي في غفلة من انه لا يمكن أن يكون التطرف والإجرام صديقا في المستقبل، ولم تعمل على اعادة النظر في مراجعة الاساليب في اسقاط خصمها في دمشق، بل أوغلت بكل حيلة في الخصومة، ليستمر تقطيع الأوصال العربية بسكاكين عربية.
alzoor3@yahoo.com