| علي الرز |
لم تنقض 24 ساعة على كلام الرئيس اللبناني ميشال سليمان بأن «البندقية ستكون فقط في مواجهة العدو ولن نسمح ان تكون لها وجهة أخرى»، حتى انتشرت البندقية ومعها ابنة عمها القاذفة «بي سفن» في كورنيش المزرعة في بيروت لمواجهة خطاب قسم جاء «طموحا» في ما يتعلق بالاستراتيجية الدفاعية رغم محاولات صاحب الخطاب تعمد «التواضع» في هذه النقطة الى اقصى الحدود.الهدف الاول من هذه المبالغة في الانتشار المسلح والاعتداء على المدنيين هو لجم «الطموح» وابقاؤه في حدود الخيار واعلاء شأن «التواضع» الى مستوى القرار. فدخول بيروت المسلح ليس كمثل الخروج منها بضمانة رئيس توافقي جهد وتعب كي يعكس فرضية لا غالب ولا مغلوب. هناك فريق يعتبر نفسه غالبا بكل المقاييس ومستعد للمضي في «نصره» الى حدود انهيار الدولة اللبنانية ما دامت هذه الدولة «غير عادلة وغير قادرة وغير حامية لظهر المقاومة». فريق يعتبر نفسه السلطة فعليا أما الدولة فسلطتها «اكسسوار» مكمل له يمكنها، من وجهة نظره، بناء سياسة عامة متناغمة مع سلطته.هذا «الانتصار» عبرت عنه المعارضة بكل اطيافها. بعمودها الفقري المتمثل في «حزب الله» والاطراف الاخرى المكونة لجسدها. بعضهم «منن» اللبنانيين بأنه لم يتسلم السلطة رغم ان كل المقاومات المنتصرة تفعل ذلك. بعضهم فصل بروتوكولات ومخارج دستورية وقانونية على قياس الامر الواقع. بعضهم اعتبر انه الزعيم الاكبر في طائفته وان هذا الموقع يسمح له بأن يكون اقوى في المعادلة السياسية من رئيس الجمهورية والزعيم الروحي للطائفة. بعضهم اعتبر انه صاحب حق في الحكومة المقبلة رغم ان التمثيل الشعبي اسقطه. بعضهم صار يطلق النار شرقا وغربا على الدول العربية التي احتضنت لبنان في عز ازماته واستقبلت اللبنانيين وامنت لهم الاقامة المستقرة والحياة الكريمة. بعضهم يمهد يوميا لقيام دولة اخرى تستمد قوانينها من تعهدات الزعيم و«حكمته» وضمانات القائد وتتوزع سلطاتها على الممثلين الملتزمين «الخط العروبي الاسلامي المقاوم الممانع». بعضهم يعتبر القرارات الدولية والتعهدات الاممية مثل حذائه... وفي ظل ذلك كله يأتي من يواجه بسلاح انه «ام الصبي»، وبأن مشروع اجتياح بيروت لن يصرف في المعادلة السياسية، وبأن المظلة العربية – الدولية تضمن الاتفاق والحوار، ثم يأتي ايضا خطاب القسم ليقول إن «البندقية ستكون فقط في مواجهة العدو ولن نسمح ان تكون لها وجهة أخرى».قبل اجتياح بيروت واتفاق الدوحة، كان الزعيم الموالي او المعارض يخطب فتطلق النار في الهواء. بعد احتفالية الانتخاب وقبل ان يجف حبر التواقيع حصلت مبالغة في اطلاق النار والظهور المسلح في كورنيش المزرعة بينما يفرض ان يحصل العكس. اصيب 20 لبنانيا بجروح متفرقة بعضها من الرصاص الطائش وبعضها الآخر من الاعتداء الجسدي. الرسالة واضحة لمن يريد ان يفهم: السلاح «الملتزم» لتحرير شبعا واطلاق الاسرى لا تقترب منه ولا تتحدث عنه والا فسيأتيك السلاح «المنفلت» لتحرير بيروت... واسر العاصمة. الاستراتيجية الدفاعية ابقوها خارج رؤوسكم والا فستبحثون فيها والمسدس مصوب على رؤوسكم. مشروع المقاومة اكبر من قدرات الدولة ومرتبط بمنظومة اقليمية شديدة التعقيد والحساسيات وما عليك كي تتهادن معه إلا ان تكون علاقاتك، كدولة، ممتازة مع هذه المنظومة الاقليمية في اطار المسار والمصير. والاهم ان نظرية «لا غالب ولا مغلوب» تنفع لتطييب الخواطر في السياسة ولا ضرورة لأن نصدقها.ومع ذلك فحسابات اهل السلاح بحاجة سريعة الى اعادة نظر، لان ما حصل في كورنيش المزرعة هو استمرار للنشوة بانتصار السلاح على اهله. تكملة لتحويل المقاومة الى ميليشيا وعلى يد اهل المقاومة. تتمة للسياسة الشبيهة بالرصاص الطائش حيث استعراض القوة يؤذي صاحبه على المدى الطويل والرصاصة المرتدة لا تميز بين هوية سياسية واخرى. ما حصل عملية قهر ضد مواطن اعزل يعرف انه يدفع ثمن الالتزام بمشروع الدولة وثمن العجز السياسي والاخلاقي والحضاري والعملي عن الالتحاق بمشروع آخر... بل يعرف ان من بين اهداف ما حصل ويحصل دفعه الى تمني عودة نظام الوصاية – اي وصاية – ما دامت غطرسة الشريك بلا حدود.انتصار اللبنانيين في اتفاق الدوحة تمثل في انه نقل المشاكل من الشارع الى المؤسسات، وخطاب المعارضة اللبنانية (اللفظي والمسلح) ما زال راغبا في نقل المؤسسات الى الشارع... وحتى تستقيم اتفاقية الهدنة الداخلية ستبقى مزارع شبعا مرتبطة بكورنيش المزرعة في وحدة مسار ومصير، لان تلازم المسارين في هذا الاطار ضرورة لتذكير من يجب تذكيره بأن «التواضع» اجدى من «الطموح».