لا تجد وزيرة الخارجية الاميركية مادلين أولبرايت أي حرج في ممارسة سياسة مزدوجة المعايير مع العالم العربي. فهي حاسمة في ما يتعلق بنظام صدام حسين ومستقبل العراق وجازمة في دعوتها الى امتثاله لقرارات الأمم المتحدة. وصريحة في اعتقادها باستحالة التعايش مع نظامه بل ضرورة التعامل مع نظام بديل. لكن أولبرايت نفسها صاحبة المواقف المبدئية تراها في صورة أخرى حين يتعلق الأمر بإسرائيل، أي حين يتوجب ان تلتزم الولايات المتحدة تعهداتها في عملية السلام في الشرق الأوسط وتلعب دور الوسيط النزيه.
أن تكون أولبرايت أو الادارة الاميركية متعاطفة مع اسرائيل أمر لا يدعو الى الغرابة، فهو موقف اميركي ثابت وتقليدي لا جديد فيه، أما ان تكون الولايات المتحدة متعاطفة مع بنيامين نتنياهو الساعي الى تخريب عملية السلام التي لم تقم أصلا لولا واشنطن، فهو أمر لا يدعو الى الفخر ولا يسجل نقطة بيضاء في سجل أولبرايت كونه ليس في مصلحة الولايات المتحدة أولا وليس في مصلحة العرب وإسرائيل ثانيا، وليس عامل استقرار في النظام الدولي الجديد.
نستطيع ان نصفق لأولبرايت وللإدارة الاميركية حين تصر على ردع طاغية بغداد وحين تُفشل محاولات عربية لترميم علاقات واشنطن به. لكننا لا نملك سوى مشاعر الخيبة والرفض حين تنجرّ الادارة الاميركية الى مواقف ليكود فتطالب السلطة الفلسطينية بمقاومة الارهاب بدل ان تطالب بوقف الاستيطان لمنع إثارة الارهاب، وتطالب العرب بمتابعة التطبيع وفتح البعثات في حين تقوّض تل أبيب العملية السلمية وتضرب بعرض الحائط أسس مؤتمر مدريد ومبدأ الأرض في مقابل السلام.
واضح ان واشنطن قررت التعامل مع العالم العربي بالمفرَّق والتجزئة، فهنا التزام بالقانون الدولي وباحترام حقوق دول المنطقة في حدود آمنة وبضمان حرية شعوبها، وهو أمر تشكر عليه رغم ان مصالحها تقتضيه، وهناك خروج على القانون الدولي واستخدام للفيتو وتجاهل لاحترام حق الفلسطينيين في دولتهم وأرضهم وحق السوريين واللبنانيين في أراضيهم المحتلة. وفي هذه السياسة ازدواجية فاضحة وتقسيم للعالم العربي قاسٍ ومبالغ فيه ولا يمكن ان يعطي نتائج إيجابية لواشنطن وسياساتها. غير ان اللوم لا يقع على واشنطن وحدها، بل على العرب أيضا الذين فشلوا في إظهار وحدة مواقفهم في القضايا الأساسية التي تهمهم وتهم أمنهم وشعوبهم. ورُب قائل انهم إذا لم يتمكنوا من الاتفاق على جزر حوار وفشت الديبل فكيف يستطيعون فرض رأيهم على القوة العظمى الوحيدة في العالم ومنع الإدارة الاميركية من تقسيمهم فئات على كل واحدة يسري قانون مختلف؟
لا تحتاج الولايات المتحدة الى جهد كبير حين تريد الاستماع الى صوت العقل والإصغاء الى المنطق السليم. فبين أصدقائها في العالم العربي عديدون تجاوبوا مع رغبتها في البدء بتطبيع العلاقات مع اسرائيل، وهم أصحاب مواقف معتدلة ورزينة لا تأخذهم عصبية ولا حمية، لكن مواقفها أحرجتهم فأخرجتهم. وكلام وزير الدولة العماني يوسف بن علوي خير دليل الى ذلك، ففي دعوته الدول العربية الى إعادة النظر في اجراءات التطبيع بسبب تخلف الدولة العبرية عن الوفاء بالتزاماتها رسالة يجب على واشنطن ان تقرأها بتمعن، مثلما يجب ان تستخلص العبر من بيان لجنة القدس الواعي والحازم ومن إعلان وزير الخارجية القطري استعداد بلاده لإغلاق مكتبها التجاري في إسرائيل إذا اتخذت الجامعة العربية قراراً بذلك. لا يكفي أن تتعاطف أولبرايت مع الكويت ومجلس التعاون فتندد بالنظام العراقي بوصفه خارجا عن القانون، بل عليها ان تروّض نتنياهو وزمرته لضمان انسجام في سياسة مجلس التعاون تجاهها وتجاه سائر الدول العربية. فالعالم العربي رغم الانقسامات تطلعاته واحدة وآماله واحدة، وقدسه واحدة، والخليجيون لن يخرجوا من ثوابت العالم العربي. ومن دون فهم ذلك ستفقد واشنطن عملية السلام وتفقد صدقيتها ليس في الشرق الأوسط فقط بل في الخليج أيضا، مهما تشددت مع نظام بغداد، وتمسكت بإطاحة صدام، ومهما عقدت من اتفاقيات.
رئيس التحرير
الافتتاحية
أولبرايت الخليج وأولبرايت العرب
05:36 ص