حسين الراوي

للكتابة نكهة رائعة لا يدرك لذتها كُل من كتب، هذا لأن الكتابة تريد نَفَساً خاصاً وحِساً شفافاً في التعامل مع القلم والفكرة والسطر والمفردات وكذلك علامات الترقيم، والكتابة لم تكن في يومٍ من الأيام هي إجادة وضع القلم بين الأصابع، ومن ثم امتطاء صهوة الأحرف والكلمات، لا، إن الكتابة دنيا ثانية أرفع وأعلى من أن يتعاطاها الكاتب بلا إنسانية ووعي. إن الأقلام أمانات والقلم الذي يجري فوق الورق بالحق ليس كالقلم الذي يكتب بمداد الباطل، لأن قلم الحق هو الأقوى والأمضى بنقشه، وقلم الباطل هو الأضعف روحاً والرديء طموحاً بخرّبشته.للأوراق روحٌ بيضاء طيبة، مِنا من يحترمها كاحترامه لذاته، ومِنا من يُدنسها بسواد كتاباته للأسف، وصدر الورق هو الساحة الرحبة التي تكشف وتميز للقارئ المدرك مدى وعي الكاتب وثقافته واتجاهاته الفكرية وميوله العام وطموحاته وربما أشياء أُخرى عن معالم روحه.هناك النوع من الكُتاب يكتبُ بِنَفَسٍ جميل وحِسٍ راقٍ عندما يتناول الموضوع بكل سلاسة، فتشعر بأن في سطوره التي تقرأها متعة وحلاوة، توصلك إلى حقيقة إبداع هذا الكاتب، وهذا النوع من الكُتاب ينطبق عليه قول بونسيلا: «عندما نقرأ موضوعاً مكتوباً بأسلوبٍ طبيعي وسلِس، نعرف أن جهداً شاقاً بُذِل في كتابته».وهناك نوع من الكتاب ذي أسلوب مملٍ وطرحٍ ثقيل، لا يُحسنُ من فن الكِتابة إلا رصف الكلمات جنباً إلى جنب، في موضوعٍ لم يعطهِ حقهُ في التعامل معه بوعيٍ ورفقٍ وكياسة، وهذا النوع من الكُتاب عليه أن يُنصت لما قاله جي ويلز عن نفسه: «أكتبُ بطريقةٍ مباشرة ومستقيمة، تماماً مثلما أسيرُ بشكلٍ مستقيم، لأن ذلك هو أفضل السُبل للوصول للهدف».وهناك نوع من الكُتاب يُريد أن يكون كاتباً بالعافية! فهو لا يملك من أدوات الكتابة الفكرية أي شيءٍ، وهو أيضاً لا يحمل فِكراً جميلاً ولا ثقافةً تسعفهُ لأن يرتقي لأولى عتبات القبول عند القارئ، فتراه ورغم هذا كله يُصر بشدة على ارتكاب الكتابة من دون أن يُطوّر من مسلكه وأسلوبه الكتابي، ولهذا النوع من الكُتاب يقول تولتستوي: «لا تكتب إلا عندما تشعر بأنك تضع لحمك في المحبرة، كل مرة يغطي فيها الحبر القلم».وهناك نوع من الكُتاب «بِتاع كُله»، فهو في يوم يكتب عن الأدب بصفة الأديب الأريب المتخصص، وفي يوم آخر تجده رجل مال وأعمال، فتراه يكتب عن البورصة المالية ومؤشرات التداول العالمية وسعر صرف العملات وهو في حقيقة الأمر ليس له في عالم المال أكثر من تلك المعلومات التي ذكرها في موضوعه! وتجده في يوم آخر يكتب عن عوالم أخرى.وهناك نوع من الكُتاب كل حظهم في الكتابة كأسٌ وجسدٌ وسيجار وهذا النوع من الكُتاب ليس لهم في سوق الكِتابة لا ناقة ولا جملاً. وهناك نوع من الكُتاب أقلامهم أقلامٌ موبوءة وضمائرهم ضمائرٌ مستأجرة، وهم أهل أقلامٌ مستعبدة تكتب متى ما أُمرت وتتوقف متى ما نُهِيت، ليس لها في عالم الكِتابةِ لا مذهباً ولا مِلةً.الكتابة بالنسبة إلي هي رئتي الثانية، التي أتنفس من خلالها عندما أشعر بأن رئتي الأولى باتت لا تسعفني لأن أتنفس بشكل جيد.

alrawie1@hotmail.com