نعمات مجديأكد زعيم تنظيم «القرآنيون» في مصر الدكتور أحمد صبحي منصور أنهم ليسوا طائفة أو جماعة تمارس نشاطاً سياسياً سرياً أو علنياً، مشددا على أنهم حركة نشأت كرد فعل لانتشار الوهابيين والاخوان في الدول العربية.
وقال منصور في حوار مع «الراي» عبر الانترنت من الولايات المتحدة الأميركية حيث يقيم حالياً ان سيطرة الفكر الوهابي والاخواني على عدد من البلدان العربية تسببت في عدم نهضتها حتى الآن، زاعماً أن «القرآنيون» يهدفون الى اصلاح أوضاع المسلمين ودينهم من داخل الاسلام.
منصور واصل هجومه على أئمة الحديث، خصوصاً البخاري بزعم أنه انتحل اسماً عربياً واحترف كتابة الأحاديث ليكيد الاسلام، معتبراً أن الذين يدافعون عن صحيحه لم يقرأوا كتابه وينكرون القرآن...
واذ أشار الى أن لـ «القرآنيون» جذوراً في الفكر الاسلامي، فان منصور رأى أن الامام أبا حنيفة أحد رموزهم لأنه اشتهر بعدم الأخذ بالأحاديث التي يرويها رفاقه، منوها بأن المدرسة القرآنية ظلت تسير على الهامش في تاريخ المسلمين من بعده الى أن ظهرت قوية في عهد الامام محمد عبده. وهذا نص الحوار:
• بداية ما هو هدف «القرآنيون» الذين تتردد انباء عن اعتقالهم في الأيام الأخيرة؟
- هدف «القرآنيون» هو الاصلاح السلمي من داخل الاسلام، فنحن ضد التدخل الخارجي لفرض الاصلاح، فالاسلام هو دين الاصلاح، وهو عندنا «كتاب الله» ذلك المنشور الالهي الاصلاحي بتطبيقاته العملية.
• ما الاطار الذي يحكم «القرآنيون» تنظيمياً، وماذا عن تصورهم عن علاقة الدين بالسياسة؟
- لا شأن لنا بالعمل السياسي، فنحن نرفض الخلط بين الدين والسياسة، وليس لنا تنظيم يسعى لضم الناس الينا.
وأؤكد أن «القرآنيون» ليس لديهم طموح سياسي من أي نوع، بل نحن أبرياء من كل صاحب طموح سياسي، لأنه يسيء الى اسلامنا باتخاذه مطية لحطام دنيوي.
ان الاسلام عندنا أرفع وأعز من أن يتخذه البعض وسيلة يصل بها الى السيطرة والثروة والسلطة.
• وما العيب في أن يكون لكم طموح سياسي اذا كان متفقاً مع التشريعات الموجودة في الدولة؟
- ان صاحب الطموح السياسي هو من يتحبب الى الناس لينضموا اليه ينافقهم ويخدعهم بمعسول القول، أي يقول لهم ما يريدون وما يحبون، ليرفعوه فوق أكتافهم الى البرلمان أو الى السلطة، أما المصلح الذي نقصده فهو الذي يخاطب المستقبل آملاً أن يتم الاصلاح غداً، ولأن يأتي الغد يكون مات، ولكن تظل دعوته باقية، لأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض.
• هل هذا يعني أن عملية الاصلاح ينبغي أن تظل عملا سرياً بعيداً عن الناس؟
- لم أقل ذلك، فالاصلاح ليس عملاً سرياً لأنه يقوم أساساً على العلن لمخاطبة الناس، و«القرآنيون» يسعون في الوقت الحاضر الى النشر العلني لأفكارهم ومؤلفاتهم ومعتقداتهم، خصوصاً أن كل كتاباتهم تعتمد على مصادر معروفة ومتداولة، وهي القرآن الكريم وكتب التراث، وهي المصادر نفسها التي ينشرها الأزهر، ونحن نجتهد في فهم هذه المصادر. وحين يكتب «القرآنيون» فانهم لا يفرضون رأيهم على أحد، ولا يطلبون أجراً من أحد، بل يعرضون الرأي للنقاش ويتحملون الشتائم والاتهامات ويعفون ويصفحون، وفي النهاية تطاردهم قوات الأمن باعتبارهم متطرفين خارجين عن القانون رغم أنهم لا يملكون سوى القلم.
• اذاً الى ماذا تطمحون بالضبط؟
- كل طموحنا هو الآخرة، فنحن نرجو أن نكون أشهاداً على قومنا يوم القيامة، واذا كان باب النبوة والرسالات السماوية أغلق بمبعث خاتم النبيين عليه السلام، وانتهى الوحي الالهي للبشر بعد اكتمال نزول القرآن الكريم، الا طريق العمل الصالح مفتوح أمام الجميع، وكذلك طريق الضلالة فكل انسان يختار لنفسه ما سيحمله على كاهله يوم القيامة. ونحن نتمنى أن نستحق موقف الشهادة بالخصومة على قومنا يوم القيامة ومن أجل ذلك اخترنا الطريق الصعب الذي جعلنا مكروهين من معظم المسلمين الذين يمرون بأسوأ مرحلة من مراحل تاريخهم.
• برأيك هل العيب في المسلمين أم في تاريخهم وتراثهم وحاضرهم، وكيف يمكن اصلاحه؟
- الاصلاح يبدأ بالتشخيص الجيد للحالة قبل وصف الدواء المناسب لها. لذلك تبين لنا بعد البحث أن العيب ليس في الاسلام، ولكن في المسلمين. فالاسلام هو دين العدل والاحسان والحرية في الرأي والاعتقاد، وهذا كله واضح في القرآن الكريم اذا قرأناه قراءة موضوعية وفق مصطلحاته ومفاهيمه.
ومن هنا بدأ «القرآنيون» رحلة الآلام في الدعوة الى الاحتكام للقرآن الكريم طلباً للاصلاح ولأنهم لا يملكون شيئاً ويواجهون من يملك أو يتصور، انه يملك كل شيء فقد انهال عليهم الاضطهاد مسلحاً بآلة اعلامية تنهش سمعتهم ومزوداً بتعليم فاسد تخرَّج على يديه جيل يحترف الضلال.
ومن أجل هذا أصبح «القرآنيون» ضحية سهلة للنظم الحاكمة وللمتطرفين على السواء حيث يتصارع كل منهما على حطام الثروة والسلطة، لكنهما يتحدان ضد «القرآنيون» المسالمين المستضعفين الذين لا يجدون أحياناً ما ينفقون به على أنفسهم. وبذلك يتحقق فيهم قوله تعالى «ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين».
• كيف تحتكمون الى القرآن الكريم وهل يمكن القول إن «القرآنيون» اعتمدوا على أصول تراثية في التاريخ الاسلامي أيضاً؟
- ان الاحتكام الى القرآن الكريم فرض ديني، والاحتكام اليه في الجدل السياسي والديني بين المسلمين استمر طوال تاريخهم منذ التحكيم في موقعة صفين الى المناظرات بين علماء الحديث والفقه. ولكن الفارق بيننا وبينهم كما أتصور وقد أكون مخطئاً هو أننا لا ندخل على القرآن الكريم برأي مسبق، كما أننا لا ننتقي من الآيات ما يوافق رأينا ونتجاهل أو نؤول ما يخالفنا من آيات أخرى مثلما فعل غالبية من احتكم الى القرآن الكريم، لكي ينتصر على خصمه بدءاً من عمرو بن العاص في التحكيم في صفين الى الجدل بين علماء الكلام والفلسفة والفرق الاسلامية، اذ ان قراءة متأنية في كتبهم تجدهم انتقوا من الآيات ما يعزز مقدما وجهة نظرهم.
أما بالنسبة الينا فنحن ندخل الى القرآن طالبين الهداية ومستعدين لقبول ما يقوله مهما خالف ما وجدنا عليه آباءنا، وبعد هذا نقوم بتجميع جميع الآيات المتصلة بالموضوع ونبحث جميعها ونتدبرها كلها وفقاً لقراءتها طبقاً لمفاهيم القرآن نفسه التي تخالف في أحيان كثيرة مفاهيم التراث.
• لماذا يرفض «القرآنيون» أطروحات التيار السلفي ويعتبرونه «عدواً للإسلام»؟
- التيار السلفي دائماً ما يرجع ويستند الى الاحاديث التي تمت كتابتها في العصرين العباسي والمملوكي، ويطلقون عليها «السُّنة» وينسبونها الى النبي محمد (عليه الصلاة والسلام)، وهذا لا نوافق عليه. فالسُّنة عندنا وفق مفهومنا للقرآن الكريم هي شرع الله تعالى المذكور في القرآن الكريم، وتلك هي السنة العملية التي نتمسك بها، أي العبادات التي نحافظ عليها.
أما السنة القولية، أي الأحاديث فهي عندنا حديث الله تعالى في القرآن الذي نؤمن به وحده، ولأن الله تعالى كرر في القرآن الكريم قوله تعالى «فبأي حديث بعده يؤمنون»، أي لا ايمان بحديث خارج القرآن الكريم. لذلك أقول ان السنة عند التيار السلفي هي عبارة عن أحاديث البخاري والشافعي ومسلم ومالك وغيرهم والتي تم تدوينها في العصرين العباسي والمملوكي أي بعد موت النبي محمد (عليه السلام) بقرنين وأكثر.
• لكن لماذا ترفضون نسبة هذه الأحاديث الى النبي (صلى الله عليه وسلم)؟
- نحن نرفض نسبتها الى النبي محمد (عليه الصلاة والسلام)، لأن الاسلام اكتمل بقوله تعالى «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً». كما أن جعل تلك الأحاديث المكتوبة في العصرين العباسي والمملوكي جزءاً من الاسلام يعني اتهاماً للنبي محمد عليه السلام بأنه ترك جزءاً من الرسالة لم يبلغه، وظل الناس مختلفين فيه حتى الآن، وهذا ما نبرئ خاتم النبيين منه. فنحن نؤمن بأنه بلَّغ الرسالة كاملة تامة، وهي القرآن الكريم، لكن المسلمين بعد النبي عليه السلام بدلوا وغيروا وحاولوا تبرير وتسويغ ما يفعلون، فاخترعوا تلك الأحاديث لتبرر لهم خروجهم عن القرآن ما أدى الى تفرق المسلمين واشعال الحروب في ما بينهم.
• وما تفسيركم لآلاف الأحاديث المنسوية للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)؟
- نحن نرى أن أحاديث البخاري وغيره مما يسمونها «سُّنة» ليس سوى ثقافة دينية تعبر عن عصرها وقائليها، وليس لها أي علاقة بالاسلام أو نبي الاسلام، فهي ثقافة تعبر عن عصورها الوسطى وتعكس ما ساد في تلك العصور من ظلم باسم الدين واضطهاد وحروب. لذلك أؤكد أنه اذا أردنا الاصلاح اليوم فلا بد أن يبدأ هذا الاصلاح بتلك الأحاديث وثقافتها، ولنبدأ في الاحتكام الى القرآن الكريم في شأنها، وهذا ما يفعله «القرآنيون».
• اذا كنتم لا تعترفون بالسُّنة النبوية كمصدر للتشريع، فكيف نفصل في الأمور التي لم يتم ذكرها في القرآن الكريم؟
- نحن نؤمن بالسُّنة العملية المتواترة المتوارثة كالصلاة والصيام والحج ونحتكم فيها الى القرآن الكريم.
• برأيك، هل لـ «القرآنيون» جذور في الفكر الاسلامي؟
- بالتأكيد، اذ ان أبا حنيفة الذي كان أول امام للفقهاء اشتهر بعدم أخذ الأحاديث التي يرويها رفاقه. وقد مات أبوحنيفة بالسم العام 150 هجرية، وهو العام نفسه الذي ولد فيه الامام الشافعي الذي أرسى ما يعرف بالسُّنة في كتابيه «الرسالة» و«الأم»، ولقد استمرت المدرسة القرآنية في تاريخ المسلمين تسير على الهامش الى أن ظهرت قوية في عهد الامام محمد عبده الذي توفي العام 1905، ونحن «القرآنيون» نسير على الطريق نفسه الذي سلكه أئمة التفكير القرآني.
• هل مازلت تعتقد أن البخاري كان يعادي الاسلام؟
- نحن لا نتحدث عن العالم المدعي ابن بروزيه المولود في بخارى، والذي انتحل له اسماً عربياً، واحترف كتابة الحديث ليكيد للاسلام، ان هذا الرجل مات ولو صعدت الى مئذنة الأزهر وظللت تسب ابن بروزيه فلن يهتم بك أحد. ولكن اذا تفوهت وأنت في الأزهر بأي نقد للبخاري فسينقلونك من هناك الى مستشفى العباسية «مستشفى للأمراض النفسية في القاهرة». ونحن نتحدث عن «كتاب البخاري» وليس شخص البخاري الذي يهمنا في شيء، ورغم هذا فان الذين يدافعون عن البخاري لا يقرأون كتابه، ولو قرأوه وعقلوه لتيقنوا من عدائه لله تعالى ورسوله، وقد ينكرون الكتاب وقد يدافعون عنه بأي شكل. ولكن في الأحوال كلها تظل الهيبة في قلوبهم من اسم البخاري، وهم بذلك يحققون اعجاز القرآن الكريم الذي وصف المشركين بأنهم يعبدون أسماء ما أنزل الله تعالى بها من سلطان.
• دافع عنكم أكثر من شخصية قبطية مثل رئيس التجمع القبطي في الولايات المتحدة كميل حليم، فهل يعتبر هذا تحالفاً بين المسيحيين و«القرآنيون»؟
- «القرآنيون» ليسوا طائفة كما يقال، فكما أكدت أنهم اتجاه فكري يغلب عليه النقاش والاختلاف، وبالنسبة الينا فاننا نؤمن بأن الاسلام هو دين التسامح وحرية الرأي والفكر والمعتقد. ومن هذا المنطلق ندافع عن المقهورين بسبب عقيدتهم ودينهم، وهذا ما أرسى صداقة بيننا وبين بعض زعماء الأقباط في الداخل والخارج، فنحن ندافع عن الأقباط وحقوقهم لأننا مسلمون ومصريون. وعندما هاجرت الى الولايات المتحدة تعرفت بقيادات قبطية ليبرالية، ومنهم رئيس التجمع القبطي كميل حليم. كما أن هناك أقباطاً متعصبين لا يفرقون بيني وبين بقية الشيوخ الأزهريين وتصلني منهم رسائل تؤذيني على بريدي الالكتروني مثلما يفعل المتعصبون الوهابيون.
• ما عدد «القرآنيون» في مصر وخارجها باعتقادك؟
- من الصعب اعطاء تقدير لعددهم، والسبب الاساسي أن «القرآنيون» ليسوا جماعة أو طائفة أو فئة يمكن أن تسجلهم، وانما هو منهج عقلي في فهم الاسلام، وعقول تقرأ القرآن الكريم قراءة موضوعية بمفاهيمه، ثم تنظر من خلاله الى تراث المسلمين، ولأنهم اتجاه فكري لذلك من المستحيل احصاء عددهم.
• برأيك، ما الذي يدفع السلطات المصرية الى اعتقال «القرآنيون»؟
- هذا يرجع لضعف «القرآنيون» وفقرهم وكونهم مجرد أفراد مثقفين من دون تنظيمات تحميهم أو منظمات حقوقية قوية محلية واقليمية ودولية تدافع عنهم. ولذلك فان النظام الحاكم في مصر يستسهل القبض عليهم لأنه خلال العشرين عاماً تعرض «القرآنيون» الداعون للسلم والاصلاح الى موجتين من الاعتقال في العام 1987 والعام 2000 واليوم تبدأ الموجة الثالثة.
• هل هناك تواجد لـ «القرآنيون» في الخليج عامة وفي الكويت خصوصاً؟
- هناك آلاف من «القرآنيون» في كل مكان، ولكن الناشطين منهم أعدادهم قليلة، ولو زادت الديموقراطية وحرية الرأي والتعبير في أي بلد لتشجع كل راغب في الاصلاح للانضمام لـ«القرآنيون» واعتناق مذهبهم.
• هل تنوون اقامة جامعة مفتوحة لـ «القرآنيون» في جميع أنحاء العالم؟
- موقعنا على الانترنت «أهل القرآن» هو بداية تحقيق هذا الحلم وننوي حالياً البدء في مشروع للدراسات العليا في التراث والتاريخ الاسلامي وسائر فروع الاسلاميات لرفع مستوى البحث العلمي الذي تدهور في الفترة الأخيرة.
• هل تتوقع أن ينتشر فكر «القرآنيون» في الكويت؟
- الكويت، مثلها مثل دول الخليج تعاني من الاخوان وسيطرة الفكر السلفي الوهابي، ولولا هذا لتمكنت من أن تنهض أسرع من الآن. وأود أن اشير الى أن الاخوان هم شجرة أنبتتها الدولة السعودية في مصر، ثم تشعبت تلك الشجرة ونشرت فروعها في كل مكان، وطبقاً لتجربة التاريخ الانساني فان سيطرة طائفة ما ينشئ حركة رد فعل.
و«القرآنيون» هم حركة رد الفعل ضد الوهابية والاخوان، ولذلك فانه اذا كان هناك وجود مؤثر للاخوان في دول الخليج فانه سينتج حركة قرآنية مضادة.
وأتمنى من كل دولة عربية أن تتيح العمل السلمي الاصلاحي لـ «القرآنيون» وتفتح أمامهم السبل للحوار الهادئ من داخل الاسلام بالاحتكام الى القرآن الكريم باخلاص، وبهذا يتحقق الاصلاح السلمي من الداخل بالاسلام والقرآن الكريم.