عبدالله نشمي

الناس منازل ودرجات يختلفون باختلاف أطباعهم وسلوكهم، فمن الناس الغضوب ومنهم هادئ الطبع ومنهم المتسامح ومنهم من رزق التوسط بين هؤلاء وهي الصفة الحميدة بين تلك الصفات البشرية. أحدثكم عن صفة طيبة لها أثر في رفعة الناس وعلو منزلتهم وهي صفة التواضع ومن تحلى بهذه الصفة تحلى بعلو الشأن في الدنيا والآخرة لمحبة الله لتلك الصفة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، من تواضع لله رفعه وتجد المتواضع رجلاً قنوعاً محباً للخير فتجد كثيراً من المتواضعين يجالسون الكبير والصغير والخادم، فهو يرى أن هؤلاء كلهم اخوة له لا فرق بين من هم دونه فهو يجلس معهم ويسمع ما يقولون لا ينظر إليهم بازدراء أو تكبر وفي سيرة التواضع نجول في رحلة مع عمر بن عبدالعزيز وتواضعه وهو في موطن الخلافة عن الاوزاعي قال: لما ولي عمر بن عبدالعزيز دخل عليه أخ له فقال ان شئت كلمتك وأنت عمر فيما تكره اليوم وتحب غداً وان شئت كلمتك انت أمير المؤمنين فيما تحب اليوم وتكرهه غدا قال بل كلمني وانا عمر فيما أكره اليوم وأحب غدا، وعن حسان العبسي عن عمرو بن المهاجر قال: قال عمر بن عبدالعزيز يا عمرو إذا رأيتني قد ملت عن الحق فضع يدك في تلابيبي ثم هزني ثم قل لي ماذا تصنع يا عمر، وعن رجاء بن حيوة قال سمرت ليلة عند عمر بن عبدالعزيز فاعتل السراج فذهبت أقوم أصلحه فأمرني عمر بالجلوس ثم قام فأصلحه ثم عاد فجلس فقال قمت وانا عمر بن عبدالعزيز وجلست وانا عمر بن عبدالعزيز ولؤم الرجل أن يستخدم ضيفه، وحدثنا عمر الرعيني قال شهدت مع عمر بن عبدالعزيز جنازة في يوم مطر فكبر عليها أربعا فأقبل رجل غريب ليس عليه طيلسان فدعاه عمر الى جنبه وغطاه بفضل ردائه ورأيت عمر بن عبدالعزيز بدا يحمل الجنازة وجعل يمين الجنازة على شقه الايسر ثم حمل مؤخرة السرير على شقه الايمن ثم مشى أمام الجنازة والناس يمشون خلف الجنازة ورأيت عمر يقوم في هذه الحلقة فيجلس مع هذه الحلقة فربما جاء الغريب الذي لا يعرفه فيسأل عن أمير المؤمنين وفي أي حلقة حتى يشار اليه هذا أمير المؤمنين فيسلم عليه بالخلافة، وعن زيد بن أيوب قال: قيل لعمر بن عبدالعزيز يا أمير المؤمنين لو أتيت المدينة فان قضى الله موتا دفنت موضع القبر الرابع مع الرسول صلى الله عليه وسلم وابي بكر وعمر قال والله لان يعذبني الله بكل عذاب الا النار فاني لاصبر عليها أحب إليّ من أن يعلم الله في قلبي اني ارى اني لذلك أهل. وحدثنا خالد بن زيد قال دخل على عمر بن عبدالعزيز رجل فقال يا أمير المؤمنين ان من كان في قبلك كانت الخلافة لهم زينا وأنت زين الخلافة وانما مثلك كما قال الشاعر:وإذا الدر زان حسن نحوركان للدر حسن وجهك زينا

وحدثنا ابن عائشة عن أبيه قال بلغ عمر بن عبدالعزيز ان ابنا له اشترى فصا بألف درهم فكتب اليه عمر عزمت عليك لما بعت الفص الذي اشتريته بألف درهم وتصدقت بثمنه، واشتريت فصا بدرهم نقشت عليه رحم الله امرأً قدر نفسه ولنا وقفة مع الاسراف في حال المجتمع اليوم فتجد صرف آلاف الدنانير في شراء السيارات الفارهة فتجد الرجل يشتري السيارة باهظة الثمن وربما اشترى أخرى من أجل التمتع والمفاخرة على غيره وكذلك شراء الساعات والخواتم بأسعار شبه خيالية ولو اقتصرت على حال التوسط كما اسلفنا في التواضع لاشترى من ماله ما يسد حاجته وعمل بهذه الأموال ما يرفع رصيده عند مولاه الكريم الذي انعم عليه وجعله معافى.