| بيروت - من يولا اسطفان |
مع تهافت الناس على الجراحات التجميلية وانتشارها غير المسبوق وسط النساء والرجال وبين مختلف الأجيال، يتزايد الحديث عن أخطاء طبية في مجال التجميل بعضها يَسكت «ضحاياه» عنه على مضض، وكثير منها يخرج إلى وسائل الإعلام موجّهاً أصابع الاتهام إلى الطبيب، فهل صارت الأخطاء مشكلة حقيقية في الجراحة التجميلية، ومَن يتحمل مسؤولية هذه الأخطاء في
ظل «تجارة» تجميلية رائجة لم تعد تفرق بين الطب والرسالة الإنسانية والكسب المادي.
الدكتور نبيل حكيّم رئيس الجمعية اللبنانية لجراحة التجميل والترميم يكشف للمرة الأولى عبر «الراي» كواليس هذا العالم بكل ما تتضمنه من أسرار وقطب مخفية وما تستره من عورات وأخطاء:

• هل باتت الأخطاء وصمة عار على جبين الجراحة التجميلية؟
- لا يمكن أن نختبئ وراء إصبعنا وننكر وجود أخطاء، فهي دائماً واردة حتى بالنسبة إلى أمهر الأيادي، وثمة هامش للخطأ والمضاعفات معترف به دولياً. ولكن السؤال الذي يجب أن يُطرح هو متى يمكن الحديث عن خطأ حقيقي؟ الخطأ الطبي هو الذي يؤدي إلى نتيجة لا رجوع عنها مثل البتر أو التشويه أو إزالة الوظيفة أو إحداث عطل دائم أو الوفاة أو حين تكون النتيجة خارج المعايير المعترف بها عالمياً من الجمعيات العلمية المختصة. بالنسبة إلى جراحي التجميل المتمرسين وأصحاب الاختصاص، نادراً ما يكون الخطأ لا رجوع عنه، إذ إن غالبية الأخطاء التي تحدث يمكن تصحيحها بجراحة أخرى. كما أن الطبيب الواعي والمدرك لإمكانية حدوث الأخطاء يأخذ دائماً حذره.
• متى يمكن الحديث عن خطأ حقيقي إذاً في الطب التجميلي؟
- بداية لا بد من التمييز بين التجميل والترميم. فالترميم يهدف الى إعادة وظيفة عضو ما ومنظره إلى حد معيّن. أما التجميل فهو ليس حالة مرَضية بل هو إرادة تغيير المظهر نحو الأفضل. لكن التجميل ليس قائمة جاهزة يمكن للمريض أن يختار منها ما يشاء أو يحدد النتيجة التي يريدها، بل إن الطبيب هو الذي يقرر ما الأفضل للمريض. فقد تختار المريضة مثلاً أنفاً صغيراً لا يلائم وجههاً أو يعيق وظيفة الأنف فيتدخل الطبيب ويقوم بما يراه مناسباً على ألا ينتج عن ذلك تشويه أو إعاقة. وأحياناً يمكن للعملية الجراحية بحد ذاتها أن تكون ناجحة لكن نتيجتها ليست متناسقة مع بقية الجسم ما يسبب تشوهاً للطلة ككل.
يمكن الحديث عن خطأ طبي في مجال التجميل تالياً إذا لحق ضرر بوظيفة العضو أو حصلت إعاقة فيه أو تشوّه زائد عن التشوّه الأصلي. هنا يُسأل الطبيب شرط إثبات أن النتيجة نجمت عن العمل الطبي بحد ذاته وليس عن الصدفة. فعلى سبيل المثال، إذا أُجريت عملية تجميل للأنف نجم عنها تسكير في مجراه أو اهتراء أو احتراق للجلد أو وجود جهة مختلفة في شكل واضح عن الأخرى أو حدث تشوّه واضح زائد عن التشوه الأصلي، يمكن مساءلة الطبيب قانونياً.
• هل يتحمل المريض مسؤولية معينة في بعض الأخطاء التي تحدث؟
- بالطبع المريض مسؤول بقدر الطبيب. وأحياناً يكون هو المخطئ الأساسي حتى ولو أخطأ الطبيب، إذ من مسؤولية المريض أن يعرف كيف يختار طبيب التجميل المناسب صاحب الخبرة والمشهود له بالكفاءة. وعليه استشارة أكثر من طبيب وعدم الاتكال على الصيت الدعائي والإعلانات لطبيب معيّن، بل البحث عن أشخاص خضعوا لجراحات أو إجراءات تجميلية على يد هذا الطبيب والتمعّن في نتائجها. كما عليه أن يسأل ويتحاور مع طبيبه جيداً ليعرف ماذا يطلب منه وليعرف منه كل المضاعفات الممكنة بحيث تكون موافقته في النهاية موافقة حرة مستنيرة وواعية. وهنا أود التشديد على أن من مسؤولية الطبيب إعلام المريض بكل المضاعفات والعوارض التي يمكن أن تحصل إثر أي عملية جراحية، وعلى المريض اتباع تعليمات الطبيب بالحرف والوعي لكل الأخطار التي يمكن أن تنشأ عن الجراحة.
• ما هي برأيك أسباب الأخطاء الطبية العديدة التي تحدث في مجال التجميل؟
- الأخطاء دائماً واردة، والطبيب الذي لا يخطئ معناه أنه لا يعمل، وثمة هامش للخطأ والمضاعفات معترف به دولياً والطبيب يضمن النتيجة إلى حد هوامش الخطأ العالمية المعترف بها. فـ 6 في المئة من جراحات الأنف مثلاً التي تجرى في العالم تحتاج إلى رتوش بعد ستة أشهر. ولكن إلى جانب هذا ثمة عوامل كثيرة يمكن أن تؤدي إلى حصول أخطاء أبرزها:
1ـ قلة خبرة الأطباء الناجمة عن شبابهم وعدم تمرّسهم بعد بالأعمال الجراحية.
2ـ تهافت بعض الأطباء على استخدام تقنيات جديدة تجريبية أو مواد حديثة جداً لم يمرّ الوقت الكافي بعد لإثبات فاعليتها وخلوها من المضاعفات على المدى الطويل، وتهافت الناس من جهة أخرى على طلب هذه التقنيات التي يجري التسويق لها بكثافة من دون أن يدركوا أنها تقنيات تجريبية لم تثبت فاعليتها بعد.
3ـ استخدام مواد رخيصة الثمن لاسيما بالنسبة إلى الطب التجميلي تؤدي إلى حدوث أضرار وتشوّهات. ففي الطب لايمكن التلاعب بالجودة لأن النوعية السيئة تشكل خطراً على المريض. والطب ليس تجارة يمكن التفتيش فيها عن الأرخص ثمناً، والاسترخاص فيه غير مسموح لأنه يؤدي إلى نتائج كارثية.
4ـ عدم إجراء حوار جدي بين الطبيب والمريض، إذ على الطبيب أن يشرح ما يمكن إنجازه وما هو غير ممكن وأن يعطي المريض فكرة عن النتيجة المتوقعة. وعلى المريض أن يشرح لطبيبه في شكل وافٍ ما يطلبه والنتيجة التي يطمح للوصول إليها.
5ـ لجوء المريض إلى مركز تجميلي غير مختص أو غير مرخّص والقبول بإجراء تدخلات تجميلية على يد أشخاص قد لا يملكون شهادة في الطب أصلاً أو ليس لديهم اختصاص في الطب التجميلي، وجلّ ما يملكونه شهادة كفاءة نالوها بعد بضعة أشهر من الدراسة ليس إلا.
6ـ استنساب الطبيب لما يجب القيام به من دون العودة إلى المريض، فتأتي النتائج على غير ما يتوقعه المريض.
7ـ عدم استفسار المريض جيداً عن طبيبه وتأكده من نتائج الجراحات التي قام بها وانجرافه في كثير من الأحيان وراء الضجيج الإعلامي والإعلاني الذي يمكن أن يكون خاطئاً.
• ما أكثر العمليات التجميلية التي ينتج عنها أضرار؟
- عملية شفط الدهون هي العملية الأكثر انتشاراً وبالتالي فإنها الأكثر عرضة لحدوث أخطاء إذ كلما ازداد عدد العمليات ازدادت نسبة حدوث الأخطاء فيها. وقد ينجم عن عملية الشفط حروق في الجلد أو تعرجات قوية فيه أو مشاكل صحية نتيجة شفط كمية كبيرة من الدهون.
- عمليات الصدر، والأخطاء فيها قد تنجم عن سوء الحشوات الترميمية المستعملة كما حدث أخيراً مع حشوات PIP. أو عن عدم تقدير الحجم المطلوب للثدي في شكل دقيق. فقد يحدث أن يزيل الطبيب أكثر مما هو مطلوب ويؤدي إلى ثديين صغيرين جداً.
- عملية شد البطن التي يمكن ألا تعطي النتائج المطلوبة إذا لم يعمد الطبيب إلى شد العضل وإعادة موضعته في البطن ويكتفي بإزالة الجلد وشدّه.
- عملية الأنف لأنها عملية دقيقة وبارزة في الوجه ويمكن ملاحظة أي خطأ فيها من النظرة الأولى.
- عملية الجفون وهي مبدئياً عملية سهلة، لكن قد تؤدي إلى حدوث خلل في وظيفة العين أو في الجفن.
- الليفتينغ الذي يمكن في أحيان نادرة أن يؤدي إلى شلل في الوجه، ولكن عموماً لا أخطاء جسيمة فيه.
- حقن مواد التعبئة الدائمة التي لا تذوب مع الوقت في الوجه، وقد أثبتت هذه المواد نتائجها الكارثية مع مرور الأيام وتسبُّبها بتشوهات لا يمكن علاجها.
- استخدام مواد حقن عشوائية وغير معروفة المصدر. وهنا لابد أن نذكر أن لا رقابة صارمة على المواد المستعملة في الطب التجميلي لاسيما المواد الصينية المنشأ التي غالباً ما تكون مؤذية.
• عند حدوث خطأ طبي هل يتوجب على الطبيب تصحيحه؟
- من واجب الطبيب تصحيح الخطأ، في حال ثبوته، من دون أجر ولكن كلفة المستشفى يدفعها المريض وهذا يدخل من ضمن المخاطر التي يمكن أن ترافق كل عملية والتي يجب أن يدركها المريض. ولكن التصحيح لا يعيد الأمور إلى وضعها الطبيعي مئة في المئة، بل يحسّن النتيجة حتى نسبة معينة. وإذا كان التشويه دائماً وغير ممكن تصحيحه حينها يقتضي التعويض. في أحيان كثيرة يلجأ المريض إلى طبيب آخر لإجراء التصحيحات لعدم ثقته بالطبيب الأول الذي لم ترضه نتيجة عمله. وبالنسبة إليّ مثلاً، 30 في المئة من عملي يقوم على تصحيح عمليات سابقة.
• هل تنصح بإجراء العمليات التجميلية في المستشفى بدل العيادات أو المراكز التجميلية للحد من الأخطاء؟
- كل الأعمال الجراحية التي تتضمن جروحاً يجب أن تجرى في مؤسسات طبية مرخصة من وزارة الصحة لا في مراكز تجميل مرخصة من وزارة الاقتصاد. بعض العيادات الخاصة تجرى فيها عمليات جراحية تحت بنج موضعي أما ما يحتاج الى بنج عمومي فيجب حكماً إجراؤه في المستشفى حيث تتوافر إمكانيات الإنعاش. ولكن ما يجب الإشارة إليه أن المستشفى ليس مجرد اسم بل يجب أن يكون مجهزاً بمختبر وأشعة وطوارئ وإنعاش ولا يمكن إطلاق اسم مستشفى على أي عيادة ما لم تكن تملك هذه المقومات. وغالباً ما نرى حالات من الجراحات التجميلية البسيطة بحاجة إلى الإنعاش فيتم نقلها من العيادات الى المستشفيات
لتتلقى الإسعافات اللازمة التي لا يمكن أن تؤمنها العيادة.
أما مراكز التجميل فمشكلتها أكبر لأنها لا تملك رخصة من وزارة الصحة بل معظمها حائز على رخصة من وزارة الاقتصاد حتى تلك التي يعمل فيها أطباء وبالتالي لا سلطة رقابية عليها من قبل وزارة الصحة ولا مراقبة كما يحدث في المستشفيات. وكل هذه المراكز لا يحق لها إجراء أي تدخلات جراحية رغم أن بعض الأطباء فيها يقومون بذلك ومعظم الأخطاء الكبرى تحدث في هذه المراكز غير المختصة.
• ما نصيحتك للمريض الذي يود القيام بجراحة تجميلية أو أي تدخل طبي تجميلي؟
- نصيحتي الأخيرة أن يلجأ إلى طبيب مختص منتمٍ إلى جمعية جراحي التجميل المنتسبة إلى نقابة الأطباء في البلد الذي يعيش فيه، وأن يسأل جيداً عن الطبيب ويكون واعياً ومدركاً لمخاطر أي عمل تجميلي يجريه مهما كان بسيطاً.