ما كان لي أن أتكلم في شأن خاص على الملأ وفي وسيلة إعلامية لولا أن خصوصيات الناس أصبحت كلأً مباحاً لكل من عنده منبر إعلامي... وما أكثر هذه المنابر في الإعلام الجديد ووسائل الاتصال التي خرجت عن كل ضابط والاستيثاق والمهنية.
وقبل الخوض في مسألة (زوجتي الثانية) واقحامها في الصراع السياسي المكشوف والحامي بين الجميع ضد الجميع، اسمحوا لي أن أسرد طرفاً من السيرة الخاصة للأديب الناقد إبراهيم المازني صديق المفكر الموسوعي عباس محمود العقاد ورفيق دربه الثقافي حيث ذكر في كتابه (سبيل الحياة) طرفاً من أهم أيام زوجته وزواجه فقال:
«وتزوجتُ، وفي صباح ليلة الجلوة دخلت مكتبتي ورددت الباب وأدرت عيني في رفوف المكتبة فراقني منها ديوان شيللي فتناولته وانحططت على كرسي وشرعت أقرأ ونسيت الزوجة التي ما مضى عليها في بيتي إلا سواد ليلة واحدة، وكانوا يبحثون من حيث يظنون أن يجدوني - في الحمام - وفي غرفة الاستقبال، وفي المنظرة - (بالمصري المندرة) حتى تحت السرير بحثوا ولم يخطر لهم قط أني في المكتبة لأني (عريس) جديد لا يُعقل في رأيهم أن يهجر عروسه هذا الهجر القبيح الفاضح وكانت أمي في (الكرار) أو المخزن تعد ما لا أدري لهذا الصباح السعيد فأنبأوها أني اختفيت كأنما انشقت الأرض فابتلعتني وأنهم بحثوا ونقبوا في كل مكان فلم يعثروا لي على أثر، فما العمل؟
فضحكت أمي وقالت ليس في كل مكان - اذهبوا إلى المكتبة فإنه لا شك فيها.
- فقالت حماتي وضربت بكفها: في المكتبة! يا نهار أسود، هل هذا وقت كتب وكلام فارغ؟!
- فقالت أمي بجزع: اسمعي كل ساعة من ساعات الليل والنهار وقت كتب... افهمي هذا واريحي نفسك، فإن كل محاولة لصرفه عن الكتب عبث.
- فقالت حماتي: «لو كنت أعرف هذا... مسكينة يابنتي... وقعت وكان ما كان».
- فقالت أمي: «هل تكون إذا وطَّدت نفسها على هذه المعرفة؟ ويحسن أن تكبحي لسانك، وأن تدعي الأمر لبنتك فإنه من شأنها».
- فلم تكبح لسانها بل قالت: «لو كانت ضرة لكان أهون!».
فقالت أمي: (إنك حمقاء... وليس في الأمر ما يحوج هذا الهراء... اذهبي إليه وناديه...).
فارتدت إليّ، وفتحت الباب عليّ، وكنت ذاهلاً، فلما شعرت بالباب يُفتح أزعجني ذلك، فأشرت إلى الداخل أن يرجع من غير أن أنظر إليه وكنت مقطباً وكان لساني يخرج أصواتاً كهذه: شش! شش!).
فخرجت المسكينة وأغلقت الباب، وذهبت تقول لأمي والدموع تنحدر من عينيها إني طردتها وصحتُ بها: (هشش!) كما يُصاح بالدجاج؟
هذا طرفُ مما قاله الأديب إبراهيم المازني عن علاقته بالكتب والمكتبة وهو في وصفه يجسد حالة عامة لكثيرين من عشاق الكتب وقد ذكر المازني بعد سطور (زوجتي كانت تقول إلى آخر أيام حياتها رحمه الله: ليس لي ضرة سوى هذه الكتب).
- والذي ذكرني بهذه القصة تغريدة جاءتني من صاحب حساب Aj-alayoubi @ يقول فيها: (أحسك اتحب الكتب أكثر من عيالك الله يخليهم لك، فأجبته) الكتب أولادي ولكن من زوجتي الثانية: المكتبة!
والمكتبة لم تكن ضرةً في حياتي لأن زوجتي - حفظها الله - لما عرفت عشقي للكتب وفنائي فيها أهدتني مهرها لأشتري أهم المراجع مع بداية حياتي الزوجية.
وتطورت المكتبة (الزوجة الثانية) كما يسمونها من حيث نوعية الكتب إذ فرضت علينا أجواء الحرب والسياسة والصراعات بعد غزو الكويت ومتوالية الانهيارات العربية والإسلامية اقتناء كتب في الثقافة تجمع بين الاجتماع السياسي والاقتصاد السياسي والأيديولوجيا السياسية وهكذا فلا يمكن أن تكون بمعزل عن الواقع الذي أقحم (المكتبة) (الزوجة الثانية) في أتون المصنفات السياسية وذيولها ومتعلقاتها.

محمد العوضي
mh_awadi @