| عبدالعزيز صباح الفضلي |
المتتبع لتاريخ الدول والأمم والحضارات يجد أن من أكثر العوامل التي أدت إلى سقوطها وانهيارها: الظلم والفساد والتنازع، ولذلك جاء التحذير من الوقوع فيها في كتاب الله وسنة رسوله.
فالفساد بمختلف صوره إذا انتشر فإنه نذير خراب، سواء كان هذا الفساد في التصرفات الأخلاقية كبعض الانحرافات السلوكية من الوقوع في الفواحش وغيرها، أو انحراف في التعاملات المالية، كالغش أو الربا، وقد أهلك الله قوم سيدنا شعيب عليه السلام لأنهم كانوا يُنقِصون الكيل والميزان، وهنا نود تحذير الذين يمارسون الغش بشتى صوره على حساب أموال الناس وصحتهم، كما في فضيحة اللحوم الفاسدة وما شابهها ألا يكونوا سببا في تدمير البلاد وتخريبها، وأما الربا فكما قال ابن مسعود رضي الله عنه: ما ظهر الزنا والربا في قرية إلا أذن الله بخرابها.
وتكمن خطورة الفساد إذا أصبح ظاهرة منتشرة ومتداولة بين الناس، أما إذا كانت حالات فردية مستترة، فلعل الله تعالى لا يؤاخذ بقية المجتمع بها.
وأما العامل الثاني في هدم الأمم فهو الظلم بمختلف صوره، كأكل أموال الناس بالباطل، أو حرمان الناس من حقوقهم، أو التعدي على حرماتهم، أو تمييز فئة على أخرى، أو تطبيق القانون على الضعيف وترك القوي فكلها تؤدي إلى سلب الأمان من البلاد وحلول الخراب وكما جاء في الحديث ( إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد)، لذلك ندعو إلى تطبيق الأحكام والقانون على الجميع دون استثناء فلا يسجن الشرفاء من المعارضة ويترك أصحاب السوابق من الموالاة، ولا يعاقب من سرق بضعة دنانير بينما يترك سراق المال العام.
وأما الفرقة والتنازع، فإنها ما حلت في قوم إلا أضعفتهم من بعد قوة، وأذلتهم من بعد عزة، وانظروا إلى تاريخ الدويلات الإسلامية والتي من آخرها الممالك في الأندلس، فما زال ملكهم ولا تشتت جمعهم إلا بعد أن دب الخلاف والتنازع بينهم، ولهذا قال تعالى : (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) أي يذهب بأسكم وقوتكم.
والكل يعلم أن من أكبر أسباب ضعف المسلمين اليوم وهوانهم عند الأمم الأخرى هو انقسامهم إلى دويلات وممالك.
وأود الإشارة إلى أن من أهم الأمور التي ينبغي أن تنتبه لها دولنا بالدرجة الأولى هي مسألة حل الخلافات التي بينها، والسعي إلى وحدة حقيقية تُمكّن لها من تحقيق القوة التي تعينها في مواجهة الأخطار الخارجية التي تهددها وفي مقدمتها التوسع الإيراني. كما نتمنى من حكوماتها أن تسعى إلى تقوية وتوحيد الصف داخلها من خلال المساواة بين أبناء الشعب الواحد والعمل على تلبية ما تطمح إليه هذه الشعوب من حرية وعدالة.
بقي أن نشير إلى أمر مهم يساعد على حفظ البلاد من أن ينزل أو يحِلّ بها الخراب حتى وإن وجد بها الفساد، ألا وهو وجود المصلحين ممن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ولا يشترط في هذا المُصلح أن يكون صاحب لحية أو ثوب قصير، ولا يقف الأمر في الإصلاح عند الرجال دون النساء، ولا أن تكون محاربة الفساد في مظاهر الانحرافات الأخلاقية فقط، بل ما دام هناك من يطالب بالإصلاح في الأمور السياسية والاقتصادية والأخلاقية والاجتماعية، فالأمة ستكون بأمان بإذن الله تعالى مصداقا لقوله عز وجل ( وما كان ربك ليُهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ).

Twitter : @abdulaziz2002