| عمر الطبطبائي |
الكيان الإسرائيلي... ذلك الكيان الذي استطاع أن يضع أغلب دول العالم لاسيما العربية والاسلامية على كفه الأيسر ليتحكم بإيقاع مصالحهم بكفه الأيمن بكل دهاء.
عوامل رئيسية عدة جعلت اسرائيل تلتفت على نفسها داخليا لتحقق ما حققته الآن ولعل أهم عامل هو مقدرتها على التكيف مع الأوضاع ورسم استراتيجيتها من خلال تحديد أهدافها تحت أي ظرف وأي ضغط وأي عامل عكس الدول العربية تماما التي تقف عاجزة ومشلولة أمام أول عاصفة رملية!
أن من أهم تلك العوامل التي جعلتنا نتراقص على كفها الأيسر وجعلتها تهتم بالفرد الاسرائيلي هي تغير سياسة فرنسا تجاه اسرائيل في عام 1967 حيث كانت علاقة فرنسا مع الكيان لاسرائيلي قوية جدا، فكانت الأولى تمد الكيان بأسلحة متطورة لسببين الاول السماح لفرنسا باستخدام قناة السويس والثانية تقديم معلومات جاسوسية عن تحركات المقاومة الجزائرية، لكن كل هذا انتهى بعدما قررت اسرائيل مهاجمة مصر وسورية فجأة، الأمر الذي جعل فرنسا أن تتوقف عن المساعدات العسكرية، ويقال إن فرنسا استخدمت موضوع الهجوم الاسرائيلي شماعة لتخفي أسبابها الحقيقية وهي تحسين علاقتها مع الدول العربية بعدما استقلت الجزائر عنها كما قامت ببيع 50 طائرة فرنسية «ميراج» لسورية والتي كنا نظن بأنها أحد أعداء هذا الكيان.
بعد هذا التغيير المفاجئ لم يُشل هذا الكيان المحاط بالدول العربية والاسلامية، إنما تكيف معها ولجأ الى سياسة «الاعتماد الذاتي» خصوصا بعد خبر توقيع صفقة أسلحة بقيمة 250 مليون دولار بين الاتحاد السوفياتي آنذاك ومصر، فقام هذا الكيان بانتاج منتجاته المحلية في شتى المجالات ولعل أولها المنتجات العسكرية فنجحت في السبعينات بتصنيع دبابة «ميركافا» وطائرات حربية (كفير، ونيشر) كما أطلق أول قمر صناعي «اسرائيلي»، وهذا ما ثبت للعالم كله قدرات هذا الكيان على التصنيع واستثمار مواردها البشرية والعقلية من اجل نهوضها!
أما العامل الثاني والذي نجح هذا الكيان الداهية بالتكيف معه بل واستغلاله أحسن استغلال هو المقاطعة العربية، فالمقاطعة خلقت تحديا كبيرا لهذا الكيان بتسويق منتجاته في الدول العالمية لا سيما وأن بذلك الوقت كانت كلمة الحرب وعدم الاستقرار لصيقة باسم إسرائيل، الأمر الذي جعل المستثمرين والدول عدم المخاطرة بنفسها مع هذا الكيان الا ان القائمين على هذا الكيان استطاعوا بامتياز اجتياز هذا التحدي بفهم هذه الدول وحضاراتهم ونجحوا بربط مصالحهم الاقتصادية والسياسية مع هذه الدول بلغة الاقتصاد!
ان الأسباب السابقة (فرنسا والمقاطعة) لهما الفضل الكبير بتغيير سياسة هذا الكيان الى الأفضل لكن كيف؟ هل قام أحد مسؤوليهم بالتصريحات وبيع الكلام على الشعب الاسرائيلي؟ هل قام هذا الكيان بتحديد مبلغ ضخم ووعد الشعب بالتنمية؟ هل قام هذا الكيان بالتمتع ببريق المناصب السياسية فقط كحال الدول المجاورة لها؟... لا (بالخط العريض)!
لقد قام هذا الكيان جاهدا ببناء اسرائيل «ثقافيا»، فاهتم بالفرد من خلال الجيش والتعليم وتخلوا عن «أنانية الجيل»، بمعنى ألا يهم الجيل المعاصر بتحقيق كل الأهداف والأهم بناء أجيال قادمة تسهم في تحقيق الاهداف بوضع الأساس الذي يستندون عليه من الأمور البسيطة التي لا تخطر على عقلية حكوماتنا العربية ومستشاريهم الى الأمور الأكثر تعقدا، وعلى سبيل المثال النشيد الوطني الاسرائيلي والذي يغرس الهدف الأساسي لهذا الكيان وهو قيام دولة صهيون، والأمر المميز أن نشيدهم الوطني يسمى بالـ «Hatikva» أي «الأمل» هو انعكاس لما يطمحون إليه بعكس الاناشيد الوطنية العربية لأغلب دولنا التي تحض على أمور لا أساس لها من واقعنا...
المجتمع الاسرائيلي يعمل من أجل تحقيق حلم أمه غرس بثقافتهم... «الأمل»
وفي الجزء الثالث من هذا المقال سنتحدث عن أهم أدوات زرع الأمل (التعليم والجيش).
د ا ئ ر ة م ر ب ع ة :
ان كانت حكوماتنا العربية والاسلامية مميزة في صنع أبطال من ورق، فالكيان الاسرائيلي نجح في جعل كثير من الدول العربية والاسلامية دولا من ورق!

@tabtabaee