| علي الرز|
حذّر المبعوث الدولي العربي لحلّ الأزمة السورية الاخضر الابراهيمي من ان فشل مبادرته يعني «الجحيم» للسوريين وان عدد القتلى قد يرتفع الى 100 الف اذا استمرّ الحل الأمني.
بعيداً من المبادرة وتفاصيلها والإجماع الدولي عليها وقبول السوريين بها او رفْضها، لا بدّ من التوقف عند العنصريْن الاساسييْن في العبارة السابقة وهما:
«الجحيم»... وقدرة بشار الأسد على رفْع عدد الشهداء سريعاً الى 100 الف.
قتْل أطفال وسحْب أعضائهم. تعذيب الشباب ورميهم أشلاء أمام منازل ذويهم. ذبْح المثقفين والفنانين واقتلاع حناجرهم ورميهم في الأنهار. سحْل الكهول والكهلات في الشوارع لـ «تربية» أبنائهم الذين التحقوا بالمعارضة او بالجيش الحرّ. اغتصاب المئات. اختفاء 100 ألف شخص نصفهم قد يكون في قوافل الرحيل الى الآخرة.
تعذيب عشرات الآلاف وإصابتهم بعاهات دائمة. تهجير ثلاثة ملايين سوري بين طوابير السؤال الذليل وانتظار المساعدات الأذلّ. هدْم المنازل على رؤوس مَن فيها بطائراتٍ يتلذّذ مصاصو الدماء الذين يقودونها بإلقاء البراميل المتفجّرة منها. «التفنن» في المجازر كي تحصد أكبر قدر من الشهداء، فمن قصف المتظاهرين وذبْح الآمنين، الى ترصُّد طوابير الباحثين عن رغيف خبز وعجن عظامهم ولحومهم في طحين... الموت.
لا ماء، لا كهرباء، لا محروقات، لا مدارس، لا مستشفيات، لا سيارات إسعاف، لا أطباء. يفضّل أهل الجريح ان يموت في أحضانهم كي يتمكنوا من تكفينه ودفنه شهيداً بجثة متكاملة بدل ان يذهب الى المستشفى ليرمى مشوّهاً في سوق المقايضات... فكل شيء في سورية الاسد خاضع لسلطة الأمن والشبيحة بدءاً من مدير المدرسة الذي وشى بأطفال درعا وهم يرسمون على الجدران فسُحبت أظافرهم، وانتهاءً بالمرافق الطبية حيث يمارس الجبناء ساديّتهم ويترجمون حقدهم بقتل الجرحى وتشويه الجثث وسحب الاعضاء واشتراط تسليم العوائل أبنائها المعارضين مقابل التفضّل عليهم بنعمة دفن الشهداء.
أمام هذا المشهد الذي لا يحمل شيئاً من صفات المبالغة، يهدد الابراهيمي السوريين بأنهم اذا رفضوا الحلّ السياسي فسيواجهون الجحيم! وهل من جحيم آخر لا يعرفه السوريون ولا نعرفه ولا يعرفه العالم؟ او هل ما يعيشه السوريون اليوم هو النعيم الذي لا يدرون قيمته او سيترحّمون عليه؟
السؤال الاخير يرتبط مباشرة بالعنصر الثاني من عبارة الابراهيمي وهي ان عدد الشهداء قد يصل الى مئة الف... وهنا ايضاً لا بد من تفسير. عندما خرج المصريون الى الميدان مطالبين بالإصلاحات السياسية، خرج باراك أوباما اليهم قائلا: «أسمع صوتكم»، ثم أرسل موفديه الى الرئيس السابق حسني مبارك محذراً من ايّ محاولة لقمع الناس. حصل ذلك بطريقة او بأخرى مع مختلف الدول التي شهدت تغييرات في أنظمتها، بل شارك العالم عسكرياً في حجب مجزرة بنغازي الكبرى حين هدّد القذافي بإحراق المدينة. وبعد كل الجحيم الذي عاشته سورية، يخرج الموفد الدولي العربي ليحذّر من ان غياب الحلّ السياسي يعني ان بشار الاسد سيرفع رصيده في القتل من خمسين الفاً الى مئة الف. رجلٌ أكدت كل التقارير الدولية الرسمية والمستقلّة وكل منظمات حقوق الانسان ولجان المراقبة العربية الدولية (حتى التي اعتبرتْها المعارضة متواطئة) بانه المسؤول الاول عن إعطاء الأوامر للقوى الامنية و«المجموعات المسلحة» التابعة للنظام (الشبيحة) بقتل المدنيين... هذا الرجل بدل ان يقال انه مجرم وجزار ولا بد من خضوعه فوراً للمحاكمة، يعطى «بونص» ويتم تحذير السوريين منه على قاعدة ان اتقاء عدوانيته وإجرامه أفضل.
السوريون يعيشون في الجحيم ولا ينتظرونه. جحيم نظامهم المستبدّ وجحيم العالم المتفرّج الذي يعتمد أقذر المعايير الباطنية المخادعة في مقاربة قضيّتهم. اما التخويف من شهوة القتل المفتوحة على خمسين ألف شهيد جديد، فهو برسْم الرئيس الأميركي الذي لم يعد يسمع صوتاً ولا أنيناً ولا استغاثة، ولم يعد يرى جريمة او مجزرة، ولم يعد يقرأ تقارير عن إبادات جماعية.
خمسون ألف شهيد لا تكفيهم. هو خريف العالم الذي يتساقط إنسانه بعدما سقطت مبادئه. هو شتاء السوريين القارس الذي عجز عن اقتلاع إنسانهم ومبادئهم... وبين «نعيم» البقاء قتلى بقيادة الاسد و«جحيم» الشهادة لإطاحته، خيارٌ يعرف الابراهيمي تماماً مساره.
... عام انتصار سورية وثورتها.