| علي الرز |
ما كان ينقص المشهد المصري إلا ان يطلق وزير العدل المستشار احمد مكي صفة الخيانة على المعارضين لحكم «الاخوان المسلمين». والخيانة في المصطلحات المدنية تعني الخروج على الوطنية والولاء والضمير والعهود، وتعني في أدبيات الأحزاب الدينية الخروج على الدين والإيمان بل ربما الارتداد وما يستتبع ذلك من تحليلٍ للدماء وتحفيزٍ على «النصرة» وتشجيعٍ على «التقويم» باليد قبل القلب واللسان.
وزير عدلٍ في نظامٍ يحكمه «الاخوان المسلمين» يتهم جزءاً من ابناء بلده بالخيانة لأنهم رفضوا موقف السلطة ومارسوا حقهم الطبيعي في الاعتراض السلمي.
رئيس الهرم القضائي سياسياً. الرجل الذي يُفترض ان يكون العدل ميزانه حتى لو جنح كثيرون الى التطرف، يجنح قبل غيره الى تطرف التطرف وينسى انه مؤتمَن على الاستقرار في أصعب الظروف. يعتلي منصة عمادة «التخرج» على مستوى الأمة ويبدأ بتوزيع شهادات الوطنية على مَن يستحق، ويحجبها عمّن يرى انه لا يستحقّ. يفتح المختبرات ويُخضع المعارضين لتحاليل الولاء والوفاء والالتزام والحق والباطل... ثم يُصدر النتيجة: هؤلاء خوَنة.
في الظروف العادية حيث الأمن مستتبّ والاستقرار قائم، يقتضي الوعي السياسي والحكمة والرؤية الواضحة ان يبتعد المسؤول عن تصنيف الآخرين الى معسكرات متضادة، لان التصنيف اول علامات الانقسام المجتمعي واهتزاز الاستقرار، أما في ظروفٍ كالتي تعيشها مصر حاليا، فتصنيف الناس بين وطني وخائن يرتقي الى مستوى التحريم اللهمّ إلا إذا كان الهدف الهروب أكثر بالأزمة الى الأمام وهدم الهيكل على رؤوس مَن فيه.
إخافة المعارضة بتخوينها ليس الجواب عن الاسئلة التي تطرحها أزمة الحكم في مصر. التلويح بشارعٍ مقابل شارع ليس «تكتيكاً» سلطوياً بل ربما كان انتحاراً سياسياً. ابتكار قوانين جديدة تملك شرعيات حزبية لا شرعيات دستورية هو بمثابة كرة نار قد تحرق النافخين في كيرها قبل غيرهم، ومن هذه القوانين ان يقوم وزير العدل ومن دون أدلّة او براهين او محاكمات بتخوين مصريين، تاركاً للجماهير الغاضبة ان تحدّد مصير هؤلاء «الخوَنة» طالما ان الجريمة غير معلنة او غير موجودة اساساً، وطالما ان السلطات المعنية لم توقفهم، وطالما ان المحاكم المختصة لم تحاكمهم.
هل يدرك وزير العدل انه جزء من حكومةٍ في نظام يديره «الاخوان»؟ وهل يعرف ان الأحزاب الدينية، حتى لو ارتدت الزيّ المدني وربطة العنق، تقفز في ردود أفعالها احياناً على القوانين والشرعيات الدستورية بحجّة نصرة الشريعة وصيانة العقيدة استناداً الى «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»؟ هل يتذكّر ان مَن طعن الاديب الكبير الراحل نجيب محفوظ بحجّة انه كافر ومرتدّ لم يقرأ حرفاً من روايته «اولاد حارتنا» وقال ان «إمامه» او «شيخه» او «مرشده» او «أميره» قال له إن الكاتب كافر وإن القانون لا يأخذ حق الشرع فانتصر الرجل وأخذ حق الشرع بيده «وهذا أفضل الإيمان»؟ وهل يتحمّل وزير العدل المصري وِزر ان يقوم شخصٌ او مجموعة بالهجوم على مَن اعتبرهم خوَنة واستباحة دمائهم وأعراضهم طالما ان طاعة مَن كشف المعصية واجبة هنا وطالما ان النصرة باليد هي «أفضل الايمان»؟
عندما اعترض الإصلاحيون في إيران على نتائج الانتخابات الأخيرة، تمّ نعْتهم بالخوَنة وأطلق «حماة الثورة» النار على المتظاهرين في طهران، وعندما اجتاح «حزب الله» العاصمة اللبنانية في 7 مايو 2008 مهّد لذلك بتصنيف المعارضين بأنهم خوَنة ومتآمرون على المقاومة، وعندما سار مئة شخص قبل نحو عامين في أحياء دمشق القديمة مطالبين بالاصلاح نعتهم بشار الاسد بالخوَنة ليتجاوز عدد الشهداء لاحقاً الخمسين الفاً.
كان على المستشار مكي ان يزن كل كلمة ينطقها بميزان العدل والحكمة والوحدة والمصلحة. أما مصطلح التخوين، فقد يكون رغبة نظامٍ أكثر من «زلّة وزير»، وإعفاء الوزير نفسه من منصبه أفضل اعتذارٍ عن رفضه تنفيذ هذه الرغبة... وهو العدل بعينه.
ما كان ينقص المشهد المصري إلا ان يطلق وزير العدل المستشار احمد مكي صفة الخيانة على المعارضين لحكم «الاخوان المسلمين». والخيانة في المصطلحات المدنية تعني الخروج على الوطنية والولاء والضمير والعهود، وتعني في أدبيات الأحزاب الدينية الخروج على الدين والإيمان بل ربما الارتداد وما يستتبع ذلك من تحليلٍ للدماء وتحفيزٍ على «النصرة» وتشجيعٍ على «التقويم» باليد قبل القلب واللسان.
وزير عدلٍ في نظامٍ يحكمه «الاخوان المسلمين» يتهم جزءاً من ابناء بلده بالخيانة لأنهم رفضوا موقف السلطة ومارسوا حقهم الطبيعي في الاعتراض السلمي.
رئيس الهرم القضائي سياسياً. الرجل الذي يُفترض ان يكون العدل ميزانه حتى لو جنح كثيرون الى التطرف، يجنح قبل غيره الى تطرف التطرف وينسى انه مؤتمَن على الاستقرار في أصعب الظروف. يعتلي منصة عمادة «التخرج» على مستوى الأمة ويبدأ بتوزيع شهادات الوطنية على مَن يستحق، ويحجبها عمّن يرى انه لا يستحقّ. يفتح المختبرات ويُخضع المعارضين لتحاليل الولاء والوفاء والالتزام والحق والباطل... ثم يُصدر النتيجة: هؤلاء خوَنة.
في الظروف العادية حيث الأمن مستتبّ والاستقرار قائم، يقتضي الوعي السياسي والحكمة والرؤية الواضحة ان يبتعد المسؤول عن تصنيف الآخرين الى معسكرات متضادة، لان التصنيف اول علامات الانقسام المجتمعي واهتزاز الاستقرار، أما في ظروفٍ كالتي تعيشها مصر حاليا، فتصنيف الناس بين وطني وخائن يرتقي الى مستوى التحريم اللهمّ إلا إذا كان الهدف الهروب أكثر بالأزمة الى الأمام وهدم الهيكل على رؤوس مَن فيه.
إخافة المعارضة بتخوينها ليس الجواب عن الاسئلة التي تطرحها أزمة الحكم في مصر. التلويح بشارعٍ مقابل شارع ليس «تكتيكاً» سلطوياً بل ربما كان انتحاراً سياسياً. ابتكار قوانين جديدة تملك شرعيات حزبية لا شرعيات دستورية هو بمثابة كرة نار قد تحرق النافخين في كيرها قبل غيرهم، ومن هذه القوانين ان يقوم وزير العدل ومن دون أدلّة او براهين او محاكمات بتخوين مصريين، تاركاً للجماهير الغاضبة ان تحدّد مصير هؤلاء «الخوَنة» طالما ان الجريمة غير معلنة او غير موجودة اساساً، وطالما ان السلطات المعنية لم توقفهم، وطالما ان المحاكم المختصة لم تحاكمهم.
هل يدرك وزير العدل انه جزء من حكومةٍ في نظام يديره «الاخوان»؟ وهل يعرف ان الأحزاب الدينية، حتى لو ارتدت الزيّ المدني وربطة العنق، تقفز في ردود أفعالها احياناً على القوانين والشرعيات الدستورية بحجّة نصرة الشريعة وصيانة العقيدة استناداً الى «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»؟ هل يتذكّر ان مَن طعن الاديب الكبير الراحل نجيب محفوظ بحجّة انه كافر ومرتدّ لم يقرأ حرفاً من روايته «اولاد حارتنا» وقال ان «إمامه» او «شيخه» او «مرشده» او «أميره» قال له إن الكاتب كافر وإن القانون لا يأخذ حق الشرع فانتصر الرجل وأخذ حق الشرع بيده «وهذا أفضل الإيمان»؟ وهل يتحمّل وزير العدل المصري وِزر ان يقوم شخصٌ او مجموعة بالهجوم على مَن اعتبرهم خوَنة واستباحة دمائهم وأعراضهم طالما ان طاعة مَن كشف المعصية واجبة هنا وطالما ان النصرة باليد هي «أفضل الايمان»؟
عندما اعترض الإصلاحيون في إيران على نتائج الانتخابات الأخيرة، تمّ نعْتهم بالخوَنة وأطلق «حماة الثورة» النار على المتظاهرين في طهران، وعندما اجتاح «حزب الله» العاصمة اللبنانية في 7 مايو 2008 مهّد لذلك بتصنيف المعارضين بأنهم خوَنة ومتآمرون على المقاومة، وعندما سار مئة شخص قبل نحو عامين في أحياء دمشق القديمة مطالبين بالاصلاح نعتهم بشار الاسد بالخوَنة ليتجاوز عدد الشهداء لاحقاً الخمسين الفاً.
كان على المستشار مكي ان يزن كل كلمة ينطقها بميزان العدل والحكمة والوحدة والمصلحة. أما مصطلح التخوين، فقد يكون رغبة نظامٍ أكثر من «زلّة وزير»، وإعفاء الوزير نفسه من منصبه أفضل اعتذارٍ عن رفضه تنفيذ هذه الرغبة... وهو العدل بعينه.