قرأت مقابلة المرجع العلامة السيد محمد حسن الأمين المنشورة في «الراي» أمس أكثر من مرة، وتوقفت عند الجانب الفكري فيها لا عند الجانب السياسي الذي اعترف انه تألق به وكان خارجا على المألوف، وشعرت كم اننا بحاجة إلى «علامة أمين» في مختلف الطوائف والمذاهب والمواقع السياسية والسلطوية لجهة النهج الاعتدالي المتوالد من روح ناقدة حريصة على تطور الإسلام والمسلمين بالدرجة الأولى وحريصة على توسيع الفضاء الإنساني العام ليشمل الجميع.
لم اتوقع حقيقة أن نكون أمام مجدد فعلي يعمل على مشروع تنوير حضاري بينما النهج السائد عربيا وإسلاميا اليوم هو مشروع الجمود الفكري والتخلف الحضاري والصدام مع «الآخر»، لذلك استصعبت مهمة الرجل واشفقت على جهده وتمنيت لو كان صوته عابرا لجدار الصوت وحواجز الخوف ومتاريس الحقد والكراهية.
يعيد السيد الأمين البوصلة إلى وجهتها الصحيحة. يحدد وهو العلامة صاحب العمامة خريطة الطريق للخروج مما نحن فيه. «السياسة لا يوجد فيها مقدس. الدين شأن الهي والسلطة شأن بشري»... يحاول السيد الأمين زحزحة مبدأ جثم على صدور وعقول وأفكار وممارسات بعضنا لعقود بل ربما لقرون. فكل انسان في رأيه هو ولي نفسه لان لا كهنوت في الإسلام، رافضا أي سلطة يمارسها أي شخص بدعوى الحق الالهي «فهذا اعتبره يتنافى مع مبدأ الحرية العليا في الإسلام».
هو من دعاة الدولة المدنية، فالانسان ولي نفسه، ولا ولاية لأحد على احد، انما كيف تنتظم المجتمعات وآلية السياسة والديموقراطية والحريات في هيكل واحد؟ يجيب إن الولاية مشروعة عندما يقيم الناس بينهم عقدا اجتماعيا، فهذا لا يقيد الحرية بل جاء منها لانه خيار تنظيمي، خالصاً إلى انه «لا ولاية على الأمة من خارج الأمة» أي أن الشعب هو مصدر السلطات «والأمة تبرم عقدا مع أشخاص مختارين منها كي يبنوا سلطة فتصبح هذه السلطة شرعية بموجب هذا العقد».
اعادة الاعتبار إلى العقل جوهر الدين الاسلامي في رأيه بل ان العقل هو المحرك الاساسي لمعرفة الدين وشرحه وتوسيع مداركه. لا يمكن لعاقل ان يكون متطرفا أو متخلفا، ولا يمكن لأمة أن تتطور وتتقدم إذا لم تعط الأولوية لعقلها ليشكل رافعة لكل شيء بما في ذلك الدين. وللسيد الأمين مواقف كثيرة يتحدث فيها صراحة عن تقدم أوروبا والعالم الحديث نتيجة الرافعة العقلية الحضارية التي نقلت الصراعات والسجالات الدينية من منطقة الأولويات إلى منطقة أخرى لتتغلب عليها أولويات أخرى مثل العلم والتنمية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي... «هذا البحث التجديدي يساهم في انتاج إسلامنا، إسلام العقل الذي من دونه سنبقى على هامش التاريخ، ولن يجدينا أن أسلافنا الكبار استطاعوا أن ينتجوا إسلاماً حضارياً يصلح لزمنهم لكنه لا يصلح لزمننا». مشيرا إلى ان المسلمين وضعوا العقل جانبا بحكم الهزائم التي ورثوها وبحكم الاستبداد الذي عاشوه «فبدا العقل الاسلامي كما لو انه عقل غير منتج ولا يتمتع بالفعالية اللازمة».
بعد وضع الاسس النظرية في مشروعه التجديدي ينتقل السيد الامين إلى الحوار المطلوب والممكن بين المسلمين أنفسهم، ولا يرى أي فاعلية لهذا الحوار ان ارتكز على الدين. يريده حوارا سياسيا ينتج عنه التقارب «لسبب أساسي هو أن الأجواء التي يعيشها المسلمون متشابهة والظروف التي يعاني منها المسلمون متشابهة وبالتالي فالتضامن بين المسلمين كفيل بحل هذه المشكلات. أي مشكلات التنمية والحريات. وعندما يحصل هذا التقارب يصبح الحوار المذهبي ممكنا»... مرة أخرى يغلّب العلامة الامين القيم المدنية من تنمية وحريات وديموقراطية على قيم الاختلاف المذهبي والطائفي ويرى ان معالجة الاولويات الاساسية للناس تضعف الخلافات الأخرى، وهي خلافات عقيمة بكل الأحوال. ومرة اخرى يرى السيد الأمين أن طريق الحوار لن يستقيم ان لم يتعلم المسلمون كيف يختلفون وكيف يحولون الخلاف أو الاختلاف إلى رحمة، ومن كان يملك عقلا متقدا يعرف حكماً كيف يختلف حضارياً مع الآخر.
يمارس السيد الأمين أعلى درجات النقد الذاتي في منهجه، سواء تعلق الامر ببعض مواقف الطائفة الشيعية الكريمة التي ينتمي اليها، أو بالفضاء الإسلامي الأوسع. يركز على المشتركات ولا يهوى كثيرا الخوض في تفاصيل الخلافات، الحقيقي منها أو المختلق، يقول في المقابلة «راشد الغنوشي (زعيم حركة النهضة التونسية) صديق لي، ولا يوجد فارق بين رؤيته للدولة ورؤيتي لها. الدولة شأن بشري. الدولة شأن مدني وليست شأنا دينيا... والاسلام لا يتعارض مع الدولة المدنية».
كلام السيد الامين يعّقد الامور كثيرا ويصعّب مهمتنا، فمثل هذه المواقف مرآة عاكسة، ليس لما نحن عليه إنما لما يجب أن نكون عليه، ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
جاسم بودي
لم اتوقع حقيقة أن نكون أمام مجدد فعلي يعمل على مشروع تنوير حضاري بينما النهج السائد عربيا وإسلاميا اليوم هو مشروع الجمود الفكري والتخلف الحضاري والصدام مع «الآخر»، لذلك استصعبت مهمة الرجل واشفقت على جهده وتمنيت لو كان صوته عابرا لجدار الصوت وحواجز الخوف ومتاريس الحقد والكراهية.
يعيد السيد الأمين البوصلة إلى وجهتها الصحيحة. يحدد وهو العلامة صاحب العمامة خريطة الطريق للخروج مما نحن فيه. «السياسة لا يوجد فيها مقدس. الدين شأن الهي والسلطة شأن بشري»... يحاول السيد الأمين زحزحة مبدأ جثم على صدور وعقول وأفكار وممارسات بعضنا لعقود بل ربما لقرون. فكل انسان في رأيه هو ولي نفسه لان لا كهنوت في الإسلام، رافضا أي سلطة يمارسها أي شخص بدعوى الحق الالهي «فهذا اعتبره يتنافى مع مبدأ الحرية العليا في الإسلام».
هو من دعاة الدولة المدنية، فالانسان ولي نفسه، ولا ولاية لأحد على احد، انما كيف تنتظم المجتمعات وآلية السياسة والديموقراطية والحريات في هيكل واحد؟ يجيب إن الولاية مشروعة عندما يقيم الناس بينهم عقدا اجتماعيا، فهذا لا يقيد الحرية بل جاء منها لانه خيار تنظيمي، خالصاً إلى انه «لا ولاية على الأمة من خارج الأمة» أي أن الشعب هو مصدر السلطات «والأمة تبرم عقدا مع أشخاص مختارين منها كي يبنوا سلطة فتصبح هذه السلطة شرعية بموجب هذا العقد».
اعادة الاعتبار إلى العقل جوهر الدين الاسلامي في رأيه بل ان العقل هو المحرك الاساسي لمعرفة الدين وشرحه وتوسيع مداركه. لا يمكن لعاقل ان يكون متطرفا أو متخلفا، ولا يمكن لأمة أن تتطور وتتقدم إذا لم تعط الأولوية لعقلها ليشكل رافعة لكل شيء بما في ذلك الدين. وللسيد الأمين مواقف كثيرة يتحدث فيها صراحة عن تقدم أوروبا والعالم الحديث نتيجة الرافعة العقلية الحضارية التي نقلت الصراعات والسجالات الدينية من منطقة الأولويات إلى منطقة أخرى لتتغلب عليها أولويات أخرى مثل العلم والتنمية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي... «هذا البحث التجديدي يساهم في انتاج إسلامنا، إسلام العقل الذي من دونه سنبقى على هامش التاريخ، ولن يجدينا أن أسلافنا الكبار استطاعوا أن ينتجوا إسلاماً حضارياً يصلح لزمنهم لكنه لا يصلح لزمننا». مشيرا إلى ان المسلمين وضعوا العقل جانبا بحكم الهزائم التي ورثوها وبحكم الاستبداد الذي عاشوه «فبدا العقل الاسلامي كما لو انه عقل غير منتج ولا يتمتع بالفعالية اللازمة».
بعد وضع الاسس النظرية في مشروعه التجديدي ينتقل السيد الامين إلى الحوار المطلوب والممكن بين المسلمين أنفسهم، ولا يرى أي فاعلية لهذا الحوار ان ارتكز على الدين. يريده حوارا سياسيا ينتج عنه التقارب «لسبب أساسي هو أن الأجواء التي يعيشها المسلمون متشابهة والظروف التي يعاني منها المسلمون متشابهة وبالتالي فالتضامن بين المسلمين كفيل بحل هذه المشكلات. أي مشكلات التنمية والحريات. وعندما يحصل هذا التقارب يصبح الحوار المذهبي ممكنا»... مرة أخرى يغلّب العلامة الامين القيم المدنية من تنمية وحريات وديموقراطية على قيم الاختلاف المذهبي والطائفي ويرى ان معالجة الاولويات الاساسية للناس تضعف الخلافات الأخرى، وهي خلافات عقيمة بكل الأحوال. ومرة اخرى يرى السيد الأمين أن طريق الحوار لن يستقيم ان لم يتعلم المسلمون كيف يختلفون وكيف يحولون الخلاف أو الاختلاف إلى رحمة، ومن كان يملك عقلا متقدا يعرف حكماً كيف يختلف حضارياً مع الآخر.
يمارس السيد الأمين أعلى درجات النقد الذاتي في منهجه، سواء تعلق الامر ببعض مواقف الطائفة الشيعية الكريمة التي ينتمي اليها، أو بالفضاء الإسلامي الأوسع. يركز على المشتركات ولا يهوى كثيرا الخوض في تفاصيل الخلافات، الحقيقي منها أو المختلق، يقول في المقابلة «راشد الغنوشي (زعيم حركة النهضة التونسية) صديق لي، ولا يوجد فارق بين رؤيته للدولة ورؤيتي لها. الدولة شأن بشري. الدولة شأن مدني وليست شأنا دينيا... والاسلام لا يتعارض مع الدولة المدنية».
كلام السيد الامين يعّقد الامور كثيرا ويصعّب مهمتنا، فمثل هذه المواقف مرآة عاكسة، ليس لما نحن عليه إنما لما يجب أن نكون عليه، ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
جاسم بودي